صفحة الكاتب : عبد الناصر السهلاني

عيد الغدير من اﻵثار البَيّنة
عبد الناصر السهلاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إحياء يوم الغدير عيد الله الأكبر من اﻵثار البَيّنة، التي حثنا النبي وأهل بيته (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) على التمسك بها، فليس بعاقل من يترك المتسالم عليه من عقائدنا عند أساطين العلماء بالدليل الواضح البيّن ويتبع محدثاً مضطرب المعنى لا يستند إلى ركن وثيق من استحسانات فلان وعلان.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “فالزموا السنن القائمة واﻵثار البَيّنة والعهد القريب الذي عليه باقي النبوة. واعلموا أن الشيطان إنما يُسنِّي لكم طرقَهُ لتتبعوا عَقِبَه”(١).

عقائدنا الحقة التي عرفناها من النبي وأهل بيته (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) بالأدلة الناصعة الجلية الواضحة بعد رحلة مريرة في مواجهة الباطل والتصدي له من قبل تلك النفوس المقدسة.

هذه العقائد توارثناها جيلا بعد جيل بفضل تهيئة الأئمة (عليهم السلام) لحامليها والمحافظين عليها من أصحابهم الثقاة (رحمهم الله تعالى وأجزل لهم الثواب)، ليتسلم المهمة العلماء الأعلام في عصر الغيبة (رحم الله تعالى الماضين منهم وحفظ الباقين)، أوصلوها ببذل الغالي والنفيس جهداً وجهاداً حتى هُجرَت الأوطان، وسُجِنت الأبدان، واستُرخِصت الأرواح، وسالت الدماء لحفظها من عبث العابثين وأهواء المنحرفين.

فأصبحت هذه العقائد الحقة من السمات التي يعرف بها أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، ومميزاً لهم عمن سواهم.

إحياء عيد الغدير
ومنها إحياء يوم الغدير عيد الله الأكبر، فهو من اﻵثار البَيّنة، التي حثنا النبي وأهل بيته (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) على التمسك بها.

فـ “عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام دينا.”(٢).

وهذا مُحمَّد بن أَبي نصر يقول: “كنا عند الرضا (عليه السلام) والمجلس غاص أهله فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس فقال الرضا (عليه السلام):

“حدثني أبي عن أبيه (عليه السلام) قال: إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض..”.

ثم قال: يا بن أبي نصر أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر.. والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات”(٣).

هذا الحث على التمسك بالعقائد الحقة، والآثار الواضحة وجدناه مكررا في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث بدأت محاولات الجرأة على هذه اﻵثار منذ ذلك الحين لاستبدالها بالبدع.

فوجه الإمام (عليه السلام) وصاياه ليتمسك بها المؤمنون في كل زمان ورفض المحدثات والمشبهات، قبال هذه اﻵثار البَيّنة.

فليس بعاقل من يترك المتسالم عليه من عقائدنا عند أساطين العلماء بالدليل الواضح البيّن ويتبع محدثاً مضطرب المعنى لا يستند إلى ركن وثيق من استحسانات فلان وعلان.

فالنص المتقدم الذي افتتحنا به الكلام من خطبة الإمام كان فيه قوله: “الزموا السنن القائمة واﻵثار البَيّنة”.

أي تمسكوا بالطرق الواضحة، والتي حجتها بيِّنة، ثم يعطف (عليه السلام) بقوله: “والعهد القريب الذي عليه باقي النبوة”.

أي الزموا ما عليه الزمن القريب الذي فيه من يمثل النبوة حيث العقائد والأحكام الصحيحة المتسالم عليها، والتي فيها آثار إمضاء من هو متصل بالنبوة وهو الإمام المعصوم.

التحذير من ترك إحياء اﻵثار البَيّنة
ثم يحذر الإمام (عليه السلام) من النهج المقابل لنهج لزوم اﻵثار البَيّنة، بقوله: “واعلموا أن الشيطان إنما يُسنِّي لكم طرقَهُ لتتبعوا عَقِبَه”.

فالشيطان لن يقف مكتوف الأيدي اتجاه تمسككم بتلك اﻵثار بل سيُعَبّد لكم طرقه ويسهلها لكي تسيروا فيها وتتبعون أثره، بإدخال الشبهات على تمسككم هذا والتزامكم بتلك اﻵثار والسنن.

وبذلك فان الإمام (عليه السلام) في الوقت الذي يدعو فيه إلى التمسك بذلك القائم والبيّن من الدين، يدعو كذلك إلى عدم الغفلة عن مكايد الشيطان وأتباعه لحرفكم عن هذا الالتزام.

وقال (عليه السلام) في حديث آخر: “وما أحدثت بدعة إلا ترك بها سُنّة. فاتقوا البدع والزموا المَهْيَع. إن عوازم الأمور أفضلها. وإن محدثاتها شرارها”(٤).

هذا النص الثاني يجري مجرى الأول في الحث والحذر، بل لعله أوضح وآكد، وكان في خطبة تحدث فيها الإمام (عليه السلام) عن شؤون الدنيا والناس فيها، وأوصى في ختامها بقوله: (وما أحدثت بدعة إلا ترك بها سُنّة).

وهذا واقع بان البدع، التي ليس لها أساس أو مستند عندما تحدث في موضوع معين، فإنها تساعد على هجر سُنّة في نفس ذلك الموضوع.

لذلك عطف الإمام بقوله: “فاتقوا البدع والزموا المَهْيَع”؛ أي اتركوا البدع والمستحدث غير المطمئن بصحته، واتبعوا المَهْيَع أي الطريق الواضح البيّن الذي يطمئن له.

ثم يقول الإمام: “إن عوازم الأمور أفضلها وإن محدثاتها شرارها”؛ أي إن ما تقادم من الأمور هي الأفضل فان لها نحو اتصال بعصر حضور الأئمة (عليهم السلام).

وهو ما أشار إليه بالعوازم، والعوازم هي المقطوع والمتيقن بصحتها والتقادم الملاحظ فيه هو ثبوت هذا الشيء قديماً والباقي على وضوحه ودليله المتقن.

وبعبارة أخرى إن الأمر المتسالم عليه والمسلم به بين عامة المؤمنين في اعتقاداتهم الأصيلة، لهو الأفضل والحري بالاتباع من المستحدث الذي يعارض ذلك المتقادم الواضح، ويريد أن يكون بديلا عنه فانه يكون من الشر الذي ينبغي عدم الإصغاء إليه.

وقال (عليه السلام) في نص ثالث بعد تلاوته قوله تعالى: {{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}}: “وقد قلتم (ربنا الله) فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته. ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها. فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة. “(٥).

وهذا النص يشتمل على معاني النصين السابقين وهو في غاية الوضوح الذي لا يحتاج معه إلى بيان جديد غير ما بُيِّن سابقاً، وفي نهايته يبين نتيجة أهل المروق والانحراف وفقدانهم للحظوة عند الله تعالى يوم القيامة.

ولنأخذ مثالين من أمثلة كثيرة على تلك اﻵثار، البَيّنة التي مرق عنها البعض وأثاروا حولها الشبهات مؤخراً وأرادوا استبدالها ببدع باطلة وذلك في مسألتي الإمامة والعصمة اللتين هما من أوضح الواضحات في وجدان كل شيعي إمامي اثني عشري، حتى سموا بالإمامية نظراً لما يميزهم عن باقي الفرق باعتقادهم إن الإمامة أصل من أصول الدين عندهم.

اﻹمامة من اﻵثار البَيّنة
لذا فإن عقيدة الإمامة وكذلك العصمة من أبرز مصاديق اﻵثار البَيّنة، التي بينها النبي وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) وهي من الطريق الواضح (المَهْيَع).

فلا يوجد أبين وأوضح منهما عند الشيعة بعد التوحيد والنبوة، ومع كل هذا فغرت فاغرة من الجاهلين تشكك بهاتين الواضحتين، بمقالات واهية، وحجج مضحكة في بعض الأحيان.

ففي هذا المجال يصرح أحدهم بأن (الإمامة بالمعنى الشيعي ليست أصلا من أصول الدين والمذهب) يعني أن من لم يؤمن بالإمامة بالمعنى الشيعي يبقى شيعياً!

حتى وإن اعتقد بان علياً (عليه السلام) مرجعاً دينياً ليس إلا، غايته إن النبي قال: اتبعوه في الدين، فليس بالضرورة أن يكون مُنصَّباً للخلافة يوم الغدير، ومن الممكن أن يخطئ مع ذلك ويصيب.

بل وفي نظر هذا المبتدع يحق للشيعي حينئذٍ أن يحاسبه ويحاسب كل إمام يفترضه بتوبيخ واستنكار، وعلى ذلك الإمام أن يجيب جوابا مقنعاً ولا يمتنع وإلا لن يقبل منه!!

هذا كله وأدلة الإمامة والعصمة ومعنى التسليم لأمرهم (عليهم السلام) مستفيض بل متواتر بعشرات الروايات.

ويطالعنا آخر، على شاكلة الأول، ليقول بأن النبي والأمة (عليهم السلام) يجوز عليهم الاجتهاد والخطأ في ذلك الاجتهاد، بل يتبنى ذلك ويستشهد بروايات من المخالفين لدعم مدعاه في الاجتهاد الخاطئ!!

وينسب للنبي الخلق السيئ والمواقف غير الحكيمة بروايات رواتها ممن حارب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكتم فضائله وهو يعلم، ومع هذا يحسب القائل نفسه شيعياً!!

وما عشت أراك الدهر عجبا!

ومن النصوص المهمة عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (سلام الله عليهما)، والذي يجري نفس المجرى ما كان في ضمن رسالة قيمة وجليلة للشيعة نقلت بعدة طرق مسندة، ذكرها الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) جاء فيها:

“أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم و ولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء، ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار”(٦).

وضوح ما بعده وضوح جرى على لسان الإمام الصادق (عليه السلام) وناقلا بضمنه وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الشأن.

فذكر (عليه السلام) في بداية المقطع فقرة، هي أشبه بالبشارة بل هي البشارة بقوله: (أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم).

فأمر هذه الفرقة الحقة وما هي عليه من عقائد ثابتة تحت حفظ ورعاية الله تعالى، وهذا طبعاً لا يمنع من التعرض للفتن والاختبار لأبناء هذه الفرقة.

ولكن في النتيجة إن من ينحرف ويضل هم القلة ولن يؤثر ذلك على الوضع العام في اعتقادات هذه الطائفة.

لذا حذر الإمام (عليه السلام) وأوصى كما حذر وأوصى جده أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكر وصية جده النبي (صلى الله عليه وآله) في “المداومة على العمل في إتباع الآثار والسنن)، محذراً في النهاية من “إن إتباع الأهواء وإتباع البدع بغير هدى من الله ضلال).

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله أبدا


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الناصر السهلاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/18



كتابة تعليق لموضوع : عيد الغدير من اﻵثار البَيّنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net