صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

علماء الشيعة.. وأربعين الحسين (ع)   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام: الفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الخَيْر، وكلماته عليه السلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، ودراية كل جملة وفقهها تحتاجُ إلى تأملٍ كبير.
 
إنّ الفرصة تمر كما يمرّ السحاب، وتشبيه الفرصة بالسحاب بابٌ من العلم، السحاب منشأٌ للمطر، وبالمطر حياة الأرض، والفرصة كالسحاب ينبغي أن تمطر مطر الرحمة على الحياة، فتثمر الخيرات من هذا المطر.
 
فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الخَيْر: أيام الأربعين، شهادة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، شهادة الإمام الحسن بن علي عليه السلام، والإمام علي بن موسى عليه السلام، كلُّها ربيعٌ يهيئ القلوب المنتظِرة للرحمة والفقاهة.
 
نتيجة هذه الدروس والأبحاث هو نجاة الناس في عصر الغيبة من ظلمات الجهل والشُّبُهات.
 
اغتنموا هذه الأيام، انقضت العشرة الأخيرة من صفر العام الماضي كأن لم تكن، فهنيئاً لمن استفادَ من هذه الفرصة، وعرَّفَ قلباً على الله تعالى، وبذرَ بذور معرفة إمام الزمان، وهذه السَّنَةُ أيضاً ستنقضي، فلا تخسروا هذه الفرصة.
 
مسؤوليتنا ثقيلةٌ، إذا كنتم تتفكرون في هذا الدعاء الذي نقرأه كل يوم، فإن الأمر باعثٌ على الذهول، ما هي هذه الكلمات؟
 
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه: افعل بي يا إلهي ما يجعلني من أنصاره وأعوانه، والمهم هو (والذابين عنه): اجعلني ممن يذبّ ويدفع عنه عليه السلام.
 
إنّ زمن الغيبة هو عصر الامتحان الكبير لكم، لأن مسؤولية كفالة أيتام أمير المؤمنين عليه السلام في عصر الغيبة بعُهدَةِ من تَلَبَّسَّ بلباس خدمته عليه السلام.
 
اسعوا أن تجدوا منطقةً محرومة، فالنفوسُ مستعدةٌ هذه الأيام، وينبغي الاستفادة من هذا الاستعداد في ربيع الأربعين ونسيم شهادة أركان الدين، لأنّ القلوب مستعدة، وينبغي زرع بذور المعرفة والطاعة، ومعرفة الله تعالى، ومعرفة وليّ العصر، مَن مِنه الوجود، ومَن بِهِ الوجود.
 
إذا تمكنتم في هذه الأيام أن تُعَرِّفُوا شخصاً بِمَن مِنهُ الوجود، ومَن به الوجود، فإن لكم أجر 100 سنةٍ، صلاة ليلها وصوم نهارها، يُكتب في صحيفتكم. ماذا فعل أصحابه؟
 
قـــوم إذا نــودوا لدفع ملمّـــــة * * * والناس بين مدعّس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا * * * يتهــافتون على ذهاب الأنفس
 
لبسوا القلوب على الدروع، وذهبوا للميدان ليُعطوُا أرواحهم ويحيوا هذا الدين وهذا المذهب، والمهم هو فقه الأحاديث لا روايتها، بل درايتها، ونحن نكتفي بروايتين، وتتم الحجة بهذا على الجميع، وإن توفرت لنا فرصةٌ نبحث في فقه هاتين الروايتين باختصار، وفي كل جملةٍ بابٌ من العلم.
 
عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا، وَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَى نُورِ العِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ [بِهِ‏]، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ، يُضِي‏ءُ لِأَهْلِ جَمِيعِ تِلْكَ العَرَصَاتِ، وَ[عَلَيْهِ‏] حُلَّةٌ لَا يَقُومُ لِأَقَلِّ سِلْكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
 
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ [مِنْ عِنْدِ الله‏]: يَا عِبَادَ الله هَذَا عَالِمٌ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَةِ آلِ مُحَمَّدٍ، أَلَا فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلِهِ فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ، لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ العَرَصَاتِ إِلَى نَزْهِ الجِنَانِ.
 
فَيُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً، أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلْبِهِ مِنَ الجَهْلِ قُفْلًا، أَوْ أَوْضَحَ لَهُ عَنْ شُبْهَةٍ.
 
ودراية هذه الرواية مهمة، وفي كلِّ جملةٍ منها بحثٌ، ونحن نتعرض لبعضها على نحو الإشارة.
 
مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا عَالِماً بِشَرِيعَتِنَا: العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من أراد أن يهديه، والشرط الأول أن يكون من شيعتنا وأتباعنا، والشرط الثاني أن يكون عالماً بشريعتنا.
 
وَأَخْرَجَ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا مِنْ ظُلْمَةِ جَهْلِهِمْ إِلَى نُورِ العِلْمِ الَّذِي حَبَوْنَاهُ [بِهِ‏]: فالعلم ليس بالدّرس فقط، الدرس هو المقتضي، أما العلَّةُ التامة فبعد أن يصبح المقتضي توأماً مع شرائطه، والشرائط على قسمين: مكمّلُ الفاعل، ومتمّمُ القابل، وثالثاً رفع الموانع، حينها يظهر الأثر.
جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ: وله خصوصيتان، إحداهما على الرأس والأخرى على البدن، وكلمات الأئمة في قمّة الفصاحة والبلاغة، وفيها بيان تمام الدقائق.
وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ يُضِي‏ءُ لِأَهْلِ جَمِيعِ تِلْكَ العَرَصَاتِ: بين النور والضياء فرقٌ، وفِقه الحديث في غاية الإشكال، ﴿هُوَ الَّذي ‏جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالقَمَرَ نُوراً﴾، وتعبيره هنا عليه السلام: تَاجٌ مِنْ نُورٍ يُضِي‏ءُ لِأَهْلِ جَمِيعِ تِلْكَ العَرَصَاتِ، فأيُّ نورٍ لهذا التاج حتى يضيء كلّ عرصات المحشر؟ هذا في الرأس.
 
أما البدن: وَ[عَلَيْهِ‏] حُلَّةٌ لَا يَقُومُ لِأَقَلِّ سِلْكٍ مِنْهَا الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا: فلنعرف الدنيا أولاً حتى نفهم الحديث، ونص القرآن ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ﴾، فكلُّ هذه الكواكب التي يصلنا نورها بعد مليارات السنوات الضوئية من مسير النور، وهو الذي يسير في كل ثانية 300 ألف كيلومتر، كل هذه الدنيا بما فيها لا تساوي أقلّ سلكٍ من تلك الحلة! هذا الرأس وهذا البدن..
 
أمّا ما يحيِّرُ أهل المحشر شاؤوا أم أبوا فهو قوله عليه السلام:
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ [مِنْ عِنْدِ الله‏]: يَا عِبَادَ الله هَذَا عَالِمٌ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَةِ آلِ مُحَمَّدٍ أَلَا : و(ألا) هنا للتنبيه، وفيها لطائف من جهة دراية الحديث.
 
فَمَنْ أَخْرَجَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْرَةِ جَهْلِهِ فَلْيَتَشَبَّثْ بِنُورِهِ: أيُّ نورٍ هذا، كلُّ مَن استفاد منه يتشبث به، ﴿الله نُورُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ﴾ ينال مثل هذا النور.
لِيُخْرِجَهُ مِنْ حَيْرَةِ ظُلْمَةِ هَذِهِ العَرَصَاتِ إِلَى نَزْهِ الجِنَانِ، فَيُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً: وهذه الجملة الأولى، وهنا ثلاث مطالب: الأول: مَنْ كَانَ عَلَّمَهُ فِي الدُّنْيَا خَيْراً، وكلمة الخير إشارة إلى بيان عيسى عليه السلام: إِنَّ مُعَلِّمَ الخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ دَوَابُّ الأَرْضِ، وَحِيتَانُ البَحْرِ، وَكُلُّ ذِي رُوحٍ فِي الهَوَاءِ، وَجَمِيعُ أَهْلِ السَّمَاءِ وَ الأَرْض، هذا أثر تعليم الخير.
 
أَوْ فَتَحَ عَنْ قَلْبِهِ مِنَ الجَهْلِ قُفْلًا: والتعبير عجيبٌ، وهنا إشارة الى تلك الآية ﴿أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها﴾، فما هو مفتاح قفل الجهل؟ كلماتُ أهل بيت العصمة، بيِّنوا الحقيقة للناس، اقرؤوا لهم كلمات ومواعظ المعصومين الأربعة عشر، افتحوا قلوبَهم من أقفال الجهالات.
 
أَوْ أَوْضَحَ لَهُ عَنْ شُبْهَةٍ: هذه إشارات عن التبليغ: تعليم الخير وفتح أقفال الجهالات وإزالة الشبهات، اجعلوا هذا الحديث رسالة لسَفَرِكم، فما تكون النتيجة وما الثمرة؟
 
من كتاب (أنوار الإمامة) ص386.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/08



كتابة تعليق لموضوع : علماء الشيعة.. وأربعين الحسين (ع)   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net