صفحة الكاتب : مرتضى علي الحلي

الدينُ نسقٌ فطري إنساني ثقافي.. والإنسان كائنٌ اجتماعي ومُتَدَيِّن بالطبع
مرتضى علي الحلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


 إنَّ كثيراً من عُلماء الغرب يعتقدون بأنَّ الدِّينَ قادرٌ على حلّ مشكلة الإنسان في مجال التعاطي الاعتقادي والنفسي والحياتي والسلوكي مع خالقه وربّه الله (تبارك وتعالى)، ومع شرائعه وأديانه، وذلك ما اختزله العالم الأنثروبولوجي الاسكتلندي، جيمس فريزر (1854-1941م) في كتابه الشهير (الغصن الذهبي) إذ عرّفَ الدِّين: (بأنَّه التقرّبُ إلى القُوى العُليا التي تفوقُ الإنسانَ، والتي يُعتَقَد أنَّها توجه الحياةَ البشريّة، ومن ثمّ فيتضح أنَّ للدِّين عنصرين هُما: الإيمان بوجود قوى أعلى والآخر هو التقرّب لهذه القوى)(1).
وبناءً على ذلك، يتحتم على الإنسان أن يكون كائناً مُتدّيناً كما يرغب أن يكون كائناً اجتماعيّاً مُثقفاً، وإن كان التدين تمثلاً فطريّاً في جبلة كُلّ إنسانٍ بغض النظر عن الاشتباه المفهومي والمصداقي في نوع ذلك الدِّين وحقّانيّته.
فالدِّين بوصفه الثقافة الحقّة، هو مَن يتكفّل بتفسير الأحداث الحياتيّة والظواهر الوجوديّة والكونيّة تفسيراً معقولاً ومقبولاً وصالحاً.
وهذا المعنى أكّده العالم الأنثروبولوجي الأمريكي كليفورد جيرتس (1926-2006م) في مقالتيه المعروفتين (الدين بوصفه نسقاً ثقافياً) و(الإسلام مُلاحَظاً) حيثُ (أكّدَ أنّ أفضل طريقة لدراسة الدِّين هي دراسته كمجموعة من الرموز المُقدّسة مُتجسدة في مجموعة من المفاهيم الأساسية للعالم، وكيف ينبغي للناس أن يتصرفوا فيها، وقد أوضح الدور المحوري الذي تلعبه الطقوس سواءٌ من وجهة نظر المؤمن بها أو من جهة نظر المُلاحِظ، وقد أكّد أيضاً على أهمية النظر إلى الدّين في سياقه الاجتماعي والتاريخي دون ردّ جوهره الدلالي إلى مجرد انعكاس للبناء الاجتماعي، وهذه إسهامات مهمة للغاية في دراسة الدين)(2).
 إذن، يتجلى مما تقدّم، أنّ الإنسان لا ينفك في احتياجه إلى الدِّين بقاءً وتطبيقاً، مثلما احتاجه حدوثاً من أول وجوده، ذلك كون الدِّين نظاماً اجتماعياً يقوم على أساس فكرة وجود مَوجود أعلى ومُقدّس والالتزام بتعاليمه، وهو الله، سبحانه وتعالى الحي والباقي والسرمدي والقادر على كُلّ شيءٍ، والخبير بواقع الإنسان ومصيره والمُشرّع له من الشرعة والصراط الحقّ ما يكفل معه صلاحه وفوزه وسعادته في الدنيا والآخرة بواسطة الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وكتبه المُقدّسة كالقرآن الكريم، قال تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إليْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إليْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إليْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إليْهِ مَن يُنِيبُ" الشورى: (13).
فالدّين (هو مَن يرسم العلاقات بين العالم المادي والعالم العلوي والواجبات والالتزامات المُتبادلة بين كِلا العالمين، وهو مَن يُكوّن أنماطَ السلوك التي تهدف إلى جعل الأفراد ينسجمون مع خالقهم ويخضعون للثواب والعقاب)(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جيمس فريزر، الغصن الذهبي، دراسة في السحر والدين، ترجمة أحمد أبو زيد،1: 127.
(2) أنثروبولوجيا الإسلام، د. أبو بكر أحمد باقادر: 521.
(3) معجم العلوم الاجتماعية، حسن شحاته سعفان، مادة: (دين): 270.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى علي الحلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/09



كتابة تعليق لموضوع : الدينُ نسقٌ فطري إنساني ثقافي.. والإنسان كائنٌ اجتماعي ومُتَدَيِّن بالطبع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net