صفحة الكاتب : نجاح الجيزاني

كواكب لا يطمسها الغياب 
نجاح الجيزاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كواكب مشرقة تضيء عتمة الدروب، بزغ ضياؤها وانتشر نور بهائها ورونقها، بعد أن دارت في فلك الرسول، تلألأت في سماء العقيدة، كنّ عبارة عن نسوة مُلهمات تحمّلن عبء الرسالة إبّان البعثة وما بعدها، قدّمن للإسلام خدمات جليلة بقيت صداها الى ما شاء الله.. تركنَ الدنيا وزخارفها جانباً، وتجشمنَ عناء القيادة بروح ملؤها الإيمان والاستقامة والتحدي والمثابرة، ورصّعن بمواقفهن صفحة التأريخ بنجوم نيّرة، أضاءت الكون بأنوار الهداية والعز والسؤدد.
 لو أردنا أن نستنطق إحدى تلك النماذج من الصحابيات الجليلات، فإننا لن نجد خيراً من السيدة صاحبة الهجرتين.
- فمن أنتِ يا سيدتي؟ ومن تكونين؟ ولماذا سُمّيت بهذا الاسم؟ 
 اسمي أسماء بنت عميس بن مَعْد بن الحارث بن تَيْم بن كعب بن مالك.
دخلتُ الى الاسلام قبل دخول النبي محمد (ص) دار الأرقم، وهاجرتُ إلى الحبشة مع زوجي جعفر بن أبي طالب وأنا عروس، فولدتُ له في الحبشة عبد الله وعوناً ومحمداً، وبعد استشهاده في غزوة مؤتة، تزوجتُ من أبي بكر بن أبي قحافة، وأنجبتُ منه محمد بن أبي بكر، ثم تزوّجتُ من علي بن أبي طالب بعد وفاة أبي بكر، وأنجبتُ منه يحيى بن علي بن أبي طالب.
- ولكنكِ لم تذكري لنا سيدتي سبب تسميتكِ بصاحبة الهجرتين؟
  دعيني آخذ نَفَسَا يا أختاه، فلقد جئتم بي من زمن سحيق! ولمّا ألتقط أنفاسي بعد.
 حديثي معكم ليس حديثا يُفترى، وليس حديثا معنعنا كما درجت العادة في نقل الأحاديث والروايات اليكم أيها المسلمون الأواخر، فأنا عايشتُ الحدث بتفاصيله الدقيقة، نعم كُنّيتُ بصاحبة الهجرتين، ولهذه الكُنية قصة، سأحكيها بأمانة وأرويها لكم وللأجيال القادمة بلا زيادة او نقصان.
للمسلمين الأوائل هجرة واحدة، فقد هاجروا من مكة الى المدينة واستقروا بها، أما نحن فلنا هجرتان واحدة من مكة الى الحبشة والثانية من الحبشة الى يثرب (المدينة).
و(نحن) أقصد بها أنا وزوجي جعفر ابن ابي طالب وعدّة من أصحابنا المهاجرين، ممن تعرّض لإيذاء كفار قريش وتضييقهم وظلمهم وجبروتهم، حتى ضاقت علينا الأرض بما رحبت، فأشار الينا النبي الأكرم بالهجرة من مكة الى الحبشة وترك الديار والأهلين والأحباب، فامتثلنا لأمر النبي وهاجرنا الى الحبشة مخافة الفتنة وفراراً الى الله بديننا، فكانت الهجرة الأولى.
ولا تنسي يا اختاه، ان هذه الهجرة هي من أسهمت في نشر الاسلام ومبادئه في عموم قارة افريقيا، ومكثنا في دار غربة قرابة اثني عشر عاماً، قاسينا خلالها الآلام وويلات البعاد ولوعات الاشتياق 
عدنا ثانية من الحبشة عبر رحلة بحرية الى اليمن، ومن ثم برّا الى المدينة، بعد أن استتب أمر النبي، واستقرت أحوال المسلمين، فكانت هذه الهجرة الثانية.
- ولكن سيدتي، من هو أول من كنّاك بصاحبة الهجرتين، وأنالك هذه الكرامة؟
  ذاك رسول الله (ص)، هو أول من أعطاني هذه الكرامة، وخصّني بها وجمع من المهاجرين الأوائل.
 والحق لابد أن يُقال، وسأذكر هذا الموقف للتأريخ وأبرّئ ذمتي، فلقد أنصفني رسول الله وردّ لي اعتباري أمام عمر بن الخطاب، فأنا عندما عدت ورآني عمر بدأ يتعالى ويتنّطع بالكلام، ويُظهر تفاخره علينا، وهو من عرفتم رجل به غلظة وجفاء، فأسمعني كلاماً قاسياً فقال لي: لقد سبقناكم بالهجرة..!! فنحن أحق برسول الله (ص) منكم..!!
فغضبتُ غضباً شديداً من مقالته، ولكننا نحن معاشر النسوة لا نقبل أن يُداس لنا على طرف، فقلتُ له: كلّا والله، كنتم مع رسول الله، يُطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البُعَداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله، وأسأله -والله- لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.
 وعاهدت نفسي كذلك لأشكونه الى رسول الله ولن تمر مقالته بسلام.
 فذهبت الى النبي وأخبرته بمقالته فقال لي: وماذا قلت له؟ فقلتُ: كذا وكذا فقال لي: «ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» فما فرح أصحاب السفينة بشيء أعظم من فرحهم بمقالة الرسول العظيمة.
وهكذا برّد غليلي رسول الله، وأثلج صدري وصدور من معي من اخوتي المهاجرين.
نعم، تلك هي أسماء، امرأة من الرعيل الأول، كوكب من تلك الكواكب التي لا يطمسها الغياب ولا يعتريها الأفول، قدّمت هي واخواتها الصحابيات الجليلات صوراً مَلْأى بالعزة والشموخ والإباء، فلا يرضين بالتوهين، ولا يقبلن بالاستخفاف، ولا يبيتنّ على ضيم.
لقد كنّ نِعْمَ الصحابيات، ونِعْمَ القدوات، رسمن لوحة فسيفساء متناغمة الألوان بمواقفهن النبيلة، حتى اشتد عود الاسلام، وقويت عزيمة المسلمين، فلنكن نحن معاشر النساء التابعات بإحسان خير خلف لخير سلف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح الجيزاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/12



كتابة تعليق لموضوع : كواكب لا يطمسها الغياب 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net