صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

( وكنت معهم ) القسم السابع
علي حسين الخباز

 الرحال الى منطقة شقلاوة:

 شددنا الرحال الى منطقة شقلاوة التي تقع على جبل سفين والتي تحاط بغابات كثيفة وتعرف بكثرة الشلالات والمصايف، كانت المناظر خلابة غاية بالجمال، ونحن نتسلق الجبل رويداً رويداً، بدأ البرد يعلن وجوده مع هطول رذاذ المطر، ولاحت غيوم سوداء في سماء شقلاوة الى مديرية الدفاع المدني كان باستقبالنا مدير الدفاع المدني ومسؤول ملف النازحين (العميد كيفي).
أجرينا التنسيق معه بواسطة الحاج علي عباس مسؤول منحة المليون في وزارة الهجرة، وبعد الترحيب بنا بيّن لنا انه يوجد في شقلاوة اكثر من اربعة آلاف نازح موزعين على أطراف شقلاوة، ورغم أن القضاء لا يتحمل هذه الأعداد الهائلة إلا أنه للضرورة أحكام، وأن الأمم المتحدة لها دور كبير في معيشتهم، حيث يصرف كابون لكل فرد نازح له الحق أن يشتري به ما يريد من الأسواق عدا حليب الاطفال وهذا الكابون له قيمه 30 الف دينار عراقي، فطلب منا أن نهتم بمادة حليب الاطفال وتجهيز بعض الكراسي المتحركة للمعوقين، ثم زودنا بقائمة تضم اكثر من 2000 طفل.
قال الشيخ عارف: المحبة يا بن عمي شعور انساني داخلي لا يعرفه الا من يحب الله ويحبه الله سبحانه وتعالى، فينعم عليه بالمحبة والرحمة والوداد، وهذه المحبة الإلهية لا تفتر ولا تتعب، وانما تنشط مع كل حالة إنسانية تنهض فيه تبارك همته وتمسكه مع الله والناس، وتدفعه الى تقديم المزيد.
 مبارك لوفد المرجعية اذ وهبهم الله هذا الدور الإنساني الذي يستمدونه من نهج الائمة (عليهم السلام)، أجاب تحسين بابتسامته المعروفة: من يحمل هوية الله والانتماء لدينه يعمل لبناء الانسان لا لهدمه، وهذه الصورة واضحة هناك من زرع في قلوب اهل الخيام الرعب والألم والموت هجرهم من ديارهم، وكل ذلك باسم الدين، وهنا من جاء ليودع الخير في هذه القلوب والفرحة والرجاء.
يقول صديقي الشيخ باسم النصراوي: كانت لنا جولة في بعض الهياكل التي يسكنها النازحون، وجدنا عائلة من منطقة الكرمة التابعة لمحافظة الانبار هذه العائلة متكونة من عشرة افراد همهم الاول هو توفير الحليب لأربعة اطفال عندهم وملابس تستر جلودهم وطلبوا بعض المستلزمات البسيطة لعيشهم، ورغم العوز الظاهر على ملامحهم وقساوة الظرف الذي يمر بهم إلا ان كلمات الترحيب لم تنقطع عن ألسنتهم، وكلمة (يا هلا ومرحبا).
 تجولنا في تلك الطرقات ونطرق باباً تلو الآخر ورغم برودة الطقس تجمع حولنا الاطفال والفرحة تملأ وجوههم، تقربنا اليهم لنداعبهم ونجاملهم بكلمات المداعبة عسانا نرسم على تلك الوجوه البريئة البسمة وبعطاء اليمن ملأنا قلوبهم سرورا ونحن على يقين ان كل ما يقدم هو قليل، ولا يمكن ان يعوضهم ما فقدوه.
 ركبنا السيارات لنواصل الصعود الى الجبل وصولاً الى منطقة هياكل اخرى والتي تبعد عن الاولى بضع كيلو مترات وكان المكان بالقرب من قمة الجبل، الطقس غاية في البرودة والسماء محملة بالغيوم السوداء لم تكن لهذه البيوت ابواب حتى نطرقها، بل كانت عبارة عن بطانيات خرقة بالية والحائط من مادة البلوك الذي لم يطلَ لحينه والشباك على مصرعيه بل لا يوجد شباك فقط فتحته الكبيرة المشؤومة التي تعبئ البرد داخل البيت، وكانت الارض مبللة من الرطوبة.
 وقع نظري على إحدى زوايا الغرفة رأيت ملابس وفرشا لا تصلح الا وقود للنار وقد وضعت على رف من بلوك وحجر وفي هذه الدار تسع نساء بين العجوز الكبيرة والبنت الشابة والصبية الصغيرة وطفلين كانت هذه العائلة من أهالي الفلوجة نزحوا لما دخلهم ارهاب داعش، كل الكلمات عاجزة وعلى استحياء وخجل.
 قلنا: ان شاء الله ازمة وتعدي وترجعون بأمان وسلامة رغم شعورنا بالعجز والتقصير لما شاهدناه وما الذي نقدمه لهؤلاء عرفنا انفسنا نحن من مكتب سماحة السيد السيستاني من النجف الاشرف جئنا لنتفقد احوالكم ونحن بخدمتكم.
 قالت عجوز كبيرة: (أهلاً وسهلاً بكم احنا ما نريد غير الأمان) هذه طفلة جاءت تركض لأحملها على صدري دون ان تستغرب وكأنها رأت عمها الذي تعرفه او واحدا من اهل بيتها، سعينا لنجمل الجو بطرافة اللقاء والحديث عن هذا البرد، فكانوا يضحكون وكأنهم لم يمروا بهذه المحنة، فبعثوا في نفوسنا أملاً بهذه الابتسامة ثم حملت طفلاً اخر فانشد ابياتا شعرية: 
(بيد الله الفرج مو بيد العباد 
 رب ارحم كلب وعيون سهرانه
فاركنه البيوت وطال الفراك 
 والي يفارك وطن ما ينسه اوطانه
ياوسفه تفتت جمع الاحباب
 وبالغربه الوكت طشار سوانه
مذلة الغربه شفنه 
 يا كلبي هاي الروح خلصانه)
فانحدرت دموعنا لهذه الكلمات المؤلمة والمشاهد التي ألهبت والمت كل الحاضرين فشكوا حالهم وتركهم المدارس وفقدان اموالهم وقلة النفط في الخيام، وشكروا حضورنا والواسطة التي اوصلتنا اليهم وقالوا: نحن لا نعرف الطائفية ولا فرق بين سنة وشيعة، وقالت المرأة العجوز: (صدك الاخ ما يعوف اخوه) وابدت هي والحاضرون ارتياحهم لهذه الزيارة ولما خرجنا من الدار خرجوا بأجمعهم وكأنهم يودعون عزيزا عليهم. 
 دخلنا بيتا اخر لا يختلف بوصفه عن سابقه من قلة الاثاث، وكان الحجر (البلوك) من دون طلاء وفتحات الشبابيك الا ان الشباك غير موجود والابواب كسابقاتها مغطاة بالبطانية، وكان الظلام دامساً في هذه الغرفة رغم انها ساعة النهار وعلى ضوء مصباح الموبايل نمشي ونتحسس الطريق ونتفقد هذه العائلة فرأيت طفلة في وسط الغرفة ممدودة فدققت النظر فإذا هي مشلولة اليدين والرجلين في هذا المكان اربعة عوائل كلهم من الفلوجة اتجهوا الى اقليم كردستان (في هذه الخرابة) طلباً للأمان، تكلم ربّ الأسرة بعد ان عرفنا بأننا مبعوثون من مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف الأشرف.
 قال: اهلاً وسهلاً بكم وانتم لم تقصروا معنا فجزاكم الله خيرا. فقلنا له: مواساة سماحة السيد ودعاؤه لكم وهذه شدة وستزول وما هو احتياجكم؟ فقال: العيون افصح من اللسان والاحتياج كثير وان ما مر بنا من مأساة شيء كبير حيث تركنا دورنا وخرجنا بأرواحنا (ومسك قميصه) ما كان الا بسبب الكفرة داعش.
 وصلنا الى عائلة تسكن في كرفان وهي من الطائفة الايزيدية، قلنا: جئناكم من النجف الاشرف نحمل سلام المرجعية اليكم، رأيت امرأة عجوزا بدت فرحة سعيدة لرؤيتنا، فقالت باللغة الايزيدية وترجمها لنا ابنها: انقلوا سلامنا الى السيد السيستاني وقدمنا المساعدة المالية لهم وقلنا للشباب الموجودين منهم:ـ نريد منكم ان تحرروا سنجار بأيديكم او تساعدوا في ذلك فقالوا: ان شاء الله سنحرر ارضنا بمساعدة الحشد الشعبي ونحن ممنونون منكم ومن سماحة السيد السيستاني على هذه الفتوى، ولا احد يستطيع ان يحرر الارض الا اتباع المرجعية (الحشد).
دخلنا على بيت اخر وهو من الشيعة الشبك، فوجدنا امرأة عجوزا تحتضن مدفأة من شدة البرد وبعد ان عرفتنا من النجف قالت: (دخيل العباس والحسين وزوروا عني؛ لأن اني ما اكدر ازور وضعي تعبان كنت قد ذهبت في يوم الى الزيارة لكن رجعت بسبب المرض، هجرونا وان شاء الله ارجع وازور ساداتي فجلسنا عندها نحادثها، شكت لنا سوء حالها ومرضها واحتياجها المالي الصعب وقالت: سلامي للسيد للحسين والعباس (عليهما السلام) وللسيد السيستاني) فقدمنا لهم شيئا عله يرفع عنهم بعض معاناتهم.
 دخلنا الى بيت اخر وهذا احسن من السابق حيث تسكنه عائلة مسيحية وكانوا من نازحي الموصل (الحمدانية) ولكن اوضاعهم صعبة جدا حيث التجؤوا الى احد اقاربهم وهو يسكن بيت ايجار، فشكروا الوفد وسماحة المرجع على هذه الزيارة، وقال الرجل: اوجه رسالة الى الدواعش (كافي.... اذا انتم اسلام فالإسلام لا يفعل ما فعلتموه من دمار وقتل، ولولا فتوى السيد السيستاني لقضوا على العراق).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/06



كتابة تعليق لموضوع : ( وكنت معهم ) القسم السابع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net