صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

 

انطلق الاب بحثا عن الطعام , ذهب ولم يعد , ترقبت الام عودته بفارغ الصبر , تارة تخرج وتنظر في الشارع , يمينا وشمالا , وتارة تحتضن صغارها , وتأملهم بعودة الاب محملا بألذ واشهى الطعام , لقد طال الانتظار , وازداد الصغار جوعا والحاحا , حتى أدركت الام ان زوجها قد لقى حتفه ,  فأخبرت الام صغارها بأن اباهم قد ذهب ال مكان جميل , حيث الماء والخضراء والوجه الحسن , فمكث هناك وتزوج من ذات الوجه الحسن , وهو الان يعيش في سؤدد ورخاء , وقد نسي زوجته وصغاره , لذا سوف لن يعود , فلابد ان تذهب هي لجلب الطعام . 

اقتفت الام طريق الاب , تشيعها انظار الصغار , ابتعدت كثيرا حتى توارت عن الانظار , فأنتظر الصغار كثيرا عودة الام , التي لم تعد ايضا , فأجتمعوا حول اختهم الكبرى , اشتكوا لها من شدة جوعهم , وقلة صبرهم , ولابد ان تذهب كي تجلب لهم الطعام , فترددت كثيرا كونها لا تملك الخبرة الكافية في هذه الحياة , كي تتحمل مسئولية تربية الصغار . 

انطلقت الاخت الكبرى مقتفيتا طريق الاب والام , طالما وان هناك خطر , قد يعني عدم الرجوع , فلابد من السير بحذر , كي نمنع المزيد من ذرف الدموع , سارت حتى وصلت الى مكان فقد الاب فيه حياته , فأنطلقت حتى وصلت الى مكان مصرع الام , فعلمت ان السكر لابد ان يكون قريب , ولابد ان يكون محاطا ببعض الوحوش , فتسلقت صخرة كبيرة , ونظرت في كل الاتجاهات , فوقع نظرها على قطعة من السكر , في واد قريب , تمعنت النظر في الوادي اكثر , فأكتشفت ان هناك مدخلا واحد له , وفي كلا جانبي المدخل كان هناك عقرب متربص , وعلى سفوحه كان يتنقل هناك ابو بريص , فلابد ان تضع خطه كي تصل الى السكر , فتمرغت في التراب , حتى تغير لونها , واتجهت نحو احد العقربين , لاحظها العقرب الاول , و اعتقد انه ان لم يسرع في افتراسها فسوف يفترسها العقرب الثاني , فركض نحوها بسرعة , فظن العقرب الثاني انه ان لم يعجل بالركض نحوها فستكون من حصة العقرب الاول , فركض نحوها مسرعا , في الوقت المناسب , غيرت النملة اتجاهها , وتصادم العقربان , كأنهما ثوران أمريكيان , وكان ابو بريص منشغلا بهذا المنظر , الذي يراه لاول مرة في حياته , فوصلت النملة الى السكر , وحملت ما استطاعت حمله وهربت عائدة الى البيت . 

لم يكن الطعام الذي جلبته كافيا , فلابد ان تذهب لجلب المزيد , فتسلقت تلك الصخرة , وفكرت في خطة اخرى , شاهدت قطة في الجوار , فقصدتها , ضايقتها حتى تعقبتها , الى مكان العقربين , فأنشغلت القطة بالعقرب الاول , بينما العقرب الثاني قرر الاختباء , وقرر ابو بريص التسلق بعيدا , فسنحت الفرصة للنملة ان تقصد السكر وتحمل منه ما استطاعت , وتعود به الى البيت . 

التهم الصغار الطعام , ولا زالوا يلحون بطلب المزيد , حجمها الصغير لا يسمح لها بحمل الكثير , فلابد ان تذهب لجلب كمية اكبر من السكر , فتسلقت تلك الصخرة , واستغرقت في تفكير عميق , بحثا عن خطة مناسبة , فلمحت طفلا يرمي شجرة بالحجارة , ذهبت اليه , وازعجته بعدة لسعات وهربت بأتجاه العقارب , فلحقها رميا بالحجارة , حتى وقع نظره على ذينك العقربين , فبادر الى رميهما بالحجارة , فهربا , و غادر ابو بريص المكان , فأنتهزت النملة الفرصة وقصدت السكر , حملت ما استطاعت وهربت عائدة الى البيت . 

عادت النملة الى تسلق الصخرة , وفكرت في الخطة التالية , فقررت ان تتسلق مكانا فوق ابو بريص , ورمت عليه حجارة صغيرة , تفاجأ ابو بريص من هول الصدمة , فوقع على الارض , في المنطقة المحرمة بين العقربين , فهجما عليه , أنشغل العقرب الاول بذنب ابو بريص الذي كان يرقص ويتلوى امامه , بينما طارد العقرب الثاني ابو بريص نفسه , فقفزت النملة من فوق ووقعت قريبا من السكر , حملت ما استطاعت وولت هاربة . 

جمع الصغار الطعام في اناء كبير , فأحتج بعضهم بأنه غير كاف , فهرعت النملة ( الاخت الكبرى ) وقصدت الصخرة من جديد , وفكرت في خطة جديدة , ملئت اناء صغير بالماء , وتسلقت مكانا فوق العقرب الاول , والقت على ظهره قطرة من الماء , فأحس العقرب بشيء فوق ظهره , تحرك في عدة اتجاهات محاولا انزاله , فلم يفلح , فقرر ان يلسعه , فأخترقت ابرتاه جسمه , فتسمم ومات , وفعلت النملة نفس الشيء مع العقرب الثاني , فلسع نفسه ومات هو الاخر , نزلت متجهتا نحو العقرب الاول وتظاهرت انها تصافحه , وتوجهت نحو العقرب الثاني , وتظاهرت انها تصافحه ايضا , بينما كان ابو بريص مقطوع الذنب يشاهد المنظر ببالغ الدهشة , نملة تصافح عقرب , لم يكن يعلم ان العقربين قد ماتا , فوصلت النملة الى مكان السكر واحتثت منه مقدارا كبيرا , بالكاد تقوى على حمله , وعادت هذه المرة تسير بتأن وتثاقل , فقد كان حملها ثقيل هذه المرة .       

في طريقها الى البيت , قابلت مجموعة من النمل , قد حزموا امتعتهم , فيما يبدو انهم مسافرون , فسئلتهم ( الى اين ؟ ) , فاخبروها ان العيش هنا اصبح صعبا , وانهم مسافرون الى بلد مجاور , العيش فيه افضل , حيث العمل وافر , والغذاء متوفر , والمخاطر تكاد تكون معدومة , وطلبوا منها ان تجلب اخوتها وتلتحق بالقافلة , وان تأخرت , فهناك قافلة اخرى ستغادر غدا , رفضت النملة مغادرة بلادها , رغم الصعاب والمعاناة , واصرت على البقاء , ومضت في مسيرها الى البيت , حيث ان الليل ارخى سدوله , وهدأت الاصوات , فتجمع الصغار الى مائدة العشاء , ولاحظوا اختهم الكبرى شاردة الذهن , فقاطعها احدهم , وطلب منها ان تتناول الطعام معهم , فتعذرت انها لا تشعر بالجوع , وقال لها صغير اخر : 

- اتشعرين بالتعب ؟ 

- كلا ... فانا نملة ! . 

- اذا بماذا تفكرين ؟ .  

حكت لهم ان القوم يغادرون الى بلاد مجاورة , حيث العمل والغذاء وافرين , والعيش اسهل بكثير , فقال احد الصغار :

- هل تفكرين بالرحيل معهم ؟ . 

- ربما نعم وربما لا .... لا اعرف ! . 

- حسنا ... انت اختنا الكبرى ... وانت اعلم بما فيه مصلحتنا ... فأن شئت غادري ونحن نغادر معك ... وان شئت ابقي ... ونحن باقون معك . 

- لا اعرف ! ... ان العيش هنا اصبح صعبا ... وتوفير لقمة العيش اصبح عسيرا !  

- نعم فبالرغم من اننا نأكل السكر ... لا يزال طعم الحياة مرا ! .

احتارت هذه النملة الصغيرة في جواب مختصر , تختم به حديثها مع اخوتها الصغار , كي تخلد الى النوم وترتاح , بعد يوم من العمل الشاق , فقالت وهي تقاوم النعاس : 

- احتجت الى خمس حيل كي اجلب طعام اليوم ... و سوف أحتاج الى خمس حيل اخرى كي اجلب طعاما ليوم الغد !!!!! . 

 

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/04



كتابة تعليق لموضوع : النملة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net