صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الله يعزي الزَّهراء .. لما جرى في عاشوراء !!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
عندما تحينُ سَاعَةُ الكرامة، لسَيِّدَة النِّساء في يوم القيامة، ينادي مُنادٍ من بطنان العرش:
يَا مَعْشَرَ الخَلَائِقِ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَمُرَّ بِنْتُ حَبِيبِ الله إِلَى قَصْرِهَا !
 
لا يتركُ النبيُّ صلى الله عليه وآله الأمر مُبهَماً، فيُسَمِّيها بشَخصها ويقول (ص): فَاطِمَةُ (ع) ابْنَتِي.
 
حينَها تمرُّ ومعها سبعون ألف حوراء، إلى أن تبلُغ بابَ قَصرِها، وههنا يحصَلُ ما يُفاجئ المتأمِّل في أحداث يومِ القيامة، فهذه الزَّهراء التي أكرَمَها الله تعالى بأن أمر الخلائق بِغَضِّ الأبصار لأجلها، ترى ما يسوؤها عندما تبلغ باب قَصرها!
 
فعن النبي صلى الله عليه وآله:
فَإِذَا بَلَغَتْ إِلَى بَابِ قَصْرِهَا وَجَدَتِ الحَسَنَ قَائِماً، وَالحُسَيْنَ نَائِماً مَقْطُوعَ الرَّأْسِ !
 
أمرٌ يُثير الدّهشةَ والغرابة !
 
هذا محلُّ النَّعيم في الآخرة، فلماذا ترى الزَّهراءُ ابنَها الحسين مقطوعَ الرَّأس ؟!
 
كيف تتهنَّأُ ذلك اليوم في قصرها إذا كان الحسينُ بلا رأس على بابها ؟!
وأين الكرامةُ من الله تعالى في ذلك إذاً ؟! ألا يَحجِبُ المُحبُّ كلَّ سوءٍ عمّن يحبُّه ؟! فلماذا لم يحجب الله تعالى ذلك عنها ؟!
 
ما يلبَثُ أن يأتيها النداءُ من عند الله تعالى، فيَدفَع لنا استغرابنا: إِنِّي إِنَّمَا أَرَيْتُكِ مَا فَعَلَتْ بِهِ أُمَّةُ أَبِيكِ، إِنِّي ادَّخَرْتُ لَكِ عِنْدِي تَعْزِيَةً بِمُصِيبَتِكِ فِيهِ.
 
التعزية هي ما يفعله أحدٌ ليُصَبِّر أحداً على ما رُزِئَ به وفَقَدَه، والله تعالى ينادي الزهراء عليها السلام في ذلك اليوم ليبيِّنَ أنَّهُ ما أراد لها الأذى، وهو الذي يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، بل إنّ رؤيتها للحسين عليه السلام مقطوعَ الرأس في ذلك اليوم مُقدِّمَةٌ لمزيدِ كرامةٍ من الله تعالى لها، وهذا صوتُ النداء من الله تعالى يكشف ذلك:
 
وَإِنِّي جَعَلْتُ تَعْزِيَتَكِ اليَوْمَ أَنِّي لَا أَنْظُرُ فِي مُحَاسَبَةِ العِبَادِ حَتَّى:
 
1. تَدْخُلِي الجَنَّةَ أَنْتِ
2. وَذُرِّيَّتُكِ
3. وَشِيعَتُكِ
4. وَمَنْ وَالاكُمْ [أَوْلَاكُمْ‏] مَعْرُوفاً مِمَّنْ [بمن‏] لَيْسَ هُوَ مِنْ شِيعَتِكِ
 
قَبْلَ أَنْ أَنْظُرَ فِي مُحَاسَبَةِ العِبَادِ ! (تفسير فرات ص269)
 
ليست تَعزيةُ الإله الغنيِّ العظيم القدير كتعزية مَن دونَه من خَلقه !
 
لن تُنصَبَ الموازين التي قال عنها تعالى: (وَنَضَعُ المَوازينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَة)، ولن ينظر الله في أعمال العِباد ليحاسبهم شديداً أو يسيراً، حتى يكتملَ دخولُ أفواجٍ من الناس للجنة.
 
الزّهراءُ سيِّدةُ النِّساء، يتبعها ذريّتها وشيعتها الذين اتّبعوا أباها وبعلها وابنيها والأئمة المعصومين جميعاً.
ثم يلحقُ بهؤلاء مَن أولاهم مَعروفاً ولم يكن منهم !
 
أيّة كرامةٍ وتعزيةٍ هذه ؟!
 
ذاك يومٌ (يَجْعَلُ الوِلْدانَ شيباً)، يفرُّ المرء فيه من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكنَّ مَن كان للزهراء مُوالياً، ولها مُحباً، كان من الآمنين الذين (لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَر).
 
أيُكتفى في يومِ الجزاء وفي عزاءِ الله لها بذلك ؟! وهل تنسى الزَّهراء من قَتَلَ وَلَدَها الشهيد ؟!
 
أتدخُلُ الجنّة قبل أن يُعاقَبَ هؤلاء ؟!
 
يكشفُ لنا الصادق جعفر بن محمد عليه السلام حَدَثاً آخر يسبقُ هذه الواقعة، قبل أن تصل الزهراء إلى باب قصرها، وقبل أن تُقبِل إلى الجنة، وبعد أن يغضّ الخلقُ أبصارَهم وينكسوا رؤوسَهم:
 
تَقِفُ مَوْقِفاً شَرِيفاً مِنْ مَوَاقِفِ القِيَامَةِ، ثُمَّ تَنْزِلُ عَنْ نَجِيبِهَا، فَتَأْخُذُ قَمِيصَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) بِيَدِهَا مُضَمَّخاً بِدَمِهِ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا قَمِيصُ وَلَدِي، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا صُنِعَ بِهِ !
 
الزَّهراء التي يرضى الله لرضاها، عندما تقفُ في موقفٍ (شريفٍ) تحملُ هذا القميص، ولا تطلُب عقاباً محدَّداً لهؤلاء، بل تشتكي إلى الله تعالى..
 
لا تذكر ما جرى عليه.. يا رَبّ.. قَدْ عَلِمْتَ مَا صُنِعَ بِهِ !
 
ماذا صُنِعَ به يا زهراء ؟! هل ستقيمين حينها مأتماً يُذكَرُ فيه ما صُنِعَ به ؟! أم أنّ الخلائق كلُّهم سيرون ذلك رأي العين (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديد) ؟! أم أنّ الموقف الشريف هذا لا يُناسب ذكر مصيبته فتُذكر في محلٍّ آخر ؟!
 
هذا ما لا سبيل لنا لمعرفته.. لكنّ ما نعرفه هو أنّ الله تعالى يناديها: يَا فَاطِمَةُ لَكِ عِنْدِي الرِّضَا !
 
هناك التعزية، وهنا الرضا.. وهل رضاهُ أمرٌ جديد مع هذه الأسرة الطاهرة ؟!
لقد سبق أن قال الحسين عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق: رِضَى الله رِضَانَا أَهْلَ البَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَيُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ (نزهة الناظر ص85).
 
الله تعالى يَعِدُ فاطمة بالرضا، فتقول عليها السلام: يَا رَبِّ انْتَصِرْ لِي مِنْ قَاتِلِهِ.
فما حالُ من ينتصرُ الله تعالى له ؟! وما حالُ من ينتصر الله تعالى منه ؟!
 
فَيَأْمُرُ الله تَعَالَى عُنُقاً مِنَ النَّارِ، فَتَخْرُجُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَتَلْتَقِطُ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ، ثُمَّ يَعُودُ العُنُقُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا بِأَنْوَاعِ العَذَابِ.
 
لكلِّ معصيةٍ نوعٌ من أنواع العذاب، لكنّ هؤلاء يعذّبون (بأنواع العذاب) المختلفة، ولا تنتظِرُهُم النّار أن يدخلوها، بل يخرج عُنُقٌ منها إلى خارجها ويلتقطهم ويأتي بهم إليها !
 
فهؤلاء ممّن اشتدّ غضب الله عليهم لقتلهم ابن بنتِ نبيِّهم، والله شديد العقاب.
 
بعدَ هذا الموقف الشريف، تَرْكَبُ فَاطِمَةُ (ع) نَجِيبَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الجَنَّةَ، وَمَعَهَا المَلَائِكَةُ المُشَيِّعُونَ لَهَا، وَذُرِّيَّتُهَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ النَّاسِ عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا (الأمالي للمفيد ص130).
 
يجتَمِعُ بهذا أمران: العقاب على الأعداء، والإكرام للأولياء.
 
الحديث الثاني يُبَيِّن انتصار الله تعالى للزهراء وعذاب قاتلي ولدها الحسين، والحديث الأول يُبَيِّن تعزية الله تعالى لها، حين يُدخل إلى الجنة ذريّتها ومحبيها ومَن أحسن إليهم.
 
ولا يزالُ البابُ مفتوحاً في هذه الأيام للانضمام إلى كلا الصنفين:
 
فمؤمنٌ ينضمُّ إلى شيعتها، ويحي أمرَها وأمرَ قرة عينها الحسين عليه السلام.
ومنافقٌ يرضى بأفعال قتلة الحسين عليه السلام فيكون معهم..
ومُذَبذَبٌ بينَ هؤلاء وهؤلاء.. لا يُدرى كيف تُختم حياته !
 
اللهم اجعلنا من شيعتهم.. وادفع عنّا أذى أعدائهم.. وعظِّم لنا أجورنا بمصابهم.. واحشرنا معهم قبل أن تنظر في محاسبة العِباد..
 
وإنا لله وإنا إليه راجعون

الشيخ محمد مصطفى محمد مصري العاملي 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/01



كتابة تعليق لموضوع : الله يعزي الزَّهراء .. لما جرى في عاشوراء !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net