صفحة الكاتب : نهاد الدباغ

معجزة ردّ الشمس لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)
نهاد الدباغ

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  لم يكن أمير المؤمنين وخليفة المسلمين (عليه السلام) إنساناً عادياً، بل كان معجزة من معاجز الله (جل وعلا) على هذه البسيطة، فمن لحظة ولادته الى يوم استشهاده والى يومنا هذا، هو معجزة من معاجز الله (عز وجل) حيرت العقول، وجعلت العالم في ذهول، هو معجزة في كل تفاصيل حياته منذ الولادة الميمونة داخل الكعبة بيت الله المعظم، وتشريفه فيها الى طفولته التي عاشها بين أحضان رسول رب العالمين وتربيته له، الى إيمانه وتعلقه بالله تعالى الى أبعد الحدود، حيث كان أول المسلمين إيماناً، فلم يسجد لغير الله (عز وجل) حيث يوصف بعبارة (كرّم الله وجهه) (أي: تنزّه وترفع عن السجود لصنم)، ولم ينل هذه الصفة أحد غيره قط.

 ثم معجزة بطولاته وشجاعته في الحروب، حيث لم يدخل حرباً أو مبارزة في حياته، إلا وانتصر فيها شجاعاً لا يُغلب أبداً، بطلاً ضرغاماً كراراً غير فرار، قلع باب خيبر وحده ألا يعد شاهداً حياً على قوته الربانية، وشجاعته الجسمانية؟
 ثم  زواجه من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ابنة رسول الله (ص) حيث شهد زواجهما أهل السماء قبل أهل الأرض، وبأمر رباني الى بلاغته وفصاحته وقوة منطقه التي حيّرت الألباب، ففي خطبه وكتبه وحكمه ومواعظه في كتاب نهج البلاغة شاهد حي على ذلك.
قال ابن أبي الحديد امام المعتزلة على كلامه (سلام الله عليه) في نهج البلاغة: «هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين»، إلى معجزة كرمه حيث كان يطرق أبواب الفقراء واليتامى، ويحمل لهم الطعام، ويطبخ لهم، ولا يتركهم إلا ويطمئن عليهم بالرغم من كونه خليفة المسلمين، وهي سابقة لم يفعلها غيره، وتصدقه بالخاتم وهو راكع في صلاته، وذكرت هذه الحادثة في القرآن الكريم وغيرها الكثير.
 الى معجزة خلافته وسياسته وأولاده وحكمته وعلومه وشهادته ودفنه، والمعجزة الأعظم والتي هي إن دلّت على شيء، فإنها تدل على علو قدره وعظيم شأنه ومكانته ومنزلته عند الله تعالى بعد الرسول محمد (ص) حيث كرّمه الله بها ألا وهي ردّ الشمس له بعد مغيبها ليصلي، مرتين في حياته، مرة في حياة رسول الله(ص) ومره أخرى بعد وفاته(ص)، وفي خلافته (سلام الله عليه)، روي عنه (عليه السلام) انه قال: «إن الله تبارك وتعالى ردّ عليّ الشمس مرتين، ولم يردها على أحد من أمة محمد(ص)»(1). 
وقال جويرية بن مسهر: (أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج، حتى إذا قطعنا في أرض بابل، حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال علي (عليه السلام): «أيها الناس، إن هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أول أرض عبد فيها وثن، وأنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل»، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلون، وركب هو (عليه السلام) بغلة رسول الله(ص) ومضى، قال جويرية: فقلت لأتبعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس، فشككت فألتفت اليّ وقال يا جويرية أشككت؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل عن ناحية فتوضأ ثم قام، فنطق بكلام لا أحسنه ألا كأنه بالعبراني ثم نادى: الصلاة فنظرت والله الى الشمس قد خرجت بين جبلين لها صرير، فصلى العصر وصليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت اليّ وقال: يا جويرية بن مسهر، الله (عز وجل) يقول: «فسبح بحمد ربك العظيم» وإني سألت الله (عز وجل) باسمه العظيم فردّ عليّ الشمس، وروي أن جويرية لما رأى ذلك قال: أنت وصيّ ورب الكعبة)(2).
وعن ابن عباس قال: انه لم ترد الشمس إلا لسليمان وصي داوود، وليوشع وصي موسى، ولعلي وصي محمد (ص).
وقالت أسماء بنت عميس: (أقبل علي بن أبي طالب -عليه السلام- ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله(ص)، فوافق رسول الله(ص) قد انصرف ونزل عليه الوحي، فأسنده الى صدره، فلم يزل مسنده الى صدره حتى أفاق رسول الله(ص) فقال: أصليت العصر يا علي؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك الى صدري حتى الساعة، وكان (عليه السلام) قد صلى إيماء، فاستقبل رسول الله(ص) القبلة وقد غربت الشمس وقال: اللهم أن علياً كان في طاعتك فارددها عليه، قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير الرحى، حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكناً فصلى ثانية، فلما فرغ رجعت الشمس، ولها صرير كصرير الرحى، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجوم)(3).
 روى جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله(ص) كان مع جماعة من صحابته بوادي منى وعلي قائم بين يديه، فأقبل على صحابته وقال: «معاشر الناس، هذا علي سيد العرب هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا تقبل التوبة من تائب إلا بحبه، ثم التفت رسول الله(ص)الى حسان بن ثابت وقال له: قم وأذكر شيئاً من مناقب علي، فقام حسان وانشد:
لا تقبل التوبة من تائب .. إلا بحب ابن أبي طالب 
أخو رسول الله بل صهره .. والصهر لا يعد بالصاحب
ومن يكن مثل علي وقد .. رُدّت له الشمس من المغرب
ردت عليه الشمس في ضوئها .. بيضا كأن الشمس لم تغرب
وقد أنشد الشعراء تخليداً لهذه الحادثة العظيمة التي كرّم الله بها أمير المؤمنين أبياتاً ذكروا فيها ردّ الشمس له (سلام الله عليه) ومنهم مهيار الديلمي حيث قال:
ورجعة الشمس عليك نبأ .. تشعب الألباب فيه وتظل
فما ألوم حاسدا عنك أنزوى .. غيظاً ولا ذا قدم فيك تزل.

وقال الشيخ النجفي الحلي:
يا من له رد قرص الشمس مذ جنحت .. للغرب في بابل والناس تنظره
يا ليت عينيك في أرض الطفوف ترى .. جسم الحسين وتلك الشمس تصهره.
وقال فيه إمام المعتزلة ابن أبي الحديد:
إمام هدى بالفرض آثر فاقتضى .. له القرص رد القرص أبيض أزهرا
وللشاعر أبو الحسن البغدادي (ابن الرومي) ابيات له في رد الشمس لعلي (عليه السلام):
وله عجائب يوم صار بجيشه .. يبغي لقصر النهروان المخرجا
ردت عليه الشمس بعد غروبها .. بيضاء تلمع رقدة وتأججا
وقال أبو الحسن علي البصري، من أعلام القرن الرابع:
وردت لك الشمس في بابل .. فساميت يوشع لما سما
ويعقوب ما كان أسباطه .. كنجليك سبطي نبي الهدى.
وأنشد محمد بن عبد الله الأندلسي فقال:
وله وقفت شمس النهار كرامة .. كما وقفت شمس النهار ليوشعا
وردت عليك الشمس بعد غروبها .. وهذا من الإيقان أعظم موقعا.
ويوجد الكثير الكثير من الشعراء ممن أنشدوا لحادثة رد الشمس لعلي (عليه السلام) لا يسمح لنا المجال لذكرهم جميعاً، فالحادثة هي معجزة بحد ذاتها، وقد أعطى الشعراء حقها بتخليدها (جزاهم الله خيرا) بأبيات لتظل على مر العصور خالدة تصك آذان الحاقدين بأعظم منقبة ومكرمة من الله (جل وعلا) لأمير المؤمنين (عليه السلام)، بل هي معجزة من معاجزه التي لا تعد ولا تحصى التي وضعها الله في هذا الرجل العظيم والعظمة لله ورسوله، فكثُر حاسدوه، ومبغضوه، والناصبون له العداء الى يومنا هذا، فسلام على أمير المؤمنين، وسيد الخلق بعد رسول الله علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  الخصال: 2/ 580.
(2)  من لا يحضره الفقيه: 203/1.
(3)  البداية والنهاية: 910/6.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نهاد الدباغ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/01



كتابة تعليق لموضوع : معجزة ردّ الشمس لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net