صفحة الكاتب : شعيب العاملي

يوم يقطُرُ رأسُ الحُسَيْنِ دماً !
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
تَحيَّرَت العقولُ في دماء الحسين عليه السلام..
 
وكان مِن أعجَب ما جرى تَقَاطُرُها مرّتان: الأولى يوم عاشوراء، والثانية يوم القيامة، وبين هذا وذاك، تقاطَرَت دماءُ شيعته مِن رؤوسهم جيلاً بعد جيل!
 
1. شيبة الحسين تقطر دماً !
 
السَّلَامُ عَلَى الشَّيْبِ الخَضِيبِ !
هذه فقرةٌ من سلام الإمام الحجَّة المهديِّ أرواحنا له الفداء، على جَدِّه الحسين الشهيد.
 
فأيُّ شَيبٍ يُسَلِّمُ عليه الإمام الحجّة ؟!
وبماذا اختَضَبَ الإمام الشهيدُ قبل كربلاء وفيها ؟!
 
إنّ للإمام عليه السلام خضابين:
 
الخضابُ الأوَّل: بِالْوَسِمَةِ
 
وهو نَبتٌ يُصبَغُ به‏، فقد ورد في الحديث: قُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) وَهُوَ مُخْتَضِبٌ بِالْوَسِمَةِ (الكافي ج6 ص483).
ولما سألَ رجلٌ الإمامَ الحسينَ عليه السلام قبل وصوله إلى كربلاء:
يَا أَبَا عَبْدِ الله، هَذَا الَّذِي أَرَى خِضَابٌ أَوْ شَعْرُكَ ؟
فَقَالَ: خِضَابٌ، وَالشَّيْبُ إِلَيْنَا بَنِي هَاشِمٍ يُعَجِّل ! (ثواب الأعمال ص259).
 
‏لقد تَعَجَّلَ الشِّيبُ إلى سيّد الشُّهداء، ولمّا كان الخِضابُ مستحبَّاً، صبَغَ الإمام عليه السلام لحيته، ففي الحديث الشريف: إِنَّ فِي الْخِضَابِ أَجْراً (الكافي ج6 ص480).
 
وقد قالَ النبيُّ صلى الله عليه وآله حينما نظر إلى شيبةِ رجلٍ: نُورٌ.. مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَخَضَبَ الرَّجُلُ بِالسَّوَادِ فَقَالَ النَّبِيُّ (ص): نُورٌ وَإِسْلَامٌ وَإِيمَانٌ، وَمَحَبَّةٌ إِلَى نِسَائِكُمْ، وَرَهْبَةٌ فِي قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ (الكافي ج6 ص480).
 
والإمامُ مُتَّجِهٌ إلى حيث أعدى أعداء الله، إلى قَتَلَةِ الأنبياء وأبناء الأنبياء، فاختضَبَ عليه السلام حيث كان الخِضابُ أدعى للرَّهبة، حينما كان سالماً معافىً بأبي هو وأمي حتى اختفى الشّيب.
 
الخضابُ الثاني: بالدِّماء !
 
وكان للحسين عليه السلام في يوم عاشوراء خضابٌ مِن نوعٍ آخر غير معهود، لم يكُن (بِالْوَسِمَةِ) ولا (بالحنّاء)، ولا بشيءٍ آخر مما اعتاد النّاسُ الخضاب به، لقد كان خِضَاباً بالدِّماء، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
 
ورد في زيارته عليه السلام:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ شَيْبَتُهُ بِدَمِهِ خَضِيبٌ (زاد المعاد ص511).
 
تَغَيَّرَت تلك الشيبةُ المباركة لسيِّدِ الشُّهداء في عاشوراء، بخضابٍ دمويّ هذه المرّة !
لكنَّ الدّمَ كان غزيراً.. كان مشهداً مؤلماً لا يحتملُ المؤمنُ رؤيته.. ويتقطَّع قلبُه لسماعه..
كانت الدماءُ تتقاطرُ من شيبته المباركة ! فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
 
تتقطَّع قلوب المؤمنين لسماع ذلك وما رأوه، فما حالُ مَن عاش أحداث الطف! تقول الحوراء زينب عليها السلام:
بِأَبِي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَاءِ (اللهوف ص134).
وتفديه بنفسها قائلة:
أَنَا الفِدَاءُ لِمَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَا (مناقب آل أبي طالب ع ج‏4 ص113).
 
سلامُ الله على صاحبة القلب الوجيع.. التي رأت شيبةَ أخيها مخضَّبةً بدَمِه الشريف، وهو يتقاطر منها.. فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
 
كَم كان الدَّمُ غزيراً مُتقاطِراً منهمراً حتى ورد في زيارته عليه السلام: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ جِسْمُهُ غَرِيقٌ بِالدِّمَاء.. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ دَمُهُ غُسْلُهُ (زاد المعاد ص511).
الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
ماذا جرى حتى غَرِقَ جِسمُ الحسين بالدِّماء ؟!
كم سالَ من دَمٍ حتى صار دَمُهُ غُسلُه ؟!
كان النَّهرُ بجانب الإمام، لكنَّه عليه السلام كان يغتسلُ بدمائه ويغرق بها!
 
ثمَّ كيف تحمَّلَتِ الأرضُ ومَن عليها تقاطُرَ دَمِهِ الشَّريف، ولم تحتمل الدَّمَ الذي رمى به نحو السَّماء فما سقطت منه قطرة ؟!
 
لقد ظلَّ الحسين رحمةً، فلم يُنزِلِ اللهُ العذابَ على الأمة المنكوسة رغمَ عِظَم الفاجعة.. وسيمهلهم تعالى إلى يومٍ يتقاطر الدَّمُ الحسينيّ فيه ثانيةً !
 
2. رأس الحسين يقطر دماً !
 
يقول الصادق عليه السلام عن دم الحسين عليه السلام: ذَاكَ دَمٌ يَطْلُبُ الله (تَعَالَى) بِهِ (الأمالي للطوسي ص162).
إنِّ لكلِّ مَيِّتٍ ولياً يطلُبُ بدمِه، وكُلَّما عَظُمَ شأنُ أولياء الميِّت عظمُ الطَّلَبُ بدَمِه.
 
لكنَّ مَن يطلُبُ بدم الحسين هو أعظَمُ العظماء، إلهُ السماوات والأرض، الجبار القدير المنتقم، ويطلُبُ جدُّهُ النبيُّ (ص) وأمّه الزَّهراء (ع) بدمه، فإنَّ مصيبته على آل الله تعالى أعظَمُ من كلِّ مصيبة، فـ: مَا أُصِيبَ وُلْدُ فَاطِمَةَ وَلَا يُصَابُونَ بِمِثْلِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
 
لقد تلطَّخ الإمام بالدِّماء التي سالت، حتى يلقى الله تعالى على هذا الحال، فتأخذ الزهراء قميصه يوم القيامة بيدها مضمَّخاً بدمه..
 
وقُطِعَ رأسُ الحسين، فتراه الزَّهراء قطيع الرأس على بابِ دارها.
 
وكأنّ ما يجري هناك مِن آثار وتبعات ما جرى في عاشوراء، حين تتكرَّر هاتان الصورتان يوم القيامة مع الزهراء عليها السلام.
 
لكنَّ صورةً ثالثةً تتكرَّرُ مع النبي (ص) يوم القيامة..
ففي الدُّنيا كانت شَيبةُ الحسين عليه السلام تقطُرُ دماً، وكان الإمام غريقاً بدمائه، مُغسَّلاً بها.
 
وفي يوم الجزاء، يكون لِتقَاطُرِ الدِّماء لَونٌ آخر، فعن الصادق عليه السلام في الخبر الصحيح:
إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَقْبَلَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَمَعَهُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَيَدُهُ عَلَى رَأْسِهِ يَقْطُرُ دَماً !
 
اللهُ أكبَر.. دَمٌ يتقاطَرُ من شيبته في الدُّنيا.. وآخرُ يتقاطَرُ من رأسه في الآخرة ! وهو مع رسول الله صلى الله عليه وآله.
يومٌ في الدُّنيا، أُمهِلَ بعده الناس، وآخَرُ في الآخرة لا مُهلة بعده أبداً.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ أُمَّتِي فِيمَ قَتَلُوا وُلْدِي! (الأمالي للطوسي ص162).
 
فلنسأل هذا السؤال اليوم قبل القيامة:
 
هَل جَهِلَ القومُ حسيناً فقتلوه ؟!
أبداً..
 
أما قال لهم:
أَنْشُدُكُمُ الله، هَلْ تَعْرِفُونِّي ؟
قَالُوا: نَعَمْ أَنْتَ ابْنُ رَسُولِ الله وَسِبْطُهُ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمُ الله، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَدِّي رَسُولُ الله (ص) ؟
قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ !
أما قالوا له بعد أن عرَّفهم عن نفسه وأمه وأبيه وبعض مناقبه: قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ، وَنَحْنُ غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى تَذُوقَ المَوْتَ عَطَشاً ! (الأمالي للصدوق ص159).
 
ليست مشكلةُ القوم مع الحسين إذاً مشكلة جَهلٍ، بل مشكلة كُفرٍ وعصبيّةٍ ونِفاقٍ وبُغضٍ لمحمدٍ وآله !
 
والقومُ في أيّامنا أبناء القوم، ليست مشكلةُ أعداء الشيعة معهم هي جهلُهم بطهارة الشيعة وطِيب معدنهم، ولا باعتداء الشيعة عليهم، فإنَّ الشيعة كفّوا يداً عمَّن سواهُم، وأحسنوا إلى مَن أساء إليهم، واقتدوا بسيِّدِ الشُّهداء عليه السلام، وما بدؤوا أحداً بقِتال، ولا اعتدوا ولا ظلموا..
رغمَ ذلك يُقال لهم: لسنا تاركيكم ! فالقومُ أبناء القوم !
 
ولئن كان الله تعالى قد أمهَلَ هؤلاء وهؤلاء، يوم ظُلِمَ عليه السلام وتَقَاطَرَ الدَّمُ على شيبته المباركة في عاشوراء، ويوم ظُلِمَ شيعته، فإنَّ المهلة تنتهي يوم الجزاء.. ولن يظلَّ سؤال النبيِّ (ص) بلا جواب.. وسينتقم الله تعالى من قاتليه والراضين بفعلهم.
 
3. رؤوس الشيعة.. تقطرُ دماً !
 
وبين هذين الموقفين:
1. تقَاطُر الدَّم من الشَّيبة المباركة في عاشوراء.
2. وتقاطُر الدَّم من الرأس الشريف في يوم الجزاء.
 
يومٌ ثالث:
3. حين تتقاطَرُ الدِّماء من رؤوس كثيرٍ من الشيعة، على مرّ الأيام والسنين، مواساةً لسيِّد الشُّهداء عليه السلام، وتألُّماً لما أصابه، وتَفَجُّعاً لما جرى عليه، وإحياءً لأمره.
 
وكأنَّ الله تعالى قد شاء أن تظلَّ صورةُ الدَّمِ المتقاطِر من الرأس المبارك حيَّة أمام أعيُن الشيعة..
 
وكأنَّ إسالةَ الشيعة لرؤوسهم في يوم عاشوراء أنموذَجٌ وتصويرٌ لما سيراه الخلقُ يومَ القيامة.. لمّا يقطُرُ الدَّمُ من رأسِ الحسين عليه السلام !
 
فالصورة هي الصورة، حين يُقبلُ الحسين عليه السلام: وَيَدُهُ عَلَى رَأْسِهِ يَقْطُرُ دَماً !
وهذه أيدي الموالين المحبين على رؤوسهم، وهي تقطُرُ دماً كدم الحسين!
 
وكأنَّ دماء الشيعة نموذَجٌ حَيٌّ بين مرحلتين: مرحَلة الظُّلامة في عاشوراء، ومرحلة النقمة في يوم الجزاء..
نموذجٌ يُذَكِّرُ بالأولى، ويحذِّرُ من الآخرة.
 
ولئن قيلَ يوماً:
إنَّ العقلَ ينهى عن مثل هذه المواساة، ففيها هَدرٌ للدِّماء.. وتوهينٌ للمذهب..
 
قال المؤمن:
هذا وهمٌ وخيال.. وكما لم يكن هدراً تقاطُرُ دَمِ الحسين ذاك اليوم، ولا توهيناً لشريعة الله.
فكذا دماءُ شيعته، حتى يلقون ربَّهم مواسين إمامَهم بدمائهم.
 
لطالما ازداد ارتباطُ الشيعة بإمامهم يوماً بعد يوم، بتقاطُرِ دِمائهم وأيديهم على الرؤوس، وبإحيائهم لذكره بكلِّ صورةٍ راجحةٍ، وهم يتمثَّلون قول زينب عليها السلام: أَنَا الفِدَاءُ لِمَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَا !
 
فإنّا لله وإنا إليه راجعون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/05



كتابة تعليق لموضوع : يوم يقطُرُ رأسُ الحُسَيْنِ دماً !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net