صفحة الكاتب : عمار عبد الكريم البغدادي

من وحي شهريار وشهرزاد (72) ماهية العشق
عمار عبد الكريم البغدادي

"حينما تخترق النفس حُجب الطبائع الخفية، وتدرك شبيهتها في المكامن العلويّة تصح المحبة الحقيقة ، وذلك هو العشق أعلى مراتب التكامل البشرية "

شهرزاد : كأننا وصلنا الى أعمق الأسرار وغور الأغوار ؟ .. هل ستخبرني عن علل العشق ؟ .. هل ستعيدني الى آلامه ولذاته  ..حسراته .. آناته ؟ .. هل ستصطحبني الى عالمه العجيب وسحره المَهيب ؟ .. وكيف الخلاص من الداء ؟ .. وهلْ لهذه العلّة من دواء ؟  .

شهريار : رفقا بنفسك شهرزاد ، فكل العاشقين يئنون ويتحسرون ، وأعمقهم عشقا أكثرهم سعادةً وشقاءً في آن واحد ، أدركُ عظيمَ ما تعانين ، وأرغب بالإجابة عن كل ماتسألين ، لكنني أستلهم منك الصبر، وألتمس لنفسي العذر ، فنحن في حضرة العشق حيث تتمازج النفوس في عوالمها العلوية دون السفلية ، وتتعاظم أنوارها الكونية ، في لحظات الأتصال الأبدي ، فإن أردنا أن نفهم  ذلك الإمتزاج الروحي  ، فالرويّة الرويّة ،سأجيبك عن كل مايعتلج في نفوس العاشقين ، علّنا  نخفف عنهم وعنّا بعض الآنين ، فلاتستعجلي شهرزاد .. ها قد آن الأوان فإبدئي بطرح أسئلتك الآن .

شهرزاد : إممم .. تسألني الرويّة الرويّة .. ومن أين لي بالصبر ؟ ، وقد آخذت الجراح مني كل مأخذ ! .. حسنا سأكبح جماح نفسي مااستطعت ، وأكونُ متعقلّة الطرح والفِكر ،  وليلهمني الله الصبر ، وأنت تفصل المعاني والكلام ، علّني أبلغ المرام ، ولنبدأ من حيث إنتهيتَ أنتَ ، كأنك تقول إن :العشق ، وهو أعلى درجات الحب البشري ، إمتزاج بين النفوس في مراتبها العلوية ؟.  

شهريار : أحسنتِ القول .. هو ذاك ، ولست أدعي أنني صاحب فكر منفرد في هذا الوصف ، فكثير ممن تحدثوا عن ماهية العشق ذهبوا الى أنها علاقة نفوس لا أجساد ، ومادونها مَحبّات أرضية ، وكلما أقتربت النفس من ظلامية الجسد أنخفض إتصالها بالنفس التي أحبتها ، وصارت تلك المحبة  أقرب الى الشهوة او المصلحة ، أو أسباب البقاء والرفعة الدنيوية كالقرابة والجاه ،وصحبة المعرفة، والأهداف المشتركة ، وهي الى زوال بإنقضاء أسبابها، أمّا العشق فلا علّة له فيما ذكرنا بالنزول الى الأَدْرَاك الجسدية ، وهو (علّة نفسه)  كما يقول ابن حزم الأندلسي .

وانْ يكون العشق علّة نفسه ياشهرزاد فإنني أجده باقيا أبديا حتى بعد الموت ،وأخالف ما ذهب أليه الأندلسي ،فهو يرى أن العشق بوصفه (إتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع) ، الى أن يقول (حاشا محبة العشق الصحيح المتمكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت)  ،وأنني أتساءل هنا : إن كان العشق يفنى بالموت فكيف لنا أن نصفه باتصال أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة ؟ ، أي أنها قُسمت على الأرض بعد خلقها ،وهي في الأصل من نفس واحدة يقول تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)  ، فإنْ كنّا قد خُلقنا من نفس واحدة ، والعشق اتصال بين بعض أجزائها ، والنفس (الروح ) باقية آبدية ،فكيف لذلك الأتصال الروحاني أن يفنى بعد الموت ؟!.

وانْ كان العشق يفنى بموت أحد العاشِقَينِ فما بال العاشق الآخر  لا يحيد عن محبته وإتصاله ووجده ؟، وإنه ليتحسر حسرات تكاد تخرج منها نفسه ، فهي متصلة بنفس المحبوب وأن فارقت بينهما أسباب الموت والحياة.

وقد يقول قائل : إن (أجزاء النفوس المقسومة ) لا تعني بالضرورة أن تكون النفس الشبيهة في طباع عالمها العلوي بعضا من أجزاء النفس المعشوقة ، وإني هنا أستشهد بما ذهب إليه المفكر المصري محمد ابراهيم مبروك حينما فسر قول الأندلسي : " نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية" بقوله  : (أي معزولة عن حقيقة جزئها الآخر بما يحيطها من متعلقات أرضية) .

ثم يعلق على قول ابن حزم : " عالم بمكان من كان يشاركها فى المجاورة " ، بقوله (يقصد من كان يشارك روحه فى العالم العلوي). 

وهنا أقول ياشهرزاد :لايمكن أن نطلق مسمى الجزء الآخر ، او الروح المشاركة في العالم العلوي إلا على نفس مقسومة الى أجزاء في العالم الدنيوي ، وهي تتوق للإمتزاج مرة أخرى وحينها يتحقق العشق الأبدي .

وأمّا بعد موت العاشقَينِ فذلك عالم آخر لايعلمه إلا الله ، لكنها أجزاء مقسومة أخترقت حجب الطباع الأرضية لتتمازج من جديد،  فلا يمنعها من التمازج مرة آخرى إلا الإرادة الإلهية التي كانت سببا في إتصالها على الأرض.

انه قدر إلهي ياشهرزاد إنْ وقع دام ولا انقضاء له ، وإن أهل الجنة لينعمون بقرب من يعشقون لقوله تعالى : (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)  ، يقول المفسرون لهذه الآية الكريمة : (مهما إختاروا من أصناف الملذات أُحْضِرتْ لهم ) ، وأي ملذة ياملهمة شهريار أعظم من قرب المحبوب في الدنيا والآخرة؟ .

شهرزاد : يا الله !.. أنْ نحظى بمن نحب في الآخرة فذلك غاية المنى ، لكنني أريد ان أتوقف مرة ثانية عند قولنا ( إتصال النفوس ) كأننا لا نفرق بين ذكر وأنثى ، ولا أظنك ترضى بعشق بين ذكرين أو أنثيين ؟! .

-         سأجيبك في المرة المقبلة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار عبد الكريم البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/04



كتابة تعليق لموضوع : من وحي شهريار وشهرزاد (72) ماهية العشق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net