صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

إحتقار الأطفال في مجالس الرجال
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ثلاثون عاما من التبليغ عمليّا وليس بالخطابة والكتابة حتى تمكنت من التأثير على بعض الكبار بأن يسلموا على الأولاد

في المجالس العامة والخاصة. ثلاثون عاما وأنا أنحني للأطفال في المجالس وأمد إليهم يدي مصافحا واحدا فواحدا وقائلا: أهلا بك أيها المحترم. أشكر حضورك أيها الرائع فالمجلس بدونكم يكون ناقصا. بل المجلس هو أساسا لكم ومن أجلكم، فأنتم شباب الغد ورجال المستقبل. ينتقدني الكثيرون من جميع المستويات  ونقدهم  يكون أكثر الأحيان عمليّا حيث يتصرفون عكس ما أدعو إليه تماما.ولكني أعلم جيدا أني على صواب وأن المدرسة التي تربيت وترعرعت فيها تختلف عن مدارس السادة الذين أختلف معهم في النظرية والتطبيق معا. لقد نشأت في أسرة تحترم الوالد وتبجله وتوقره إضافة إلى إطاعته والأخذ بنصائحه وإرشاداته وعدم السير والمشي خارج المنزل معه وإنما يكون دائما متأخرا عنه ولو بخطوة على الأقل من باب الأحترام والتوقير، ولكن ذلك الوالد لم يدخل الخوف والرعب على قلوبنا فلم نجلس بقربه "نرتعش ونرتعد" بين يديه خوفا من نظراته القاسية، وإنما كان يفرض إحترامه علينا بحسن معاملته لنا. كنا نشعر بحنانه وعطفه وشفقته ومحبته وهي تغمرنا ولا نعرف كيف نجازيه يوما. طفل نشأ وترعرع في مثل هذه المدرسة يختلف بلا شك عمن نشأ وترعرع في مدرسة الأب المتسلط الشديد، وفي أغلب الأحيان ظالم لأهله وأولاده حيث أن الزوجة تجهد نفسها كثيرا في إعداد الطعام لا لحبها وهوايتها للطبخ، كما أنها لم تكن تلك العاشقة الولهانة لذلك الزوج الذي أسر قلبها وشغفها حبا، وإنما من باب دفع الأذى والضررعن نفسها من ذلك الزوج الجائع الذي تزوج هذه المخلوقة وإعتبرها مطبخا بكامل عدته وتجهيزاته ووصفاته أو غسّالة ملابس مع كلّ مساحيقها. هذا حال الزوجة المسكينة مع ذلك الزوج الطاغية المتجبر مع عياله فكيف سيكون حال الأولاد ياترى؟. حالهم بلا أدنى ريب سيكون مأساويا ومؤلما حقا لأنهم يمثلون الأمتداد الطبيعي لذلك الوالد المتغرطرس المتجبر الذي لم يكن يوما من المستمعين لما يقوله الأولاد أو الزوجة. أعرف الكثيرين من هؤلاء وقد أثرت على بعضهم ولكنهم سرعان مايعودن إلى ماكانوا عليه بتوفر البيئة الملائمة وأعني بالبيئة الملائمة هي إجتماع عدة اشخاص من نفس المدرسة.

ملاحظة: الرجاء عدم إصطحاب الأولاد

أول الغيث قطرة وآخرغزيره فيضان وسيول جارفة وكوارث طبيعية وخسائر لا تقدر بثمن. كثيرة هي الملاحظات التي يبعثها لنا الأقرباء والأخوان والأصدقاء والجيران والمعارف. ما أن يبعث أحدهم لك ببطاقة دعوة التي تحولت إلى رسائل (موبايلية قصيرة) في زمن سرعتنا الحبيبة بحيث حتى صلاتنا قد تكيفت مع السرعة. فلا نصلي الصبح مثلا إلاّ قبل شروق الشمس بعشر دقائق وبسرعة البرق كي لا تكون الصلاة قضاءا. هذا بالنسبة لليقظين أو المستيقظين أمّا بالنسبة للغافلين أو النائمين فحدّث من أحوالهم ولاحرج. أجل ما أن يبعث أحدهم لك ببطاقة دعوة حتى تراه قد كتب أسفلها أو خلفها عدة ملاحظات. أحد تلك الملاحظات والنظريات الحديثة في عصر سرعتنا الجميلة الغالية هي هذه الملاحظة الكريمة:"ملاحظة: الرجاء عدم إصطحاب الأولاد". بعث لي أحد الأصدقاء بطاقة دعوة وآخر سطر كانت الملاحظة التي ذكرناها قبل قليل. نظر إليّ الأولاد وأنا أمعن النظر في تلك الملاحظة التي لا أحب قراءتها، إحتراما وتوقيرا لخدامكم الأولاد. إنبرى لي أحدهم على وجه السرعة: هل ستلبي الدعوة ياسيد وتذهب كما طلب منك صديقك. أجبت بشكل قاطع: طبعا لا. سوف لن أذهب إلى من يدعونا بشروط وإملاءات.ربما ذهبت لوحدي وهو غالبا ماأفعله بعد دراستي لظروف ذلك المكان والزمان ولكن أن يملي علينا أحد بشروط مسبقة فذلك مانرفضه جملة وتفصيلا، ومهما كانت قرابته أو قربه منا. إليكم هذه القصة:

 

بطاقة دعوة:

أتذكر حينما كنت في سن العاشرة من العمر وفي مدينة النجف الأشرف على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، بعث أحد الأصدقاء إلى والدي بطاقة دعوة عقد قران إبنه البكر. وفي خلف البطاقة كُتبت ملاحظة: إن ولدكم محمد جعفر هو أيضا مدعو معكم للحضور.إمتعظ والدي وإستاء حينما قرأ ذلك وقال نحن لانحتقر أبناءنا بل نجلهم ونحترمهم. فقد كانت لديه برامج تربوية أعدها سلفا وكان قد حسب خطواته جيدا. لم تكن تربيته لنا عشوائية ولم تكن لقاءاته بنا محض صدفة. بل كان يحسب حساب كل خطوة وكلمة وحتى سكوته كان محسوبا، متى يكون السكوت خير من الكلام ومتى يكوت السكوت باطلا كالساكت عن الحق مثلا. إستاء والدي من تلك الملاحظة التي تنال من كرامة أولاده وأرسل خبرا لذلك الصديق العزيز مفاده إن أردت أن يحضر العقد خادمكم محمد جعفر فعليك إرسال بطاقة خاصة تحمل إسمه صريحا واضحا. فما كان من ذلك السيد الكريم والصديق العزيز للوالد إلاّ الأستجابة لطلب والدي لقربه من قلبه.

رفضت الكثير من دعوات الاصدقاء لنفس السبب. سألني أحدهم يوما: هلاّ تجاملنا مرّة وتلبي دعوتنا. فقلت: العيال والأولاد أولى بالمجاملة منك أيها المحترم.

وفي المجالس أيضا:

مابالنا نحن كبار السن نرى الأولاد عند باب المسجد أو المجلس فلا نبادرهم بالسلام وإلقاء التحية عليهم. هل نظن أن عدم السلام على الأولاد يزيد من قوة شخصيتنا ويرفع من معنوياتنا. أظن ذلك، فمن خلال دراستي لهذه الظاهرة رأيت أن البعض يتعمد تجاهل الأولاد ولديّ من الأدلة ماشاء الله التي تدعم ماذهبتُ إليه وليس هنا موضع بسطها. كان أحد الأولاد المحترمين جالسا بجانبي في أحد مراكزنا الأسلامية وهو آنذاك إبن تسع سنوات أو أكثر، وشغل وقته بقرآة القرآن المجيد وإمارات الخشوع ظاهرة على وجهه المشرق. أقبل عليه رجل كبير السن ومن غير أن يتكلم معه أو يلقي عليه التحية، أمسكه من يده وسحبه قائلا:" هذا  المكان ليس للزَعاطيط". نهرته وقلت:" أيها  الرجل غير المحترم هذا العبد الصالح أولى بالمكان منك وهومكانه الطبيعي وأن الملائكة تحرس هذا (الزعطوط) مادام تاليا لكتاب الله ومشتغلا بذكر ربه تعالى. كنت على علم بأن ذلك الرجل المسن أراد أن يطعن بثلاثين سنة قضيتها في تقويم سلوك بعض الآباء الذين واقعا قد أثروا سلبا على أولادهم فكانوا سببا مباشرا وقويا في إنحرافهم وضياعم وتخبطهم بتبني نظريات منحرفة وأفكار سلبية تحت شعارات وهمية، برّاقة المظهر صَدِئة المحتوى والجوهر، أكل الدهر عليها وشرب. قلت لأحد أولئك الكبار سنا بعدما سألني عن أفضل طريقة في التربية الصالحة: أترك الأولاد وشأنهم لأنك تهينهم أينما ثقفتهم وتجرح مشاعرهم أمام الآخرين. الطفل الذي يتعرض للإساءة من قبل الكبار سنّا قد يسرها في نفسه ولم يبدها لهم تأدبا منه أو خجلا، لكن تلك الأساءات المتكررة والأحتقار المتعمد يجعله ينفر من مجالسة هؤلاء الكبار وربما إعتبرهم يوما شياطين منفرين، تحل الكآبة والكدر والهم والغم أينما حلوّا. تطور هذه الأفكار ونموها يتحول إلى تصرفات أكثر قسوة وهي مرحلة التلفظ بكلمات جارحة ربما تبكي كبير السن وتجعله يشعر بالندم عند سماعها. ولكن ولات حين مندم.

مصاحبة الأولاد والإختلاط بهم:

حتى أكثر الخطباء وللأسف الشديد تسمعه ينادي بأعلى صوته من على المنبر: أخرجوا هؤلاء الأولاد من القاعة. إنهم يشوشون أفكاري بتحدثهم إلى بعضهم. قلت لأحد الخطباء المحترمين وهوصديق قديم لي: هل أزعجك هؤلاء الأطفال وأنت  تلقي محاضرتك علينا فأجابني وقد إحولّت عيناه: بلا شك سيدنا. قلت أيها المحترم إن عدم مجالستك لهم قبل وبعد المجلس يدفهم إلى تلك التصرفات والتي ربما لم يخططوا لها مسبقا. إن من وسائل التأثيرعلى الأولاد هو أن تستمع إليهم وتشعرهم بأنك من المهتمين بشؤنهم وأحوالهم. كما أن مجالستهم والإختلاط بهم هو عامل آخر من عوامل التأثير الخفي الذي يؤتي أكلُه بإذن الله تعالى. إن أسلوب إفعل أو لاتفعل أسلوب منفر للأولاد. الفرق واضح بين وسائل المراقبين ورسائل المعلمين المربين.

المربي الناجح هو قدوة حسنة لتلاميذه وأولاده. الأسرة الناجحة الموفقة هي مدرسة معتبرة أستاذاها الأب والأم وتلاميذها هم الأولاد. في المدرسة يجلس المعلمون نهاية الأسبوع يتباحثون أمور الطلبة ويستعرضون أحدث السبل التربوية ويناقشونها ثم يأخذون بأحسنها من أجل الوصول إلى أعلى نقطة من مرتفع العلم والمعرفة والخلق الكريم.

كنت ولا زلت أكرر على السادة أولياء الأمور من مصاحبة الأولاد في المجالس وليس إلى المجالس. إن إظهار العطف والشفقة على الأطفال يجعلهم يشعرون أنك الكهف الحصين الذي يلتجأون إليه وقت الضيق والشدة. إن أيّ تقصير في هذا المجال يرجح كفة الإختلاط برفيق السوء فحذارِ أيها المحترم من عواقب ذلك. علينا أيها السادة أن نأخذ بأيديهم في المجلس ونشرح لهم ماعجزوا عن فهمه ولم يحيطوا به علما. ندربهم على آداب المجالس من حوار وإصغاء وإستماع ومن ثم ندربهم على التحدث والمشاركة في إبداء الرأي. إن الأستماع تارةً والتحاور مع الأولاد تارة أخرى يحّرك دفائن عقولهم ويقوي من الشعور بالثقة بالنفس، كما أن مصاحبة الأولاد في المجالس هو بمثابة حمايتهم من العادات الموروثة والتقاليد الموبوءة التي لم أجد لها أيّ أساس ديني أو أخلاقي مثل عدم السلام على الصغار وفي أغلب الأحيان تجاهل وجودهم أو إحتقارهم بل وطردهم من المجلس بشكل مهين من قبل بعض الكبار(الكبار سنّا).

يظن بعض السادة المحترمين أن بوسعهم زرق حقن الأخلاق الفاضلة وحقن الجلوس بأدب بالغ، بمجرد دخولهم المجلس بصحبة أولادهم. وفي البيت ليست هناك أية حقن وإنما أحد أمرين: الدلال أو الكبت أي إمّا إفراط أو تفريط. من خلال تجاربنا المتواضعة وجدنا أن الأطفال الذين يتلقون دروسا تربوية مدروسة في مدارسهم(أسرهم) يكونون زينة المجالس وكأنهم باقات ورود عطرة تتعطر بهم المجالس أينما جلسوا. فلماذا ياترى تلك الملاحظة المجحفة بحقهم:"الرجاء عدم إصطحاب الأولاد"!!

مجرد سؤال إلى مبتكر نظرية: ملاحظة: الرجاء عدم إصطحاب الأولاد؟

دمتم بخير وعافية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/27



كتابة تعليق لموضوع : إحتقار الأطفال في مجالس الرجال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2012/04/29 .

حناب الورع الرائع والأخ الفاضل ابو محمد الكربلائي دامت توفيقاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكر مروركم الكريم وتعليقكم الواعي الذي إستفدت منه كثيرا.
جزاكم الله وشكر سعيكم ووفقكم للمزيد من فعل الخيرات

تحياتنا ودعواتنا

محمد جعفر

• (2) - كتب : ابو محمد الكربلائي ، في 2012/04/28 .

المجالس الحسينية هي تغذية للطفل وتنشئته على السلوك القويم وحب ال البيت عليهم السلام الذي قال فيهم رب العزة " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى "
فيجب أن نتعلم كيفية زرع الشعائر الحسينية في قلوب أطفالنا، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليه المرجئة) فبادروا لتعليم وتربية أطفالكم قبل أن يصل إليهم ما لا نريده ولا نرضاه

احسنتم سيدنا الفاضل وجزاكم الله كل خير




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net