صفحة الكاتب : عباس العزاوي

لم نتفق على ترتيب خيمة!
عباس العزاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اختلفنا وكِدْنا نتشاجر في معسكر الارطاوية على قضية تشابه في خطورتها واهميتها اهمية توزيع المناصب السيادية في حكومة العراق الجديد مع تباين طفيف في حجم المسؤولية والمكان!! فقد كانت فكرة اعادة ترتيب بيتنا الصغيرـ الخيمة ـ من جديد  معضلة كادت ان تدفعنا لحرب داخلية شرسة  تحرق الخيمة على رؤوس الجميع , مسكن بائس لايُغني عن العواصف والامطار شيئا ضمن مجموعة كبيرة من الخيام  داخل مربع محاط بالاسلاك بمساحة  500 متر مربع  يُسمى " الشبك " كان ذلك عندما قررنا نحن اعضاء القيادة المحلية في جمهوريتنا الجديدة ,  تنظيف سجننا البسيط هذا بعد ان اصبح مغبراً ومليئاً بالرمال الزاحفة من الصحراء!!
اربعة شباب من محافظات مختلفة , بغداد , الكوت , الناصرية ,البصرة من أبناء العراق الذين اشتركوا في الانتفاضة الشعبية 1991ضد الطغيان البعثي , دفعتهم ظروف المعركة الغير متكافئة بينهم وبين جيش وطنهم الغالي!!! , للهرب خارج الحدود حفاظاً على النوع , المكان الجديد داخل اقفاص  " الضيافة " الوهابية غيَّر نفوس الكثير منّا وجعلها اكثر عدوانية ونزقاً, الضيق , الخوف , الغربة , وفقدان الامل بالعودة مرة اخرى لتلمس الارض الصلبة والاتكاء على الجدران كباقي خلق الله , فما يحيط بنا من مساحات رخوة كمواقفنا الوطنية الحالية... ممتدة حولنا كأنها البحر الواسع ,تحجب الدنيا عن ابصارنا وتسخر كل صباح من احلامنا  الكبيرة بعواصف رملية لاتبقي ولاتذر!!  
تحولت همومنا الوطنية العليا بعد حين للبحث عن امتيازات ساذجة ومضحكة لاتنسجم وروح التصدي للظلم والجور ولاتتفق بأيِّ شكل من الاشكال ومستوى الحدث الذي صنعناه بايدينا دون دعم خارجي!! فمن يرفع السلاح بوجه الطغاة والمجرمين يفترض ان يكون اكبر بكثير من همومه الشخصية ورغباته الآنية!!. وللامانة الادبية اقول بان الجميع اشترك بالعمل دون تقصير لكن مشكلتنا الجوهرية!! انطلقت عندما صاح صاحبنا, ابن البصرة, قبل ان نشرع بأعادة الأفرشة الى أماكنها!!
ــ  انا لااريد ان انام قرب باب الخيمة كما في السابق فهذا المكان بارد طوال الليل , ثم ان الخيمة خيمتي في الاساس وانتم جئتم معي ومن حقي ان انام في المكان المناسب!
فرد ابن الناصرية بطريقة تهكمية مع ابتسامة ماكرة..
ــ وانا ايضا في مواجهة الغضب البارد , وتيارات الهواء اللعينة تلتهم ظهري بشهية مفرطة!! ولاتدعني انام طوال الليل,  ...اريد ان انام في الزاوية!!.
 وهكذا احتدم النقاش وارتفعت وتيرة الصراخ والجدال بشكل ينذر بمعركة  طاحنة ربما يخسر فيها الجميع  الهدوء النفسي والمودة التي بيننا, تمخض عن هذا الصراع سؤال محوري أقلق سكان الخيمة ودفعهم للثورة!! من منّا سينام في الزاوية؟, اي في المكان الاكثر دفئا ً في الخيمة, ولغرض نزع فتيل الازمة الخطيرة وحرصاً وطنياً مني على حفظ المأوى من الخراب والتشظي ,اقترحت عليهم ان انام انا قرب باب الخيمة لأني آخر القادمين اليها.. فأعترض صاحبنا الاخر  ابن الكوت , معللاً ذلك بعدم عدالة  الحل واردف متسائلاً ..لماذا لايرجع الوضع كما في السابق؟!! ....انا بدوري كنت اراقب مايجري بحذر, وانظر الى وجوه رفاقي الطيبين الذين احببتهم كثيراً وعشت معهم ردحاً من الزمن ,وهم يناقشون هذه المسألة الحيوية باهتمام عظيم ,وقد بانت مظاهر السخط والاستياء على وجوههم المتعبة, وتطاير الشرر من عيونهم الغاضبة!
ـ اذا لم نتفق على ترتيب خيمة من ستة امتار, فكيف سنتفق على اسقاط صدام!؟ ..
 قلتُ ذلك وانا اقف مستنداً على عمود باب الخيمة , فرانَ صمت مَهيب على الحاضرين وتطامنتْ انوفهم بأنكسار وخجل محزن ,ثم انفجروا ضاحكين كالمجانيين ... ليس لقوة الكلمة التي قلتها وحسب بل لاكتشافهم المفاجئ تفاهة المشكلة وتصاغرها امام وضعنا المزري بشكل عام في تلك البقعة اللعينة من صحراء الحجاز , والتي كادت ـ اي المشكلة ـ ان تدّمر صحبتنا الجميلة وليالي السمر الممتعة التي  نتبادل فيها اطراف الحديث وقراءة الشعر.
كانت هذه الحادثة من ارض الواقع وليس من نسج الخيال, وشخوصها مازالوا على قيد الحياة , حدثت ونحن بأمس الحاجة للتآخي والمودة في ارض غربتنا القاسية تلك, ولدينا من الجوامع الكثيرة التي تجمعنا , وظروف قاهرة تحيط بنا من كل جانب كأنها شياطين الجن المتراقصة حول خيامنا وارواحنا بعبثية سادره...!
فهل من الممكن ان نستهجن اليوم  صراع الساسة  في العراق على توزيع المناصب السيادية  ومراكز القرار , وخلافاتهم الدائمة عليها!! وهل مازال غريباً أمرهم؟ وهم يقتسمون خراف الثورة في حضرة الجياع والمحرومين والايتام باسياف اوجع من اسياف يزيد , دون واعز من ضمير او حتى خوف من بأس العراقيين ونقمتهم!! فيما اذا استنفذت الهموم والمواجع صبرهم وطاقتهم على التحمل اكثر!! وهم يشهدون بانفسهم حال البلاد  وشعبه وقد تلاقفته ايادي الارهاب والعمالة واذاقته مرارة الموت والالم على فقدان الاحبة والاصدقاء مع كل موجة مفخخات ارهابية قذرة تحصد  اجساد الابرياء وارواحهم دون رحمة!!...
أما آن لهذا الحشد الهائل من الساسة " الوطنيين " ان يعوا حجم الكارثة المقبلة من دول العار والجوار ومؤامراتهم الطائفية!!.. فيما أذا استمرت مواقفهم الغير مسؤولة وتصريحاتهم الكوارثية وحالة اللاتوافق المزمنة فيما بينهم!! أما آن لهم ان يكونوا بحجم العراق وشعبه الكريم وبمستوى هذا الحدث التاريخي العظيم والتحول الديمقراطي الذي انتظرناه طويلاً ...!؟
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس العزاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/13



كتابة تعليق لموضوع : لم نتفق على ترتيب خيمة!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net