صفحة الكاتب : راضي المترفي

 اعترافات الملازم زكي - الجزء (1 )
راضي المترفي

 انا زكي .. 

اعترف اني كنت ولازلت بعين امي ( غزال ) رغم ان عيون الاخرين لها رأي اخر اطلع عليه واعرفه كل ما لامس نظري المرآة في اي ساعة من ساعات النهار او الليل ومع ذلك يبقى رأي امي هو المهم ولتذهب المرآة وعيون الاخرين الى الجحيم .
اعترف ..
كانت امي ترغب وتسعى بكل ما اوتيت من سعة خيال لأن يكون ابنها زكي الذي هو ( حضرتي ) او جنابي الكريم ضابطا في الجيش وكانت تحشد لذلك كل طافاتها وانا لم اكمل الاعدادية بعد على عكس ام يحيى الذي تبذل كل ماعندها ليساق ابنها للخدمة بصفة ( جندي غير مسلح ) وكانت (كنية ام الضابط ) اقرب الكنى الى روحها رغم سخرية النسوة من الجيرة والاقارب وتغامزهن عليها .
كنت اعرف رغم صغر سني وقصر مداركي ان مسألة تحقيق حلم امي لاتتعدى كونها حلما او سعة خيال ولامكان لها الا في خانة المستحيل ولكني كنت اخافها مرة واخاف على مشاعرها اخرى واسايرها ثالثة واضحك من حلمها كلما تيسر ذلك .
استذكر واعترف ..
اكملت الاعدادية وقدمت اوراقي للكلية العسكرية وكلية الشرطة وكلية القوة الجوية محاولا تحقيق حلم ام زكي التي توسلت بنذورها لائمة تعرفهم وائمة لاتعرفهم وطرق ابي كل باب يعرفه للتوسط حتى اقاربنا سائق المدير الذي يسكن في الطرف الاخر من العاصمة وترقبت موعد المقابلة والقبول بدون كلل رغم علمي ان ( فايلي ) مؤطر ب(ش . ش. ش) تكفي واحدة منها لوئد حلم امي ولم يتعبني الانتظار حتى بعد ان دفعتني الانسيابية الى كلية التربية ويأس امي التي طوت على حلمها كشحا واعددت نفسي لآكون مدرسا في اطراف مدينة من مدن الفقر في بلادي او احد القرى المنهكة بالمرض والجهل .
استرسل ..
صرف لي دفتر خدمة واجل سوقي استنادا لكتاب عمادة كلية التربية وزرت التجنيد اربع مرات بعدد سنوات الدراسة بالكلية وفي الخامسة كتبوا في دفتر خدمتي ( ازيلت اعذاره وبلغ بالحضور للسوق يوم 11 / 10 / 1980) وفي اليوم المشهود حملتنا الباصات الى مركز تدريب مشاة بغداد في معسكر التاجي تحت عنوان ( وجبة الخريجين والمزالة اعذارهم ) .
في اليوم الثاني من الخدمة ونحن كما قال عريف صحن ننتظر ( ترهيطنا ) التي لم اكن اعيها وصلت المعسكر مجموعة من الضباط يتقدمهم عقيد بشوارب على شكل ( 8 ) وتفرس هذا العقيد بوجوهنا واجسادنا كمن يبحث عن ذبيحة سمينة لشرائها وكان يحمل عصا يضعها في صدر من يقف امامه منا ثم يسأله عن اسمه الثلاثي ليقول بعدها احدى جملتين لم اسمعه ينطق او بالادق يلوك غيرهما وهما اما ( مو لازم ) او (اطلع يولو ) .. وقف امامي ونظر لي فتمنيت ان يكون نظره لي بعين امي واخيرا سألني : ( شسموك يول ) ؟.
. زكي صفوك الشمران سيدي .
. وين اهلك يابه ؟
. بالبيت سيدي .
هنا دفع العصا بصدري بقوة وقال ..
( اطلع يولو ) .
طلب العقيد من مجموعة الضباط التي جاءت معه عدنا وتسجيل اسمائنا ولما وصل الرقم (48 ) قال بنبرته القروية الواضحة ( يزي .. يزي ) .
كنت استمع للاسماء وهم يقرؤنها فتثير بداخلي الضحك والغرابة اذ خلت جميعا من الرقة وابتعدت عن الحضارة .. انا الذي كنت اتحرج من اسم ابي وجدي وجدت ان صفوك وشمران ارحم بكثير من ( جليوي .. شعيوط .. عران .. مجباس .. هزاع .. بازع .. شويش ) وغيرها .
حملتنا سيارات ( الايفا ) وسارت بنا الى جهة مجهولة وتوقفت بعد مسير اكثر من ساعة فترجلنا منها ولامس نظري مباشرة قطعة كبيرة كتب عليها ( كلية الضباط الاحتياط مصنع الابطال ) فاستيقظ بداخلي فورا حلم ام زكي الضابط ذلك الحلم الراقد كالموتى منذ سنين وتخيلت اني سأمر ذات يوم ببيوت زقاقنا وانا احمل حقيبة الكلية وعصا التبختر وارتدي بدلة طلاب الكلية الزرقاء الموشاة بالاحمر والقردون فتهرع صبية صغيرة نحو بيتنا وتخبر امي ( خاله ام زكي .. اجا ابنك الضابط ) .
كانت الحرب على اشدها حامية الوطيس والفيلق الثامن يملآ الفضاء اناشيدا وضجيجا وكانت الحكومة بحاجة للكثير من الجنود الضباط لزجهم في محارقها لادامة استعارها وكانوا يستعجلون الزمن لكي ننهي الدورة ونلتحق بالجبهات ضباطا نقود فصائلا وسرايا وربما حلم احدنا بأمرة فوج او رئاسة اركان .
اكملنا الدورة وصدر المرسوم الجمهوري بمنحنا رتبة ملازم في الجيش واصبحت الملازم زكي وصارت ام زكي ام الضابط وتحقق الحلم وكرمت سريتنا ( سرية اسامة بن زيد ) بعد فوزها بالمركز الاول .. وفي يوم الاحتفال بالتخرج استأجرت ( ام زكي ) كوستر عدد 2 ملآت بهن نسوة الجوار والاقارب وعندما اوقوفهن في باب نظام الكلية التفت النسوة الى امي مشيرات الى ام الضابط فتقدمت وقالت للحرس ..
انا ام الملازم زكي حضرنا اليوم للمشاركة باحتفال التخرج لدورة الضباط الاحتياط 32 آ الوجبة الاولى وكان هذا اول اعتراف انتزعته ام زكي من النسوة واول استخدام رسمي لكنية ام الضابط الحبيبة لقلبها .

علي الخباز, [١٧/٠٤/٢٠٢٢ ٠٦:٠٢ م]
بعد العودة وزعت ام الضابط الحلوى والمرطبات وصدحت الموسيقى في الزقاق وعمل الاهل وليمة كبيرة دعي لها الاقارب والجيران وخاطبني الجميع ب(ملازم زكي ) رغم اني لم اكن غزالا بعين ايا منهم عدا امي وكانت اجبرتني على ارتداء القيافة العسكرية والنجمة الذهبية التي صاغتها لي من مخشلاتها القديمة وحدثني اغلب المدعويين عن تجاربهم الغسكرية وخلصوا الى التسليم بالمبدآ القائل ( اذا اردت ان تكون ملكا فكن ضابطا بالجيش ) .
بعد فترة اعداد قصيرة في بغداد صدر امر التحاقي بمنصب امر الفصيل الثاني بالفوج الاول من لواء المشاة (47 ) في القاطع الجنوبي في منطقة الشلامجه .
حملت حقيبتي ونجمتي وقطعت الزقاق بخطوات متبخترة كأني في ساحة استعراض ونسوة الجوار ينظرن لي وامي تسير بجانبي حتى نهاية الزقاق ودعتها وتوجهت الى كراج النهضة الذي وجدته يعج بمئات الجنود وعشرات النجمات وهم يتدافعون على السيارات وبالكاد حصلت على مكان في سيارة ريم قديمة اوصلتنا البصرة بعد اكثر من 7ساعات .
استقبلوني في اللواء وسلمت كتابي الى مقر اللواء بعدها اوصلتني واز جلست في مقعدها الخلفي الى مقر الفوج وهناك جلست الى امر الفوج الذي اخبرني عن شجاعة امر الفصيل السابق وكيف استشهد وهو يدافع عن ارض الوطن ثم تحركت للسرية وسارت الامور مثل سابقاتها في اللواء والفوج ثم اوصلني احد الجنود الى فصيلي فاستقبلني عريف الفصيل وقدم لي الموجود حتى قبل ان التقط انفاسي وبطريقة احتفالية وقال اثناء التقديم :
الكلي 51
المتفرقة 32
الحاضر 19
الفصيل حاضر للتفتيش سيدي .
وسلمني ورقة الموجود ثم قدم نفسه قائلا :
العريف الاحتياط جاسم حسوني عبيد سيدي .
دخلت الموضع وصادف ان الجبهة تعيش لحظات هدوء فجلست على سرير امر الفصيل وهناك على الحد الفاصل بين الموت والحياة استعرضت انا الملازم زكي ابن ام الضابط شريط حياتي والانعطاف الكبير الذي تعرضت له بعد وصول العقيد ( يولو ) ونظره لي بعين امي والاثر الذي تركه اسم ابي وجدي على عقل العقيد ودفعه الى اختياري ضمن وجبة الضباط الاحتياط بعد اعتقاده باني زكي صفوك الشمران من المناطق التي يلاقي تجنيد ابنائها ضباطا في الجيش قبولا من مركز القرار الاعلى .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راضي المترفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/17



كتابة تعليق لموضوع :  اعترافات الملازم زكي - الجزء (1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net