محاورات علي حسين الخباز
د. سعيد حميد كاظم

 يُعدّ التناصُ ضرورةً ثقافيةً ومعرفيةً في الواقع الأدبي، وضرورةَ وجود في الواقع الإنساني. يتجلّى حضور مصطلح (التناص) في الواقع الأدبيّ كما هو الحال في الواقع الإنساني والاجتماعي، فهو لا غنىً عنه؛ كونه حاضرًا في كلِّ الثقافات وفي شتى المستويات الحياتية والإنسانية.

 ويجد حضوره بشكلٍ كبير في العلوم التطبيقية؛ كون التجربة الجديدة ترتكز على تجارب سابقة لإنتاج تجربة ذات سمات جديدة ومغايرة، وكذا الحال مع العلوم الإنسانية، إذ لم يقتصر مصطلح (التناص) على الأعمال الأدبية، وقد تُرجم المصطلح لأول مرة في أبحاث الناقدة البلغارية (جوليا كرستيفا) بين عامي 1966م- 1967م، حين أكدت أنّ النصَّ محالٌ أن يكون وليدَ نفسه، بل هو نتاج تفاعل وامتزاج النصوص مع بعضها في إنتاج الدلالات التي ينطوي عليها النصّ، وبهذا لابدَّ أن تكون العلاقة تفاعلية بين الأنماط المختلفة في النصّ من الأقوال السابقة عليه والمتزامنة معه لإنتاج نص آخر، وهي رؤية انطلق مضمونها من الفيلسوف والمنظّر الأدبي الروسي (ميخائيل باختين) من خلال نقده للخطاب السردي في روايات دستوفسكي، وقد استعمل (الحوارية) ولم يستعمل (التناص) وقد أفادت من ذلك الناقدة (جوليا كرستيفا) في تقعيد رؤى مصطلحها (التناص)، إذ رأت أنّ في فضاء النصَّ الأدبي تتقاطع الملفوظات فيه وتتنافى، وأنّ النصَّ نسيجٌ من الاقتباسات التي تنحدر من منابع ثقافية متعدّدة؛ وإنّما يؤتى بذلك طلبًا لتقوية الأثر الأدبيّ، أو توسّعًا في القول من أجل الإفادة من الوعي التراثي في نسيجٍ جديدٍ يصل منه الكاتب إلى توليد رؤى جديدة.
  وبهذا لم يُعدّ النص بنيةً مغلقةً على نفسه، وإنّما الشأن في إقامة إذابة فاعلة للنصوص السابقة مع النصوص اللاحقة وإعادة بناء وإثراء وإغناء للنصوص بعضها بعضاً؛ لإنتاج نصوص زاخرة بقيم دلالية وشكلية جديدة وتكون متعددةً ومتنوعةً.
  وفي قبالة رسوخ مصطلح (التناص) فقد تعدّد المفهوم، وتعدّدت المسميات فيه بتعدد المنهجية التي يتبعها واضعوها شأنه شأن المصطلحات الأخرى؛ بوصفه مصطلحًا مُحدثًا دخل إلى النقد العربي الحديث، وأنَّ هذا التعدّد حالة صحية في مضمار النقد، فظهر مفهوم (تعالق النصوص)، و(تداخل النصوص)ن و(النصوصية)، و(النص الغائب)، و(التفاعل النصي)، وغيرها، كذلك ممّن أشار إلى أن ثمة مصطلحات بلاغية تقترب من مضمونه ومنها: (التضمين، الاقتباس، التلميح، التوارد،..)، وهنالك من حاول أن يسحب مصطلح (التناص) ويقرّبه من عنوانٍ كبيرٍ ومصطلحٍ رئيسٍ في النقد العربي القديم ليصنّفه تحت موضوعة (السرقات الأدبية).
 وتبقى ظاهرة (التناص) حاضرةً في المشهد الأدبي سواء أكانت بقصد أم كانت من غير قصد، إذ تتشرّب بها النصّوص وتندلق منها الرؤى والأفكار بشكل عفوي نتيجة التلاقح الفكري الذي ترسّخ في بنية الذاكرة، فتبدو هنالك بعض الملامح أو المقتطفات من نصوص أخرى تسرّبت إلى درج النصّ من غير وعي، ومنها ما يحصل عبر اقتطاع رؤية معينة أو الاستشهاد بنصوص أخرى، فلاشك أنّها تعتمد على الوعي والقصد، فالصياغة التي تبلورت في الخطاب الحاضر تشير إلى النص الغائب، وبهذا لابدَّ من الإشارة إليها أو العمل على تنصيصها، وغالبًا ما يكون الاستشهاد من الموروث الثقافي والمعرفي بكافة ضروبه وأنماطه من عصر ما قبل الإسلام إلى يومنا هذا.
 ويتجلّى التعالق النصي الذي يتيحه (التناص) من خلال الخاصية التكوينية في كلِّ نصّ ومجموع العلاقات الصريحة والضمنية بين نصّ وآخر، فتارة تكون عبر(الاجترار) أي اعتماد الألفاظ بعينها أي النقل الحرفي لها من دون إجراء أيّ تغيير، وأخرى عبر (الامتصاص) أي أنّ النصَّ الأدبي يمتص رؤاه ومضامينه من نصوص أخرى محاولاً إجراء بعض التغييرات عليه التي لا تمسُّ البنية المضمونية أو العميقة للنص، فيتضح مقصد الأديب عبر ما تشي به إمكانياته، وعبر ما يجود به نصّه بشكل يفصح عنه التلميح أو الإيماء، وثالثة يتكئ النص الأدبي على استيحاء المعنى واستلهامه عبر إقامة (الحوار) الذي يُعدّ أعلى مراحل التناص التي يعوّل عليها؛ كونها أكثر أثرًا نحو المغايرة، إذ يتم إفراغ النصوص في تراكيب جديدة عبر التفاعل والحوار معيدًا انتاجها في نصّه من خلال شحن النص بطاقة إيحائية من خارج النص على النحو الذي يغدو فيه النص أكثر قدرةً على تشرّب الخطابات السابقة وإعادة إنتاجها بتحويلها إلى مستوى آخر يحقق ذاتية أخرى للنصِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الأنا الشعرية):
عبد الحسين خلف الدعمي/ شاعر وأديب
 تشغل الأنا الشعرية مرتكزاً واسعاً في النصوص الابداعية، ولها معطيات ودلالات تجاوزت معناها اللفظي عند المبدعين الى معان تجسد الرؤية الفكرية، ووسيلة مهمة لاكتشاف الذات والبحث عن الأنا الشعرية عند كل شاعر وعلاقتها بتجربته الشعرية.
أنا غارقٌ بالأنا الشعرية حد الثمالة، وهي بالنسبة لي لربما تصبح أنت أو أنتم فحينما يتكلم الشاعر عن (أنويته) ستجد أن هناك مئات أو آلاف ولربما الملايين هم على شاكلته يتعايشون مع أنويته كأنها أنويتهم، وحينها نقول: إن هذه الأنا الفاعلة والمتفاعلة وجدت شيئاً في تفاعلها مع ذاتها فأنتجته؛ لكي يتفاعل مع مشاعر وأحاسيس الآخرين، ومثال ذلك حين تسألني من أنت وأنا الشاعر عبدالحسين الدعمي، لابد من أن أجيبك بأني جزء منك. 
 من المؤكد أنك لاحظت هنا كيف تحولت (الأنا) الى أنت و(نحن) وهذه أنوية إيجابية يحلو للبعض له أن يسميها النرجسية وكلاهما تعني الذات الناطقة، وفي معناها الأوسع الشائع هو الاعتداد بالنفس وحب الذات؛ لكي يتمكن الإنسان من بناء شخصانية متميزة له غير منصاعة أو تابعة لغيرها أي تشغيل الإنسان لمنظومته الفكرية بالاعتماد على قواه العقلية وتفعيلها، ويأتي ذلك من رغبته الذاتية بعدم الاستعارة من عقولٍ أخرى تفكر بالنيابة عنه سلباً أو إيجاباً، وتفرض عليه إلغاء عقله بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتبدأ عملية الإملاءات عليه، وتضع له المسارات بتقييدها لمنهج حياته، وهذا ما لا يحدث مع الشعراء الأحرار وهم قلة قليلة بين الشعراء لا ينطبق عليهم ما تقدم من الوصف، فكل فرد من هؤلاء لديه الأنا مقدسة والمساس بها تعني الانتقاص من شخصانيته، فهو قائد مفكر قبل أن يكون شاعراً يحاور ويجادل ويناور وفق ما أنتجته منظومته الفكرية.
 وهنا لا تعني أنويته إلغاء الآخر؛ لأنه يدرك أن أنويته تتوقف عند حدود الأنا الأخرى وأنويتي كشاعر كامنة بشكل غالب في أنها تمثل الآخر، أو لربما الجماعة، ولا بأس أحياناً تمثلني شخصياً، فأنا كيان منفصل عن الآخر ومتصل معه، ربما بالأحاسيس والمشاعر المشتركة وأنا الشاعر دائماً ما يحسبها المتلقي تعبر عن أنويته، وهنا تتحول الأنا الفردية الى أنا جماعية وهي انعكاس لا إرادي لإرادة النفس البشرية الحرة وهذا ما نجده في نصوص غالبية الشعراء الذين لم يستخدموا شعرهم للتكسب أو لغايات وصولية أخرى وأغلب هؤلاء هم الذين خلدهم التأريخ.
وخلاصة القول عن (الأنا الشعرية) أقول: إن الأنا الشاعرية دالةٌ على خصوصية الشاعر لتميزه عن الآخرين باعتباره مصلحاً وموجهاً وقائداً يعبر من خلال أنويته عن مشاعر وأحاسيس وآمال عامة الناس.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. سعيد حميد كاظم

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/30



كتابة تعليق لموضوع : محاورات علي حسين الخباز
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net