صفحة الكاتب : ياسين يوسف اليوسف

نبذة من سيرة الشّهيد السّعيد  الشّيخ حسين  علي  الحمزاوي
ياسين يوسف اليوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أراد الحياة  الخالدة المطمئنة؛ لتسمو وتتكامل نفسه وتكون راضية مرضية وبذلك يحقق النّجاح، والفلاح،  والتّميّز،  ثم يرحل في أوانهِ ووقتهِ وفي هذه المرحلة المهمَّة من تاريخ بلدهِ العراق، راضياً مطمئناً؛ فقد أدرك بعمق تفكيره وذهنيّته الوقّادة   - أدرك وبيقين تام -  أنَّ الدُّنيا فانيةٌ وأنَّ الفرجَ قريبٌ آتٍ لا محال، فأراد أن يكون لأيامهِ ثمنٌ و لآلامهِ ثمنٌ  فلم يُذكَر عنه - و على  صغر سنِّه  وأيَّامه المحدودة-   أنَّه عاش حياة العبثية بل عدّ أيامه وآلامه معبراً لا بُدَّ منه للانتقال فيها من الضّيق إلى الفَرج ومن العُسر إلى اليُسر … يُريدُ أن يكون قوياً، عزيزاً،  منتصراً لا مستضعفاً في الأرض..  ولم  ينظُر إلى غيرهِ فمن ينظُر إلى الآخرين تكون طموحاته وتطلّعاته  محدودة بل كان  ينظُر إلى نفسهِ ويريد التغلُب عليها، فأخرج من قاموسه بعض الكلمات وبعض الأفكار التي  من شأنها أن تكون حاجزاً   عن نيل المُنى، وبلوغ السَّعادة ؛ فتسامت روحه  فوق الملذّات بعد أن غَسَل ما علق بها من الشّوائب  بدمائهِ الطّاهرة  باختيارهِ طريق الدِّفاع عن الوطنِ والمقدَّساتِ  تحت راية المرجعيّة الدّينية العُليا، إنَّه الشَّهيد السَّعيد الشَّيخ حُسين علي داخل حمزة الجبوري الحمزاوي.
شهيدُنا السَّعيد مِن مواليد  1990م ، متزوج ولديه طفلان، ولد وبنت أسماهم (محمد الحسن)  و (فاطمة).. وُلِد في منطقة المدحتية في قضاء الحمزة في بابل،  وكان ومنذ نعومة أظفاره  متعلّقاً ببيوت الله فما أن يرجع من مدرسته  الإبتدائية حتى يهرع إلى المسجد القريب من بيته، فقد تربى في هذه البيئة الطاهرة ،  وكان منهوماً بطلب العلم وكثيراً ما كان يلازم استاذه  الشّيخ أمير الخزرجي  وقد تأثر به كثيراً ، ومن حبِّه وتعلّقه بالإمام الحسين عليه السلام كان يجمع الأطفال ويقيم  لهم مجلساً حسينيّاً ، ويعلم الأطفال ما يتعلمه من استاذه في ذلك العمر الصغير.
ومن شغفه الشَّديد بالعلم كان يطلب من خاله أن يقنع والده برغبته لدخول الحوزة العلمية، ومع قناعة الأب برغبة ابنه، لكن كان يراه صغيراً وينتظر أن يشتدَّ عوده ويكبر قليلاً؛  ليكمل دراسته المتوسطة.
   واجتهد الشَّيخ و واضب على الدراسة إلى  أن أكمل الثالث المتوسط و بامتياز وتأهل والتحق بصفوف الحوزة العلمية في النجف الاشرف بتزكية من الشيخ محمد الحمزاوي والشيخ أمير الخزرجي، ودخل الحوزة في 2005-2006 ، وتشرف بلباس العلماء وارتدى   (العمامة) على يد  المرجع الأعلى سماحة  السَّيد السِّيستاني دام ظله ، ودرس  في مدرسة آية الله  الحكيم (رضوان الله تعالى عليه)  ثم انتقل إلى المدرسة الشبّرية.
تعلّم الشّيخ (حُسين) دروساً في الأخلاق، والفقه ، والعقائد  ودرس المقدِّمات عند أستاذه الشَّيخ أمير الخزرجي وكذلك عند الشَّيخ علاء حسين عباس الحلي معتمد المرجعية في الحمزة الغربي.. ودرس السّطوح عند خيرة الأساتذة، والسطوح العالية والكفاية عند السَّيد عبد الرضا... وأخذ الكفاية والمكاسب عند الشيخ فرقد الجواهري.. وكان يتهيأ لحضور  دروس البحث الخارج لكنَّ الشَّهادة كانت أسرع اليه .
حرص الشَّيخ الشَّهيد أن يكون مصداقا ً لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)  [ التوبة : 122 ]  ،  فكانت له حلقات ودروس في منطقته ( الحمزة الغربي)  أيام تعطيل الحوزة يومي الخميس والجمعة وكانت دروسه ومحاضراته   سبباً في هداية الكثير من الشباب ؛ كونه قريباً منهم بحكم عمره المقارب لهم،  فكان  دائماً ما  يتصدى لحل مشاكلهم ودفع الشبهات العقائدية التي يواجهونها  في حياتهم  .
ملازمة الشهيد رحمه الله  للمسجد  كانت من سماته البارزة، وإقامته للصلاة  في أكثر من حسينية   كونه ذو علاقات طيبة  في منطقته كانت واضحة ضمن برنامجه التبليغي ونشاطه الديني والاجتماعي  ... و رغم حالته المادية المتواضعة وإن  أغلب احتياجاته المادية كان يوفرها  من العبادات  الاستئجارية من صلاة وصيام نيابة.. فقد كان يلبي بعض احتياجات المساجد والحسينيات.
أقام الشَّهيد دورات صيفية   للشَّباب ... وكانت محاضراته تغلب عليها الجوانب الأخلاقية،  وقد وفّقه الله تعالى بأن يذهب مُرشِدا ً  للحج والعمرة.. وكان مثالاً يقتدى به و- ما يزال-  الناس يتحدثون عن أخلاقه وسيرته.
  وكان في كثير من الاحيان  يجمع المال ليساعد ممن يعانون الفقر والعوز ، وكذلك كان يساعد بعض الشباب في تهيئة أمور الزّواج وقد وُجِدَ في خزانته الخاصة في الحسينية مبلغٌ من المال مكتوب عليه (لزواج شاب من الشَّباب)، فضلا عما يقوم به من إصلاح ذات البين بين المتخاصمين وحل المشاكل التي تحدث بين أفراد العائلة فقد كان سباقاً لذلك.
امتاز الشَّهيد الشَّيخ (حُسين الحمزاوي) بأنّه صاحب علاقات اجتماعية واسعة.. وكانت لديه الكثير من المواقف النبيلة مع الاخرين وكان عزيز النفس  فلم  يقبل المساعدة من أحد على الرغم من قلة اليد  .
عند صدور الفتوى المباركة كان من السّبّاقين في تلبية نداء المرجعية وكان يتواصل مع المجاهدين في قوافل الدعم اللوجستي، ومع الشهيد الشيخ أمير وفي آخر فترة كان يذهب لخطوط الصد مع المجاهدين..
شارك في جرف النصر وتكريت والأنبار وسامراء وجبال مكحول وكانت شهادته في حقول علاّس وكان المكان الذي وصلوا إليه فيه من الخطورة ما فيه  لتضاريس المنطقة الصعبة، ولكن الشيخ كان شجاعا ومن معه ، فأوصلوا الامدادات التي بحوزتهم، وفي أثناء عودتهم انفجرت عليهم عبوة ناسفة استهدفت سيارتهم لينال شرف الشّهادة  والوسام الذي أراده الله له  ختاماً  لحياته  المليئة بالعطاء، وذلك بتاريخ 20/5/2017.
شهد جثمانه الطاهر مع جثمان استاذه الشيخ أمير الخزرجي  الذي أبى أن يفارقه تشييعاً مهيباً شارك فيه جمع غفير من فضلاء وأساتذة و طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف ،  وجمع من المؤمنين في مدينة النجف والمدن القريبة منها بدأ من الحسينية الأعسمية وحتى حرم وضريح المولى أمير المؤمنين  علي بن أبي طالب عليه السّلام ، والحناجر تردد هتافات الولاء للوطن والدّين والمقدّسات والمرجعية العليا ( تحلى الشّهادة بفتوتك سيد علي السيستاني). 
وعند وصول الجثامين الطاهرة إلى حرم أمير المؤمنين عليه السّلام تمت مراسيم الزيارة والصّلاة وقد صلى عليها آية الله الشيخ باقر الايرواني حفظه الله.
رحل الشّهيد مخلّفاً أثراً بارزاً في نفوس محبيه،  ولوعةً ممزوجةً بالفخر وطعمَ النّصرِ ،  رحل ولم يترك الوصية فقد أوصى زوجته ببراءة ذمته قبل التحاقه الأخير، وأوصى أبيه بأن يتولى  تغسّيله ويطوف به على قبر المولى أبي عبدالله الحسين عليه السّلام عشقاً وحباً وهياماً بالحسين عليه السّلام .
رحل الشّهيد  وأمه تفخر به كونه مع الحُسين وأنصار الحسين عليه السلام، ولكنَّ الحسرة تملأ قلبها كونه كان يستذكر معها مناسبات أهل البيت عليهم السلام ويقرأ لها المصيبة بصوته الذي عشقته فكأنها تقول من لي بصوتك يا(حسين)  لتقرأ  لي على الحسين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياسين يوسف اليوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/14



كتابة تعليق لموضوع : نبذة من سيرة الشّهيد السّعيد  الشّيخ حسين  علي  الحمزاوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net