الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل السيد محمد باقر السيستاني


ولا يغيبن عنك أن ما سبق من ولاية الله سبحانه لعبده ولزوم توكله عليه وحسن ظنه به لا يقتضي أن يترك المرء التمسك بالأسباب التي جعلها تعالى للأشياء، فإن ذلك جهل بمواضع الأمور، فإنه تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه الأسباب وجعلها وصلة إلى آثارها، وبنى عليها هذه النشأة الدنيا، فلا بد للمرء أن يتوصل في مقاصده الصحيحة الدنيوية والأخروية إلى ما جعله الله تعالى من أسبابها بمقدار جهده، من غير نقض للقيم الفاضلة، ثم يتكل في ما يتفق له عليه سبحانه.
وقد روي أنه جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ قال: (اعقِلها وتوكّل).

وعلى ذلك جرت سُنَّة الله سبحانه مع عباده الصالحين، حيث أمرهم بتبليغ الرسالة والاجتهاد فيها ووعدهم بالنصر والغلبة، ولم يلغ في حقهم التمسك بالأسباب من القتال والاحتجاج والاختفاء وسائر وجوه التدبير، حتى إذا أعوزهم ذلك كله أدركتهم العناية الإلهية متممةً لهم ما جهدوا فيه، حتى حقق نصره وأظهر رسوله، وفي ما أخبر به الله تعالى من سيرته مع نبيه الخاتم (صلى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء من قبل في القرآن الكريم ما يكفي دلالة على ذلك.
ومما يندرج في هذا الباب استيفاء المرء في تشخيصه لما هو الصواب في أفعاله وأقواله لما يدركه العقل، من خلال ما مكنه الله سبحانه من أدواته من التأمل والتفكير والتتبع والاستقراء والمشورة والانتصاف من النفس وغيرها، ويسأل الله تعالى أن يوقع في قلبه ما يشاء ويختار له ما هو خير له، ولو اعتمد على الاستخارة بدلاً عن التعقل والمشورة فقد تمسك بالتوكل قبل بذل الجهد في السبب ، فإن لم يجد استجابة لطلبه فلا يلومن إلا نفسه.
وعليه فإن على المرء أن يتوسل في جميع غاياته المشروعة والصحيحة إلى ما جعله الله سبحانه وتعالى من الأسباب، بلا فرق بين أموره الدنيوية من قبيل الرزق والعافية والزواج والمكانة، أو أموره الأخروية من البصيرة الثاقبة والأعمال الصالحة والدرجات العالية والتوبة النصوح وغيرها، ثم يتوكل على الله سبحانه في أن يكتب له ما هو خيره ورضاه، ويحسن الظن به في تقدير المصلحة له فيها في حاضرها وعواقبها كما عهد إنعامه عليه قبل معرفته له، وإحسانه إليه قبل إقراره به، وقد قال عزَّ من قائل : (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ).

أصول تزكية النفس وتوعيتها، ص١٥٧
السيد محمد باقر السيستاني.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/12



كتابة تعليق لموضوع : الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل السيد محمد باقر السيستاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net