صفحة الكاتب : محمد السمناوي

شرح الخصلة التاسعة من الرواية: ( يموت عطشاناً فلو سقي من انهار الدنيا لم يرو عطشه )
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما يراجع الباحث المجاميع الحديثيّة، ويقف على تلك الأخبار الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي ورثها أئمة أهل البيت لعيهم السلام كابرٌ عن كابرٍ عن كابر، فإنه يجد الكثير منها تبين أن هناك جملة من الذنوب والمعاصي تورث العطش في الإحتضار وما بعد الموت، ومن ضمنها التهاون في الصلاة والاستخفاف في حقها، والإتيان بها خارج الوقت المخصص، وكذلك يوجد بعض الأعمال تروي وتقي المؤمن من العطش الأكبر في يوم القيامة.

أما الذين يصابون بالعطش ذكر جملة من الشواهد هم على نحو الإختصار والعجالة : -

أوّلاً: شرب الخمر فعن النبي الاكرم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ( والذي بعثني بالحق، إن شارب الخمر يموت عطشاناً، وفي القبر عطشان، ويبعث يوم القيامة وهو عطشان، وينادي واعطشاه، ألف سنة، فيؤتى بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب فينضج وجهه، وتتناثر أسنانه وعيناه في ذلك الإناء، فليس له بد من أن يشرب، فيصيرها في بطنه )(1).

فعن محمد بن مسلم قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخمر، فقال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أول ما نهاني عنه ربي عزوجل عن عبادة الأوثان، وشرب الخمر، وملاحاة الرجال، إن الله تعالى بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المعازف والمزامير واُمور الجاهليّة وأوثانها وأزلامها وأحلافها أقسم ربي جل جلاله فقال: لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا إلا سقيته يوم القيمة مثل ما شرب منها من الحميم، معذباً بعد أو مغفوراً له. وقال عليه السلام: لا تجالسوا شارب الخمر ولا تزوجوه ولا تتزوجوا إليه وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشيعوا جنازته، إن شارب الخمر يجئ يوم القيمة مسوداً " وجهه، مزرقة عيناه، مائلاً " شدقه، سائلاً " لعابه، دالعاً " لسانه من قفاه)(2) بمعنى انه اخرج لسانه من شدة العطش.

ثانياً: المجرمون المعتدون على جميع الأصعدة والمجالات يصابون بالعطش في المنازل الأُخرى التي ما بعد الموت قال تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)(3) قيل: معناه إنه أزرقت عيونهم من شدة العطش.

وقال تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)(4)، وقال عليه السلام: (العطش يوم القيامة) (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ)(5) بمعنى شدة من العطش.

بينما الذين لا يصابون بالظمأ لا في الإحتضار ولا المنازل الاُخرى التي بعدها ذكر جملة من الشواهد والتي منها : -

أوّلاً: الصائمون المطيعون لله تعالى فانهم لا يصابون بالعطش في الآخرة؛ لأنهم في دار الدينا التزموا بتعاليم السماء والإمتثال لأمر الله عزوجل وقد روي عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ)(6).

ويضيف المحدث الشيخ الصدوق طاب ثراه في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان؛ لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً. فعند ذلك لا يصيبهم الظمأ(7)، وهو الشدة في العطش .

وقد بين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة مفادها ان الذي يمتثل لأمر الله تعالى في الصيام فانه سوف يحضى بخصال سبعة واحدة منها أمان من الجوع والعطش في ساحة المحشر والقيامة(8).

ومن الواضح جداً ـــ من خلال التمعن في الروايات ــ ان انهار الدنيا، واشربتها تختلف عن أنهار الآخرة واشربتها كما أنّ خمر الجنّة وشرابها لا يوجد علاقة له بخمر الدنيا الملوّث مطلقاً، بل هو كما يصفه القرآن في موضع: (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ)(9)، فلذته روحية، ولا تتعرض الى الفساد(10)، وهي بدورها تورث النشاط , وتحافظ على سلامة العقل بل تجعله نشطا وقادا بخلاف خمور الدينا النجسة التي يعتريها الفساد .

ثانياً: الصلاة في ليلة الجمعة ففيها غفران الذنوب ويرفع الله تعالى العطش والجوع في الآخرة لمن اتى بها، ويحضى بالفرج الآلهي، ويكون محفوظاً من الشيطان وجنده، وإلى هذا المعنى يشير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد خمسين مرة ويقول في آخر صلاته (اللهم صل على النبي العربي وآله) غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكأنما قرأ القرآن اثني عشر ألف مرة، ورفع الله عنه يوم القيامة الجوع والعطش، وفرج الله عنه كل هم و حزن، وعصمه من إبليس وجنوده، ولم تكتب عليه خطيئة البتة، وخفف الله عليه سكرات الموت، فان مات في يومه أو ليلته مات شهيداً، ورفع عنه عذاب القبر، ولم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وتقبل صلاته وصيامه، واستجاب دعاءه، ولم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بريحان من الجنة وشراب من الجنة.

ثالثاً: بعض الأدعيّة والأذكار ففي المواظبة عليها تقي الإنسان من العطش في الآخرة وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي بعثني بالحق نبيا لو أن رجلا بلغ به الجوع والعطش شدة ثم دعا بهذه الأسماء لسكن عنه الجوع والعطش)(11).

 

المصادر

[[1]] بحار الأنوار: 76، ص 147.

[2] بحار الأنوار: ج76، ص 126.

[3] سورة طه: الآية: 102 .

[4] سورة الانعام: الآية 93 .

[5] سورة التوبة: الآية :120 .

[6] بحار الأنوار: ج8، ص 194 .

[7] ظمئ يظمأ ظمأ وهو ظمئ وظمآن وأظمأه الله إظماء.

[8] ورد عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله له سبع خصال: أولها: يذوب الحرام في جسده. والثانية: يقرب من رحمة الله. والثالثة: يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم. والرابعة: يهون الله عليه سكرات الموت. والخامسة: أمان من الجوع والعطش يوم القيامة. والسادسة: يعطيه الله براءة من النار. والسابعة: يطعمه الله من ثمرات الجنة) .بحار الأنوار: ج9، ص 229.

[9] سورة الصافات: الآية :47

[10] لا شك ان اشربة واطعمة الجنة تبقى على حالها؛ لأنه لا يوجد مكروبات في الجنة، وانما هذه التغيرات تحصل في هذه النشأة، فكل الأشياء هناك تبقى على سلامتها ونظافتها على الدوام، انظر إلى قوله تعالى تجد وضوح العبارة وتمام الاشارة : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) سورة محمد: الآية: 15 .

[11] نص الدعاء:" يا من أنار الشمس المنثيرة وجعلها معاشاً لخلقه، وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه، أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وبكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وبكل اسم هولك أنزلته في كتابك أو أثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك، فتراجعت القلوب إلى الصدور عن البيان بإخلاص الوحدانيّة". بحار الأنوار: ج91، ص 403.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/09



كتابة تعليق لموضوع : شرح الخصلة التاسعة من الرواية: ( يموت عطشاناً فلو سقي من انهار الدنيا لم يرو عطشه )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net