صفحة الكاتب : د . حازم عبودي

الفرونيزيس حقيقة البحث عن الزمن الابيض (قصيدة ابحار في ليل معتم )
د . حازم عبودي

( 1 )

يعد الديوان المطبوع للشاعر هادي الربيعي في العام (1977) من المعارف التي اشتغلت على آليات المنهج البنيو ـ سيميائي ذلك لما اتصفت به قصائده المتراكبة في بنائياتها ودلالاتها ,والبنائية ترحيل المعناتي الى لازمات حضورها البنيوي ,والبنيوية عند (جان بياجيه)تمثلت  في البنية والتحول والتدبير الذاتي ,اما السيميائية فكانت من خلال التمثيلات البيرسية التي دعتنا الى الايذان لولوج محور الفرونيزيس ويعني التأمل في حقيقة ما ,اذ ان عالم السيميولوجيا  بيرس قام بتقسيم التمثيلات الى ثلاثة محاور,كان الاول منها في التمثيلات التشابهات والتي تكمن علاقتها بموضوعاتها في ان لها كيفية مشتركة .

والثانية تمثيلات مؤشرات او دلائل والتي تكمن علاقاتها بموضوعاتها في تطابق الوقائع, اما الثالثة فهي تمثيلات الدلائل العامة المسماة بالرموز والتي يكون اساس علاقاتها بموضوعاتها طابعا منسوبا .
ولعلنا نهتم بدراسة بعض من زوايا القصيدة التالية وبتفحص لاخراج حقيقة معينة كما سماها الاغريق بالفرونيزيس ومن خلال الموضوع أي مايقوم به  الماثول بتمثيله سواء اكان هذا الشىء واقعيا ام متخيلا او قابلا للتخيل او لايمكن تخيله على الاطلاق,والموضوع العلامة التي يفترضها الموضوع للاتيان بمعلومات ,وبمعنى ادق ان المعلومات هي علامة.( قصيدة ابحار في ليل معتم)
نجد ان العنوان كما هو واضح من التصور البيرسي من العلامة بصفة عامة لايعين مرجعا ماديا منفصلا عن فعل العلامة ذاتها فأنه لايمكن ان يشتغل الا اذا نظر اليه 
 
(2)
انه علامة .وانه جزء من العلامة قابلا للاشتغال بصفة العلامة , كالتمثيلات التشابهات والتي تكمن علاقتها بموضوعاتها في ان لها كيفية مشتركة .
فلو تناولنا مفردتي افتتاح القصيدة(اشتهي)و(شفتيك) نلحظ ان الاشتهاء فعل حسي بينما الشفتين عضو التأثير الحسي , في حالة وجود الاشتهاء لابد من تناول قطعة ما ,وتلك القطعة هي الشفتين ,فلا اشتهاء بلا طعام كما لاطعام بلا اشتهاء , او تناول ,ولعلنا لانتجاهل عنونة الموضوع في الابحار ,اذ كان الاشتهاء علامة ذلك الابحار في طقس ليلي ربما يشير الى الحلم الخيالاتي او الاحتلام في النوم , في رغبة تسوق الرغبات المتراصة والمتفاقمة الى الانفجار كبركان افاض بتلك المفردات حمما تلوذ خفية صوب التيقظ وتمضي مضيئة صوب الالهام , فما كان من الشاعر ان افتعل الاشتهاء للغوص في علامة ليست هي العلامة الاصيلة او البديلة وانما هي تمثيل التشابه البيرسي في (الابحار هو الليل وهو الاشتهاء وهو حالة من السرد العلاماتي ,كان في احالة تلك الرغبات الى الاستمرار حتى الولوج في اللذة التي هي منتهى ذلك الموضوع .وبعدها يستهل الاشتهاء عملية من المعاناة في حقيقتها ذلك لما يتطلبه قبول الاشتهاء بعد اعلان مبادلة العاشقين كلاهما يهم بالآخر ,فصور الشاعر انه طال بعد الرغبة المشتهاة قبلة كان اثرها تقطر الدم ممزوجا بالسخونة والنار حتى احتدم طعم الاشتهاء وتلاطم في عنفوان ندي وتسرب كالنهر الجاري لكنه ليس بماء بل من جمر , في تعبير مجازي لظهور علامات اكثر جرأة بل وتحديا لحالة من الغليا والانفجار والتسييل : 
اشتهي شفتيك
ارفع عن جرح وجهك خصلة شعر
تساقط منها دم ساخن
واقبلها..يتسرب طعم الدماء الندة 
في داخلي نهر جمر
ولعل الكيفيات المشتركة في التمثيلات التشابهية كانت في مجرى القصيدة في (مفردات اشتهي شفتيك) لخمس مرات :
(3)
1. اشتهي شفتيك
ارفع عن جرح وجهك خصلة شعر
2. اشتهي شفتيك
معلقة  فوق اغصان قلبي المناديل
3. اشتهي شفتيك 
تختبيء الآن في جسدي الامنيات الجميلة
4. اشتهي ان اقبلك الآن
وجهك يحتل كالخمر ذاكرتي
5. اشتهي ان اقبلك الآن
ثم اموت .
في حين حلت التمثيلات البيرسية الثانية كتمثيلات مؤشرات او دلائل والتي تكمن علاقاتها بموضوعاتها في تطابق الوقائع,وانها احالات السيموز العلامي كعملية ابلاغية ,حيقث الباث والمتلقي سيتعرف احدهما على الاخر من خلال مجرى القصيدة وبدورها ستوفر المعارف الاضافية التي تتحدد من خلالها مجموعة من العلامات ,بحيث ان السياق سيكون مسؤولا عن تحديد الابلاغ والموضوع بالذات ,فالعلامة لايمكنها ان توفر المعرفة والمعرفة نكرة اذا لم تستطيع التعرف اليها وفق جديدها .عليه ان التمثيل الدال يظهر في :فعل الاشتهاء المصحوب بالملاحقة من قبل الريح في غياهب الليل المحتلم والمطارد بخيالات النفس الراغبة بل والمنكفئة على التموضع وراء الظلام . وظهر في :
1. تلاحقه الريح
تسقط في قاع قلبي عيونك
2. مبتلة بالدموع
معلقة لحظات الوداع
3. ويصبح عشقي لعينيك موتا 
ومت بعينيك عشقا 
4. حمراء..حمراء
(4)
داخل بركة قلبي
5. يرشون وجهك بالخمر والضحكات الخليعة
ان الملاحظة الاساسية التي يمكن استخراجها من مجموع التمثيل المشابه والدار ماهو الا تصور يعود الى طبيعة الموضوع (واقع الابحار المخيلاتي المصحوب بمنتشيات الحصول على المغامرة وسط الليل البهيم ,فالموضوع حدوث في العالم الخارجي , لكنه مضمون ذهني ماكان ليرتقي لولا الوقوع بتلك المنتشيات المستترة وراء افق الاشتهاء ,وهنا لايحدث التجلي نحو العلامة الفيزيقية الا من خلال الواقع المادي ,الامر الذي يتعلق بحدوث علامة بعلامة وايجاد وحدة ثقافية لاتدرك الا من خلال السنن .
اما التمثل البيرسي الثالث فهو  كتمثيلات الدلائل العامة المسماة بالرموز والتي يكون اساس علاقاتها بموضوعاتها طابعا منسوبا .والعلامة التي تحل محل شىء وليكن موضوعها ,انها تحل محله لامن خلال كل مظاهره بل من خلال فكرة اطلق عليها الرمز الماثول ,فعندما تنطق الكلمة او الجملة فاننا نحيل الى مانود قوله بشكل ضمني ,وتحيل الى اشياء اخرى لايتطلبها السياق الذي نريد ان نبلغ احدا ضمنه شيئا ما ,هو فعل الموضوع الحركي ,ويمكن تلمس ذلك بالاتي:
1. ويصبح عشقي لعينيك موتا 
ومت بعينيك عشقا 
2. والنعاس يعيد الاحبة
في الصحو نبقى وحيدين
3. ونحن انتظار
4. كنت الملم كل الحروف التي سقطت كالثمار الرديئة
5. وجهك يحتل كالخمر ذاكرتي
6. ان شرايينك انتفخت بالغزاة
ان النص القصيدة يعد بوصفه الحامل للعلامات فهو علامة اذا ماتجاهلنا كونه الكون المكتفي بذاته ,بعد ان كان سلسلة من النصوص وسلسلة من العلامات 
(5)
,تمتثل للتحليل ضمن التمثيل الحركي فلكي تؤول ماعليك الا استعادة العلامات ومع ذلك سنكون امام النص الظاهري المباشر واخر هو مايتم التأسيس له عن طريق المؤول .
اشتهي شفتيك
ارفع عن جرح وجهك خصلة شعر
تساقط منها دم ساخن
واقبلها..يتسرب طعم الدماء الندة 
في داخلي نهر جمر
تلاحقه الريح
تسقط في قاع قلبي عيونك
انشد كالجذر فيك
ويصبح عشقي لعينيك موتا 
ومت بعينيك عشقا 
اشتهي شفتيك
معلقة  فوق اغصان قلبي المناديل
مبتلة بالدموع
معلقة لحظات الوداع
وعيناي تسأل كل المرافيء
كل البواخر..والقاطرات
عن الغائبين
وبين المحطات كنا نوزع اشواقنا
والنعاس يعيد الاحبة
في الصحو نبقى وحيدين
تمضي البواخر
والقاطرات
ونحن انتظار
اشتهي شفتيك 
تختبيء الآن في جسدي الامنيات الجميلة
سرب طيور يفاجئه مطر الليل..والريح
كان الشتاء الذي لايفارق يوما
سموات قلبي
(6)
يبعثر اكوام شوقي لعينيك..اني احبك 
اني احبك
اني وضعت على الجرح اوراق شعر المحبين 
كنت الملم كل الحروف التي سقطت كالثمار الرديئة
حمراء..حمراء
داخل بركة قلبي
اشتهي ان اقبلك الآن
وجهك يحتل كالخمر ذاكرتي
قطعتني سياط الحنين اليك
يشدونك الآن فوق 
الصليب
يقيمون
فيك احتفالات رقص
يرشون وجهك بالخمر والضحكات الخليعة
ان شرايينك انتفخت بالغزاة
في الليل يأتي نشيجك 
تستيقظ الشرفات
احبك
فلترقدي فوق حقل الصنوبر 
قلبي
وجهك يحتلني
اشتهي ان اقبلك الآن
ثم اموت .
ومما لاشك فيه ان النظرية التصورية لديه لم تنبني من فراغ بل استندت الى مقومات عملت في خمسة مقولات وهي:الوجود /الكيفية/الاضافة/التمثيل/الجوهر,حيث تستند النظرية في وجودها الفعلي على المنطق ,والمنطق بحث في المعاني الثانية المطبقة عن المعاني الاولى ,بوصف المعاني الثانية ماهي الا تمثيلات والمعاني الاولى هي موضوعات ,ناهيك عن موضوعات الفهم والتي من شأنها ان تؤلف رموزا أي دلائل .
1.واقبلها..يتسرب طعم الدماء الندة 
في داخلي نهر جمر
(7)
2. قطعتني سياط الحنين اليك
3. يقيمون
فيك احتفالات رقص
 
اذ تنطبق قواعد منطق الشفرة على كل الرموز المكتوبة والشفوية ,وكذلك الرموز التي لامحل لها الا الفكر ,وبالمقابل فهي لاتنطبق على التشابهات ولا على المؤشرات مباشرة مادامت لاتوجد هنالك حجج يمكن ان تؤلف منها وحدها.وليس من الضروري ان تظهر العلاقة بالفهم او عدمه.
1.احبك
فلترقدي فوق حقل الصنوبر 
قلبي
وجهك يحتلني
ومن خلال النظرية التصورية يمكن احداث التمييز بين التصورات ,ذلك ان التصور يشغل حيزا من الفكر في حاضره , وما الرموز الخارجية سوى غلاف تقبع تحته الحقيقة للمحافظة على كيفيتها اكبر قدر ممكن من الزمن القابل للفهم ,وعبر المنطق التشفيري سيغطى الرمز قيمة التصور ,في تبادلية الرمز =الموضوع كما الموضوع=الرمز .
هكذا اصبح الفرونيزيس التصوري عبر ثلاثية العلوم المعقولة  حقيقة اولها في النحو الصوري الحادث بحثه في الشروط الصورية التي تدل الرموز في مقامها ,بمعنى البحث في الاحالة العامة للرموز من حيث اسسها او طبائعها وثانيها في علم المنطق الباحث في الشروط الصورية لحقيقة الرمز ,ثم ثالثها في الخطابة الصورية وهو ما يبحث في الشروط الصورية لقوة الرمز واحالته الى المؤول .فالمؤول يقصد به المستويات (المستوى التركيبي والدلالي والتداولي ).
 1. اشتهي شفتيك
2. اشتهي ان اقبلك الآن
ثم اموت .
(8)
ومن هنا تكون الرموز حسب مااشرنا انها معروفة ومتداولة ,فالقضية تتكون من حدود ,والحجة تتألف من قضايا والحد يظل شكلا فارغا وبدوره ستكون الحجة اكبر من القضية والقضية اكبر من الحد .فالحد حينما يشير الى انفصال موضوع الرمز يسمى موضوعا ,وحينما يشير الى الاساس يسمى محمولا ,ومن خلال ماتشير اليه الموضوعات /الموضوع تتكون القضية المرتبطة اصلا بما يعينه المحمول .
كما جاء في المنطق الصوري وهو المعنى التقني في الدلالة العلمية /جاء اثناء حديث اكام او كيوم عن تأليف القضايا من حدود هي كليات ,وان هذه الحدود تدخل في القضايا بوصفها موضوعات للعلل الا انها تمتلك دلالة .
فالمعنى يدل على مقامات ومقالات او على اوضاع ودلالات التي تتخذها الحدود ,ويمكن ان تكون لفظة(الانابة) وهي تعني الاحالة.
في الليل يأتي نشيجك 
تستيقظ الشرفات
احبك
وفي ضوء الاحالة نجد ان الاحالة اصبحت تعني ,بسيط وشخصي ومادي.والعلاقة بين الصور الثلاث للحجج والاشكال ستكون تأويلية في تمثيلها (للقاعدة والحالة والنتيجة) عبر الاستنباط والفرضية والاستقراء.
وخلاصة ان الوصول الى الحقيقة في معنى القصيدة وشكلها البياني يدعونا الى الامساك بالذات قبل الاشياء وانطلاقا مما توفره فعالية التأويل ,فاننا نستحيل اعطاء الواقعة تأويلا واحدا في مغزى الشاعر لكننا نمثل مستويات الادراك لتفهم البيرسية في البنائية والسيميولوجيا وفق ماتتبعناه في (الموضوع والمؤول والماثول) في اعتبار ان الوحدة هي ماسعى اليها الشاعر(الربيعي) مابين عنوان الموضوعة القصيدة ومابين معطيات قصيدته ,ايذانا منه وتأكيدا لى البعد الدلالي الرمزي بالرغم من الشبقية العالية في المنصوصات السردية المتنوعة التي شكلت الحكاية كبنية دلالية استمدت حبكتها في كيفية ان يصبح القارىء شاعرا .  
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حازم عبودي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/13



كتابة تعليق لموضوع : الفرونيزيس حقيقة البحث عن الزمن الابيض (قصيدة ابحار في ليل معتم )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net