صفحة الكاتب : عمار عبد الكريم البغدادي

من وحي شهريار وشهرزاد (75) أحوال العاشقين
عمار عبد الكريم البغدادي

 شهرزاد : أكاد أحلق معك في ذلك العالم العلوي .. وانت تتحدث عن البريق في عيون العاشقين , فهلا أخبرتني عن علامات العشق؟

شهريار : أراك محلقة فعلا .. حسناً ، كما أسلفنا : إذا تحقق العشق بتشاكل النفوس ثم إمتزاجها لاح بريق في العيون التي كانت طريقا سالكا للتناسب والتكامل ، وتحوّل لحظها الغامض وسرّها العميق الى علامات سعادة غامرة في عيون المحب كلما دنى المحبوب ،وهو الى مرارة متفاقمة أقرب إذا حالت بينهما الأيام والظروف ، والعجب العجاب أن يستلذ المحب قساوة المحبوب أو فراقه لطارئ ، فترتسم على وجهه ابتسامة حائرة تملأ محياه  بينما الدموع تتساقط على شفتيه ، وإنه الى بَهَتٍ في وجه أقرب ، فلا يعرف فرحه من حزنه ، وإنسهُ أن يعتزل الناس،  ويخاطب النجوم ، ويرقب إشراقة الشمس علّها تاتي بخبر سعيد من المحبوب الغائب ، وأعزُ اللحظات على قلبه تلك التي يطرأ فيها ذكر الغائب عن ناظره ، الحاضر في أعماقه ، أو يمرُ  بقربه شبيه لمحبوبه في الشكل ،أو المشية ،أو العِطر ، فاذا لمح إبتسامة كتلك التي يعشقها إنمحت علامات البَهَت من  وجهه ، وتألق بريق الحب في عينيه أيما تألق ،وإنه ليتحين الفرص ليثني على صفات محبوبه من غير أن يذكره ، كأن يعلن أمام الحاضرين أعجابه الشديد بخلق يتخلق به ذلك المعشوق وإنْ كان غير محمودٍ لدى الناس ، ويبذل جهدا منقطع النظير للدلالة على محاسن ذلك الخُلقِ وأثره الجميل على النفس ،ولا يبرح الحديث عنه حتى يرى علامات القبول والإعجاب لدى الحاضرين  ، أو ينصرف مغاضبا فيثير عجبهم بشكل مغاير عمّا كان يطمح إليه .

والعاشق هو المنافس الوحيدة للأم التي - كما ذكرنا آنفا - تستلذ بألم الولادة ،لتفيض محبة وسعادة ، وهي تكحل عينيها برؤية مولدها بعد مخاض عسير تقترب فيه من الموت ألف مرة ، وهما ( العاشق والأم) يفندان قاعدة ذهبية يستند إليها أهل علم الكلام وشرّاح الحب والغرام ، ومن بينهم الأمام الغزالي إذ يقول : (فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء الملذ فان تأكد ذلك الميل وقوى سمي عشقا والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب فإذا قوى سمى مقتا)  .

وهنا أسأل ياشهرزاد أي شيء أكثر أيلاما للعاشق من وجد الفراق أو قساوة المحبوب وتمنعه ؟ لكنه بخلاف القاعدة - التي لم يتفرد بها ابو حامد الغزالي- يجد لذة عجيبة في ذلك الألم تقربه من الموت لكنها تزيده عشقا ، والموت عنده أهون من نفرة يتسبب بها الألم عادة ، فتلك اللذة كعسل بمرارة العلقم (لايجد عنه مصرفا )  ليداوي آهات صدره التي تكاد تخرج معها روحه ، وأنه ليعلم علم اليقين أن ذلك العسل لا يزيده إلا آلاما ووجدا فلا شفاء إلا بوصل المحبوب .

ودعينا هنا ياشهرزاد نستعرض قصة أوردها عبقري العشق ابن حزم الأندلسي في رسالته الخالدة إذ يقول : ( ولقد علمتُ فتى من بعض معارفي قد وحل في الحب وتورط في حبائله، وأضر به الوجد، وأنصبه الدنف، وما كانت نفسه تطيب دعاؤه إلا بالوصل والتمكن ممن يحب، على عظيم بلائه وطويل همه، فما الظن بسقيم لا يريد فقد سقمه ؟ ،  ولقد جالسته يوماً فرأيت من إكبابه وسوء حاله وإطراقه ما ساءني، فقلت له في بعض قولي: " فرج الله عنك " فلقد رأيت أثر الكراهية في وجهه) 

ثم  أنشد الأندلسي من شعره لوصف الحالة فقال :

وأستلذ بلائي فيك يا أملي ... ولست عنك مدى الأيام أنصرف

 إن قيل لي تتسلى عن مودته ... فما جوابي إلا اللام والألف .

فكلمة (لا ) ياشهرزاد هي أول ما يتبادر الى العاشق الموجّعِ وَجْدا ،المعلولِ صبابة ، الذي يقترب كل يوم من الموت بلا علّة مرئية ، حينما ينصحه المقربون بالسلوان او البحث عن بديل يداوي القلب العليل . 

شهرزاد : أراك تُفرق بين العاشقَينِ بلفظي المحب والمحبوب فما السر في ذلك بعد أنْ علمنا إنَ الإمتزاج النفسي (العشق) هو علاقة تكامل ؟!.

سأجيبك في المرة المقبلة

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار عبد الكريم البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/25



كتابة تعليق لموضوع : من وحي شهريار وشهرزاد (75) أحوال العاشقين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net