صفحة الكاتب : د . عباس عبد السَّادة شريف

العوامل المؤثرة في المتلقي لخطاب المرجعية الدينية في النجف الأشرف – دراسة في بلاغة الإقناع
د . عباس عبد السَّادة شريف

م. د. عبَّاس عبد السَّادة شريف – المديريَّة العامَّة لتربية ذي قار
الملخص
         يسعى البحث للوقوف على أهمِّ العوامل الَّتي تجعل من الخطاب الدِّينيِّ الرَّسميِّ مؤثرًا في المتلقي، بغية إبراز إيجابيَّات الخطاب المؤثر من جهة، والاستفادة من تأثيره، وعوامل تأثيره من جهةٍ ثانية.
 ولكي تكتسب الدِّراسة الجانب العلميَّ الأكثر دقَّةً فقد تكوَّن هذا البحث من ثلاثة مفاتيح رئيسة:
1.    اختيار خطاب المرجعيَّة الدِّينيَّة في النَّجف الأشرف بوصفها تمثِّل المرسل الرَّسميَّ لطائفة رئيسة من المسلمين، ويتعدَّى خطابها الحدود المكانيَّة، والبشريَّة ليصل لأكثر الشِّيعة في العالم، وقد يشمل ذلك الحدود الزمانيَّة.
2.    دراسة الخطاب في ضوء (بلاغة الإقناع) حيث البلاغة الجديدة الَّتي تقف على مقوِّمات الإقناع في الخطاب، وعوامل التَّأثير التي يمتلكها صاحب الخطاب، وتتميَّز بها لغة الخطاب، وأيضًا ما في المتلقي من صفاتٍ تجعله متفاعلًا مع الخطاب، أو نافرًا منه، وكيف يستثمر صاحب الخطاب هذه الصِّفات في بلورة خطابٍ أكثر تأثيرًا في المتلقي.
3.    تطبيق بلاغة الإقناع على خطابٍ مهمٍّ جدًا للسِّيد علي السِّيستانيُّ – دام ظله - في قضيَّةٍ ذات أهميَّة كبيرة، وتشغل كثيرًا من مواطن التفكير، وهي قضية القتال مع الآخر، والحدود الأخلاقيَّة لذلك القتال في حال كونه أمرًا لا بدَّ منه، فأصدر السِّيد السِّيستانيُّ - دام ظلُّه – وصاياه للمقاتلين الَّذين لبُّوا فتواه في الدِّفاع الكفائيِّ عن الأرض والمقدَّسات ضدَّ عصابات داعش. فاختار الباحث هذه الوصايا ميدانًا للدِّراسة.


(( The Influencing factors of the recipient of the religious Marjeyah discourse in Najaf Ashraf ))
- A study in the rhetoric of persuasion-
Dr. Abbas Eabd Alsaada Sharif - General Directorate of Education of Dhi-Qar
Abstract
    The research seeks to identify the most important factors that make the official religious discourse influential in the recipient. In order to highlight the pros of the influential discourse on the one hand, and to Utilization of its impact, and the factors of its impact on the other hand, In order to the study to meet the exact scientific aspect, this research consisted of three basis : 
1-    Choosing a discourse of  the religious Marjeyah  in Najaf Ashraf – Religious leadership-, As it represents the official dispatcher of a sect of Muslims and Its discourse transcends spatial and human boundaries - this may include time limits-  to reach to the most Shiite in the world.
2-    A study of discourse in the light of (rhetoric of persuasion), the new rhetoric that stands on the elements of persuasion in discourse. And the influence factors of the dispatcher  of the discourse, that characterizes the language of discourse, In addition to the characteristics of the recipient that make him interact with the speech or vice versa, And how does the dispatcher  of the discourse take advantage of these characteristics to crystallize a discourse with a greater impact on the recipient
3-    Applying the rhetoric of persuasion to a very important discourse of Sayyid Ali al-Sistani - God protect him - on a very important  intellectual issue, The struggle with the other, And the moral limits of that conflict, if it is inevitable, Sayyid Al-Sistani - God protect him - issued testaments to the Mujahideen - ideological fighters- who responded to the Fatwa – Religious opinion- of the holy defense- non-public defense- to protect the land and sanctities against -ISIS gangs-. 
 The researcher chose these recommendations as a sample for his study.
المقدِّمة
    الحمد لله، وصلى الله – تعالى – على رسوله محمَّدٍ وآله الأطهار.. 
          أمَّا بعد فهذا بحث يتناول خطابًا دينيَّا يحمل أبعادًا إنسانيَّةً، وأخلاقًا إلهيَّةً أصيلةً، وقد درسناه في بلاغة الإقناع كي نبرِّز أهمَّ معالم الإقناع في لغته، وأسلوبه، ومضامينه، وسياقاته الخارجيَّة، وهو متوزِّعٌ على موضوعين رئيسين، وثالث ضمنيٌّ يتمثَّل الرئيسان بالعوامل المتعلِّقة بالمرسل، والعوامل المتعلِّقة بالخطاب، أمَّا الثَّالث الضِّمنيُّ فهو العوامل المتعلِّقة بالمتلقي، وهي مستنبطةٌ من الموضوعين الرَّئيسين حيث تقوم عوامل المرسل والخطاب على وجود عوامل المتلقي، وإدراك المرسل إيَّاها.
أولًا: العوامل المتعلقة بالمرسل:  
             كي يكون المرسل ذا خطابٍ مقنعٍ، فينبغي أن يكون شخصه مقبولًا عند المتلقي أثناء عمليَّة إلقاء الخطاب،( ) وقبل إلقائه. أي أنَّ تلقي الخطاب بصورة إيجابيَّة يعتمد على عنصر الثقة بين المتلقي والمرسل، وهو عنصرٌ خارج الاستدلال لكنَّه مؤثر فيه( ).
ويمتلك كلُّ مخاطبٍ مجموعة من القيم الَّتي تؤثر فيه، وينعكس تأثيرها في خطابه( )، وتعرف هذه القيم بالكفايات، وهي: "مجموع الإمكانات اللغويَّة، ومجوع ما يسمح للمتكلِّم بالإنتاج"( )، ولا تقتصر الكفايات على الجانب اللُّغوي حسب، بل ثمة كفايات نفسيَّة، وثقافيَّة، وتداوليَّة( )، فهي " قدرات مكتسبة تسمح بالسلوك والعمل في سياق معين, ويتكون محتواها من معارف، ومهارات، وقدرات، واتجاهات مندمجة بشكل مركب. كما يقوم الفرد الذي اكتسبها بإثارتها، وتجنيدها، وتوظيفها، قصد مواجهة مشكلة، ما وحلِّها في وضعية محددة"( ). ويمكننا أن نوجز العوامل التي تشكِّل الشخصيَّة المؤثرة للمرسل استنادًا لكفاياته في النقاط الآتية:
1.    المكانة الاجتماعيَّة 
           تمثِّل المكانة الاجتماعيَّة لصاحب الخطاب عاملًا مهمَّا في تبريز خطابه، وانسياق قدرٍ من المتلقين للأخذ به، وتلبيَّة رسالته. ولا يخفى ما لموقع المرجعيَّة الدِّينيَّة من مكانة في قلوب النَّاس، وتأثيرٍ في توجيههم، وبلورة سلوكيَّاتهم العامَّة، فـ" إنَّ مكمن القوَّة في المذهب الإماميِّ هو في التفاف الشِّيعة الإماميَّة حول موقع المرجعيَّة، إذ لا توجد قيادة إسلاميَّة نافذة القوَّة في الملايين من المسلمين إلَّا قيادة المرجعيَّة في صفوف الشِّيعة الإماميَّة حيث إنَّ لكلمتها في الأمر، والنَّهي الموقع الأوَّل في التَّأثير"( )، ويعتمد موقع المرجعيَّة في تأثيره على إحاطة المرجع بمعارف أهل البيت – عليهم السَّلام – والتَّقوى التَّي يتحلَّى بها متبوِّيء هذا الموقع الإلهيِّ( ). 
ولو تأمَّلنا خطاب السِّيِّد السّيِستاني في وصاياه للمقاتلين لوجدنا إحاطة تامَّة بما بلغنا من معارف أخلاقيَّة عن أهل البيت – عليهم السَّلام – واحتياطًا في الدِّين حتَّى في قتال العدو، فنجده يوصي المقاتلين بعدم الاعتداء، وضبط النَّفس، وحفظ الحرمات، ويشير في الوصيَّة الثَّانية إلى آداب القتال مستشهدًا بما أثر عنهم – عليهم السَّلام – من وصايا( ). ونجد تقواه وحرصه على النُّفوس، والحرمات في قوله: " فالله الله في النفوس، فلا يُستحلّن التعرّض لها بغير ما أحلّه الله تعالى في حال من الأحوال، فما أعظم الخطيئة في قتل النُّفوس البريئة، وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها"( ).
2.    السِّيرة الحسنة للمخاطِب: 
        لا يخفى ما لصفات صاحب الخطاب، وسيرته من أثرٍ في نفس متلقيه، يقول أرسطو: "ولابدَّ للخطيب أن يتحلَّى بثلاث خصالٍ كي يحدث الإقناع، لأنَّه بصرف النَّظر عن البراهين، فإنَّ الأمور الَّتي تؤدِّي إلى الاعتقاد ثلاثة. وهذه الخصال هي: اللُّبُّ والفضيلة والبر؛ لأن الخطباء إنما يخطئون بينما يقولون وفي النَّصيحة التي يسدونها إذا فقدوا هذه الخصال الثلاث كلَّها أو واحدة منها، فإنهم إذا فقدوا اللبَّ كانت ظنونهم فاسدةً وآراؤهم غير سديدةٍ، وإذا كانت آراؤهم صحيحةً، فإنَّ شرارتهم تحملهم على ألَّا يقولوا ما يعتقدون، أو إذا كانوا ذوي لبٍ وخير، فإنَّه قد يعوزهم البر(حب الخير)، ومن هنا فقد يحدث ألَّا يسدوا خير النَّصائح، رغم أنَّهم يعرفونها. وهذه الخصال هي كلُّ الخصال الضَّروريَّة، حتَّى إنَّ الخطيب الَّذي يبدو أنَّه يملك هذه الخصال الثلاث سيقنع سامعيه لا محالة"( )، وقد تميَّز السَّيِّد – دام ظلُّه – بصفاتٍ تجسِّد هذه الخصال الثلاث، جعلت منه ذا خطابٍ مؤثرٍ في ملايين من متبِّعيه، وننقل ما قاله فيه أحد المدونين من معتنقي المذهب السُّنيِّ : " الحقيقة إنَّ السَّيِّد السِّيستانيَّ رجلٌ عظيم القدر، مهيب الطَّلعة، جليل المكانة، سمح الملامح"( ) ومن صفاته الَّتي وصفها معاشروه:
أ‌.    " الإنصاف واحترام الرَّأي"( ): ونلمس هذا الإنصاف في خطابه المدروس حيث يوصي المقاتلين بإنصاف الخصم قائلًا: " الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنِّساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم، فإنّه لا تحلُّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم."( ) بالرغم من شدَّة بطش العدو وإجرامه، وانتهاكه الحرمات جميعًا لكننا نجد السَّيِّد المرجع – دام ظلُّه – يوصي بإنصاف ذويهم، وعدم التَّعدي على حرماتهم. وبلغ به الإنصاف أن لا يخرج العدو من الدِّين بسلاح التَّكفير الّذي بات أداة لتسقيط الخصوم، ولو قال بكفر (الدَّواعش) لا يلومه أحدٌ، لكنَّه يبدي موقفًا فقهيَّاً منصفًا غير مكترثٍ للتجييش العاطفيِّ، وفوران المشاعر، فنصَّ في الوصية السَّادسة على: " الله الله في اتِّهام النَّاس في دينهم نكاية بهم واستباحة ً لحرماتهم، كما وقع فيه الخوارج في العصر الأوَّل، وتبعه في هذا العصر قومٌ من غير أهل الفقه في الدِّين، تأثُّرًا بمزاجيَّاتهم وأهوائهم، وبرّروه ببعض النُّصوص الَّتي تشابهت عليهم، فعظم ابتلاء المسلمين بهم. واعلموا أنّ من شهد الشَّهادتين كان مسلمًا يُعصم دمُه ومالُه وإن وقع في بعض الضَّلالة، وارتكب بعض البدعة، فما كلّ ضلالةٍ بالتي توجب الكفر، ولا كلّ بدعةٍ تؤدِّي إلى نفي صفة الاسلام عن صاحبها، وربما استوجب المرء القتل بفسادٍ، أو قصاصٍ وكان مسلمًا"( ). وقال أيضًا - منصفًا إنصافًا قلَّ نظيره - : "  واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشُّبهة بتضليل آخرين، فلا تعينوا هؤلاء المضلِّين بما يوجب قوَّة الشُّبهة في أذهان النَّاس حتَّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرُّفكم ونصحكم وأخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنب الظُّلم والإساءة والعدوان، فإنَّ من درأ شبهةً عن ذهن امرئٍ فكأنَّه أحياه، ومن أوقع امرئًا في شبهةٍ من غير عذر فكأنَّه قتله."( ).
وتعدَّى هذا لإنصاف غير المسلمين في الوصية السَّابعة حيث يقول: " وإيَّاكم والتَّعرُّض لغير المسلمين أيّاً كان دينه، ومذهبه فإنَّهم في كنف المسلمين وأمانهم، فمن تعرَّض لحرماتهم كان خائنًا غادرًا، وإنَّ الخيانة والغدر لهي أقبح الأفعال في قضاء الفطرة ودين الله سبحانه"( )
ب. " الأدب في الحوار"( ): وهو من أهمِّ مباديء الحوار الَّتي ورد الحثُّ عليها في الشريعة المقدَّسة( )، وتجلَّى أدبه مع متلقيه في الوصايا موضع الدِّراسة بالكلمات المحبَّبة التي يصف بها المقاتلين المعنيين بالخطاب، فبالرَّغم من أنَّه مرجعٌ في موقع القيادة، ويوجِّه خطابه لمقاتلين استجابوا لفتواه، وهو لهم بمنزلة القائد، لكنَّنا نجده يتخلَّى عن لغة التَّسلٌّط والفوقيَّة في الخطاب، ويكلِّمهم بلغة الأب الرؤوف قائلًا: " فليعلم المقاتلون الأعزّة الذين وفّقهم الله عزّ وجلّ للحضور في ساحات الجهاد وجبهات القتال مع المعتدين..."( )، فنلمح العاطفة الأبويَّة المعتدلة في هذا الخطاب، إذ يقوم على ثلاث ركائز، الأولى: وصف المقاتلين المرسلين بالأعزَّة، متقرِّبًا إليهم بهذا الوصف الرَّقيق المحبَّب، والثَّانية: التَّأكيد على أنَّهم موفَّقون في حضورهم ساحات الجهاد، وفي هذا تشجيعٌ لهم، وحثٌّ ضمنيٌّ على الحفاظ على توفيقهم. والثَّالثة: ذكر الحقيقة الجليَّة في وصف خصمهم بالمعتدين ليعزِّز موقفهم الجهاديَّ، ويهيِّئهم لتلقي الوصايا الَّتي تلت هذه المقدِّمة. فالاحترام الذَّي أبداه سماحته لمتلقي خطابه من تحبيب، وذكر توفيقهم، وتقليل شأن عدوهم حالة من أدب الحوار في الخطاب حريَّةٌ بالتَّأمُّل. وإذا كانت التَّداوليَّة تقوم على ثلاثة أركان هي، المرسل، والمتلقي، والوضعية التَّبليغيَّة( )، فإنَّنا نجد الكفاية التَّداوليَّة في هذا المقطع من الخطاب حيث حضور المرسل بوصفه موجِّهًا، والمتلقي المقصود بالتَّوجيه، والوضعيَّة التَّبليغيَّة القائمة على التَّقرُّب للمتلقي بجميل الكلمات، ووضع خصمه في موضعه الدَّقيق، والتمهيد للنصائح بهذه المقدِّمة.
ج. " البصيرة وبعد النَّظر"( ): إنَّ المتأمِّل في خطابات السِّيِّد السِّيستانيَّ، ومواقفه يلمح بصيرته النَّافذة، وبعد نظره في استشراف المواقف، ولأنَّنا في بحث علميٍّ سنكتفي في الاستدلال على هذا الملمح من الخطاب الَّذي ندرسه في هذه الصَّفحات، فالوصايا الَّتي سطَّرها ذهنه الوقَّاد تنبيء بنظرةٍ فاحصة للمستقبل مبنيَّةٍ على بصيرة كبيرة، فهو يجسِّد أسمى صور الإنسانيَّة في هذه الوصايا الثَّمينة، مدركًا أنَّ المعركة ليست معركة سلاحٍ حسب، وإنَّما هي معركة فكرٍ، وصورة دينٍ ومذهبٍ أمام أنظار العالم، وإنَّ معركةً إعلاميَّة لتشويه الوجه المشرق لمعركة الإرهاب تخوض غمارها جهاتٌ عدَّة أثناء المعركة وبعدها، فجاءت نصائحه صورةً زاهرةً للإسلام الأصيل، وخلق المذهب الكريم. ونجده يحذِّر من مغبَّة بعض الممارسات المرفوضة، وأثرها في الدُّنيا والآخرة في نقله قول أمير المؤمنين – عليه السَّلام – في عهده لمالك الأشتر: " فلا تقويّن سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لانّ فيه قود البدن"( )، وقوله: " ولا يظنّن أحدٌ أنَّ في الجور علاجًا لما لا يتعالج بالعدل، فإنّ ذلك ينشأُ عن ملاحظة بعض الوقائع بنظرةٍ عاجلةٍ إليها من غير انتباهٍ إلى عواقب الأمور، ونتائجها في المدى المتوسِّط والبعيد، ولا اطّلاعٍ على سنن الحياة وتاريخ الأمم، حيث ينبِّه ذلك على عظيم ما يخلِّفه الظُّلم من شحنٍ للنُّفوس ومشاعر العداء ممَّا يهدُّ المجتمع هدّاً، وقد ورد في الأثر: (أنّ من ضاق به العدل فإنّ الظلم به أضيق)، وفي أحداث التاريخ المعاصر عبرةٌ للمتأمل فيها، حيث نهج بعض الحكّام ظلم النَّاس تثبيتًا لدعائم ملكهم، واضطهدوا مئات الآلاف من الناس، فأتاهم الله سبحانه من حيث لم يحتسبوا حتّى كأنّهم أزالوا ملكهم بأيديهم "( )، وفي الوصيَّة الثالثة عشرة يقول: " ولئن كان في بعض التثبّت وضبط النَّفس وإتمام الحجّة - رعاية للموازين والقيم النبيلة - بعض الخسارة العاجلة أحيانًا فإنّه أكثر بركة وأحمد عاقبة وأرجى نتاجًا"( ).
3. استراتيجيَّات المرسل العاطفيَّة:
          " تعتمد العملية الإقناعية على منشيء الخطاب، وحذاقته في التعامل مع الوسائل والأساليب المقنعة التي تؤثر في نفس المتلقي"( ), فثمَّة استراتيجيَّات يمتلكها المرسل، ويحسن توظيفها في خطابه لإثارة المتلقي وتحفيزه عاطفيَّاً نحو مضمون الخطاب، فـ" إنَّا نتكلم عامّة بقصد التأثير"( )، والعاطفة عنصرٌ فاعلٌ في استجابة متلقي الخطاب، فهي " تنظيمٌ وجدانيٌّ ثابتٌ نسبيَّاً، ومركبٌ من عدَّة استعداداتٍ انفعاليَّةٍ تدور حول موضوع معيَّنٍ قد يكون شيئاً أو شخصاً أو جماعة أو فكرة"( )، ومن الاستراتيجيَّات التي وجدها البحث بعد استقراء الخطاب المدروس، وتحليله ما يأتي:
أ‌.    سلطة النَّصِّ المقدَّس: 
       يمثِّل النَّصُّ المقدَّس المتمثِّل بالقرآن الكريم وأحاديث النبي محمَّدٍ والأئمة المعصومين من أهل بيته – عليهم صلوات الله جميعًا - سلطةً عليا في مساحة التَّلقي الشِّيعي الَّذي وجَّهت المرجعيَّة الدِّينيَّة خطابها إليه بالدَّرجة الأساس، ومن المتَّفق عليه أنَّ النِّسبة الغالبة من المتلقِّين يخضعون لمضامين النَّصِّ المقدَّس، ويستجيبون لمطالبها، ولا سيَّما المقاتلين في ساحات الجهاد، "فالنَّصُّ ليس مجرَّد كلماتٍ فقط، وإنَّما يعلو ويتعالى ليحلَّ في الإله نفسه، دور الكلمة يتقدَّس؛ لأنَّ الله يتقدَّس..."( )، ومن سلطة القرآن الكريم يستمدُّ الحديث الشَّريف سلطته بوصفه المبيِّن للقرآن الكريم، والمبلِّغ تفاصيله( ).
 وقد كان السَّيِّد السِّيستانيُّ ملتفتًا لهذا العامل في متلقي خطابه، فوظَّف نصوصًا من القرآن الكريم، وأحاديث أهل البيت – عليهم السَّلام – في وصاياه العشرين فلم تخلُ أغلبها من وصيَّةٌ من نصٍّ مقدَّسٍ أو أكثر يؤكِّد مضمونها، ويحثُّ على تطبيقه، وسنقف على شواهد من ذلك:
فمن توظيف القرآن الكريم قوله - في الوصية الثامنة عشرة - : "وإيّاكم والتسرّع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، فإنّ أكثر ما يراهن عليه عدوّكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير تروٍّ واندفاعكم من غير تحوّط ومهنيّة، واهتموا بتنظيم صفوفكم والتنسيق بين خطواتكم، ولا تتعجّلوا في خطوة ٍ قبل إنضاجها وإحكامها وتوفير ادواتها و مقتضياتها وضمان الثبات عليها والتمسك بنتائجها، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)..."( )
في هذه الوصيَّة توجيهٌ لتنظيم خطط القتال، والرَّويَّة في المواجهة، وهي تتضمَّن شفقة عليهم، وخشيةً على أرواحهم، وقد يظنُّ ظانٌّ تحت ضغط الاندفاع، وهيجان العاطفة أنَّ هذه الوصيَّة من وحي العاطفة الشَّديدة، والحرص عليهم، وأنَّ القتال الشَّديد يتطلَّب اقتحام المخاطر من دون ميلٍ للعاطفة، فقد يدفعه هذا التَّفكير لعدم الالتفات للوصيَّة، لكنَّه عندما يجدها معضودةً بآيةٍ من كتاب الله العزيز يلتفت إلى أهميَّة هذا المضمون، ويدرك أنَّه ليس شعورًا عاطفيَّاً حسب، وإنَّما هي رؤيَّة من صميم التَّنظيم في طريق النَّصر.
ويدعو إلى انتهاج سبيل النَّبيِّ وآله في سلوكيَّات الحرب قائلًا: " واحرصوا أعانكم الله على أن تعملوا بخُلُق النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسلم جميعاً"( ) فهذه دعوة للعمل بخلق النَّبيِّ وآله في السِّلم والحرب، وهي تحمل من التَّأثير في المتلقي بما لهم – صلوات الله عليهم  - من المودَّة، والاستعداد للطَّاعة في قلبه. ويؤكِّد ضرورة طاعتهم بالتَّذكير بقول أمير المؤمنين – عليه السَّلام - : " انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لَبدُوا فالبدُوا، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا "( ).
ولم يكتفِ بالاستشهاد بالأقوال بل استشهد بالأفعال أيضًا فهي صورةٌ من صور السُّنَّة الشَّريفة، وقد يكون الفعل اكثر تأثيرًا من القول، فنجده يأتي بما صنعه أمير المؤمنين – عليهم السَّلام – بعد واقعة الجمل شاهدًا على حرمة التَّعدي على حرمات من نكره لمجرد كونه مكروهًا، أو لإثارة غضب تصدر من أحد ذويه، أو من غير المقاتلين من الأعداء، فقال: " ....وقد ورد أنه (عليه السلام) في حرب الجمل - وقد انتهت - وصل إلى دار عظيمة فاستفتح ففُتحت له، فإذا هو بنساءٍ يبكين بفناء الدار، فلمّا نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن هذا قاتل الأحبّة، فلم يقل شيئاً، وقال بعد ذلك لبعض من كان معه مشيراً إلى حجرات كان فيها بعض رؤوس من حاربه وحرّض عليه كمروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير: (لو قتلت الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة" (( ).
وفي الحثِّ على العبادة، وذكر الله – تعالى – وأنَّها لا يُستغنى عنها حتَى في الحرب، يستشهد بفعل الإمام عليٍّ – عليه السَّلام –ليلة الهرير في صفِّين، حيث قوله – دام ظلُّه - : " واستعينوا على أنفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم اليه، كما كان عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ورد أنه بلغ من محافظته على وِرده أنه يُبسط له نطعٌ بين الصفين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً  فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته"( ). فهذا عليٌّ – عليه السَّلام – الحجَّة في الشَّجاعة، في مواقف القتال لا يترك عبادته.
ونلحظ أنَّ الوصايا العشرين موضع الدِّراسة قد غلب عليها الاستشهاد بأقوال الإمام عليٍّ – عليه السَّلام – وأفعاله أكثر من غيره، فقد ورد الاستشهاد به في أربع عشرة وصيَّة منها أي ما يعادل 70% من الوصايا، وخلت خمس وصايا من الاستشهاد بالنُّصوص المقدَّسة، وتضمنَّت واحدةُ حديثًا نبويَّاً شريفًا، ولم يورد فيها قولًا للإمام عليٍّ – عليه السَّلام – واستشهد بأقوال الإمامين الصَّادق والباقر – عليهما السَّلام – مرَّةً واحدًا لكلٍ منهما، وموقف الإمام الحسين – عليه السَّلام – في كربلاء في موضع واحدٍ، ويمكن أن نعلِّل هذا بسببين:
الأوَّل: إنَّ الإمام عليَّاً – عليه السَّلام – أكثر المعصومين موقفًا في القتال لما خاضه من حروبٍ، ووردٍ في تراثه من مواقف، وأقوالٍ في هذا المجال، وهو رمز الشَّجاعة في مخيال المتلقي، فناسب كثرة الاستشهاد به – عليه السَّلام – مقام الخطاب حيث الوصيَّة للمقاتلين في ساحات الحرب، وأكثر ما يثير عاطفتهم نحو التلقي الإيجابيِّ ذكر الإمام عليٍّ – عليه السَّلام – بوصفه رمزًا للبطولة، والشَّجاعة، والمواقف المثاليَّة في الحروب، وكثرة الشَّواهد منه على ذلك.
الثَّاني: إنَّ أكثر مصدرين للنَّصِّ المقدَّس يتعلَّق بهما أكثر المتلقِّين عل اختلاف مستوياتهم الثَّقافيَّة هما القرآن الكريم ونهج البلاغة، فجاء الاستشهاد بهما أكثر من غيرهما؛ لأنَّهما كثيرا الحضور في حياة الغالبيَّة من متلقي هذه الوصايا.


ب‌.    التَّرغيب والتَّرهيب: 
       التَّرغيب والتَّرهيب أسلوبان تربويَّان إجرائيَّان يوظِّفهما المرسل في خطابه لتحقيق مقاصد تربويَّة، فهما يؤثِّران في المتلقي بإثارة الطَّمع والخوف فيه( )، ويؤدِّيان وظيفة إقناعية( )، ويشير علماء النَّفس إلى أثر المكافاة في المتلقي، وكيف يوجِّه ترغيبه أو ترهيبه في الأمر إلى الاستجابة لمضمونه، حيث يثير ذلك فيه الدَّافعيَّة للاستجابة( )، والدَّافعيَّة " دافع يُشعر الفرد بغايته وهدفه وهي تعمل على هدف يرضي حاجة الإنسان... فهي سلوك وتواصل مباشر تجاه هدف ما"( )، والتَّرغيب أسلوبٌ يحبِّب المتلقي بالهدف المراد تطبيقه في رِسالة  المرسل، أمَّا التَّرهيب فيراد به دفع المتلقي عن غرضٍ ما تنهاه رسالة المرسل عنه، فهو " أسلوب يدخل في العملية الإقناعية بحدود ومقادير دقيقة من أجل ردع النفس عن الرذائل والشر، ودفعها عما لا ينفعها، والترهيب عنصر مكمل للترغيب في كثير من الأحوال التي يكون فيها الإنسان راغباً في شيء محمود فيه مصلحته"( ).
وقد وظَّف السِّيِّد السّيِستانيُّ – دام ظلُّه – هذين الأسلوبين في خطابه للمقاتلين بوصاياه العشرين، وقد توزَّعت بعض مفاصل الخطاب فيها بين التَّرغيب والتَّرهيب بغية إثارة المتلقي عاطفيَّاً ومن ثمَّ تقريبه نفسيَّاً من الاستجابة، من ذلك قوله في الوصيَّة الأولى: " أنّ الله سبحانه وتعالى - كما ندب إلى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامةً من دعائم الدين وفضّل المجاهدين على القاعدين - فإنّه عزّ اسمه جعل له حدوداً وآداباً أوجبتها الحكمة واقتضتها الفطرة، يلزم تفقهها ومراعاتها، فمن رعاها حق رعايتها أوجب له ما قدّره من فضله وسنّه من بركاته، ومن أخلّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله "( )، نجد في هذه الوصيَّة موضعين للترغيب أحدهما ضمنيٌّ والآخر صريحٌ، أمَّا الضِّمنيُّ فهو إشارته إلى فضل المجاهدين على القاعدين وذكر دعوة الله إليه، وندبه، فنجد فيه إشارةً لترغيب المقاتلين بما هم فيه من قتال وجهاد. والصَّريح واضحٌ في قوله: " فمن رعاها حق رعايتها أوجب له ما قدّره من فضله وسنّه من بركاته" فهو ترغيبٌ برعاية آداب الجهاد. أمَّا التَّرهيب فجعله لمن يخالف آداب الجهاد، وذلك في قوله: " ومن أخلّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله"، وهو في هذا يعطي رسالة مهمَّة بأنَّ ليس كلُّ من حضر ساحات الجهاد ذا أجرٍ عظيم، فمنهم من يحبط جهاده بالإخلال بآداب الجهاد وشروطه.
 وللتَّرهيب من التَّعدي على النُّفوس البريئة يقول – دام ظلُّه - : " وإنّ لقتل النفس البريئة آثاراً خطيرة في هذه الحياة وما بعدها "( ).
وفي قوله: " ولئن كان في بعض التثبّت وضبط النفس وإتمام الحجّة - رعاية للموازين والقيم النبيلة - بعض الخسارة العاجلة أحياناً فإنّه أكثر بركة وأحمد عاقبة وأرجى نتاجاً"( ) ترغيبٌ بالتَّثبُّت وضبط النَّفس، ورعاية القيم النَّبيلة، وعدم الاكتراث بالخوف من خسارة يسبِّبها هذا الالتزام بالموازين.
ويرغِّب بالتَّفقُّه بالدِّين، وآداب كلِّ فريضةٍ جاعلًا ذلك سببًا لظهور البركات على المسلمين في قوله: " ولو تفقّه أهل الإسلام وعملوا بتعاليمه لظهرت لهم البركات وعمّ ضياؤها في الآفاق"( ).
وفي الوصية الأخيرة نلمح التَّرهيب دافعًا مهمَّا لدرء الفتن، وترك الخوض في النِّزاعات بين المؤمنين، حيث يقول: " وعلى الجميع أن يدعوا العصبيات الذميمة ويتمسّكوا بمكارم الأخلاق، فإنّ الله جعل الناس أقواماً وشعوباً ليتعارفوا ويتبادلوا المنافع ويكون بعضهم عوناً للبعض الآخر، فلا تغلبنّكم الأفكار الضيقة والانانيات الشخصيّة، وقد علمتم ما حلّ بكم وبعامّة المسلمين في سائر بلادهم حتّى أصبحت طاقاتهم وقواهم، وأموالهم، وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم لبعض، بدلاً من استثمارها في مجال تطوير العلوم واستنماء النعم وصلاح أحوال الناس. فاتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة، أمّا وقد وقعت الفتنة فحاولوا إطفاءها وتجنّبوا إذكاءها واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، واعلموا أنّ الله إن يعلم  في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم، إنّ الله على كلّ شيء ٍ قدير "( ).
ج. استثارة العاطفة:
         يستعمل المرسل في خطابه ألفاظًا، أو عباراتٍ، أو مواقف تحمل شحنًا عاطفيَّاً يؤثر في نفس المتلقي، ويتستثير مشاعره، وقد مضى الحديث عن أثر كلمة (الأعزَّة) في نفس المتلقي، ومن ذلك استعمال كلمة (النُّفوس البريئة) في قوله: " فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها"( ) فإنَّ فيها شحنًا عاطفيَّاً كبيرًا يستشعره المتأمِّل في الخطاب، وتأخذه كلمة البريئة إلى ما توحي به من العطف، والرَّحمة فيتأثَّر القلب لذلك، ويخضع لرسالة الوصيَّة الَّتي تطلب عدم الاعتداء على الأبرياء.
وفي الوصية الثَّامنة يتحدَّث عن حرمة المال، ويوصي بحفظ أملاك النَّاس، وعدم التَّعدي عليها، ونجده يوظِّف آيةً قرآنيَّة تحذِّر من أكل مال اليتيم، وبالرَّغم من أنَّ الوصية ليست في الأيتام وإنَّما عامَّة تشمل كلَّ ذي حقٍ لا يجوز التَّعدي عليه، فيقول في الوصيَّة: " الله الله في أموال الناس، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره إلاّ بطيب نفسه ، فمن استولى على مال غيـره غصـباً فإنّما حاز قطـعة من قطـع النيران، وقد قال الله سبحانه : (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)"( ) إنَّ ذكر الآية العاشرة من سورة النِّساء الَّتي تحذِّر من أكل مال اليتيم في هذا السِّياق فيها إثارة عاطفيَّة حريَّةً بالتَّأمُّل، فمتلقي الخطاب عندما يجد نفسه أمام نهي عن التَّعدِّي على الأموال، ومن ثمَّ تأتي آية شريفة في النَّهي عن أكل مال اليتيم يتبادر إلى ذهنه أنَّ غصب المال الحرام يشبه أكل مال اليتيم، وجزاؤه الجزاء نفسه، فيشعر أنَّه بفعل التَّعدي لا يختلف عن آكل مال اليتيم، ولا يخفى ما لهذا الفعل من أثر سلبيٍّ في نفوسنا عندما نستمع لهوله، وكثيرٌ من النَّاس قد يجرؤ على الحرام، لكنَّه يخشى مال اليتيم. وهذا التَّأثير في النَّفس يقود للتأثير في العقل، فتأثر العاطفة يؤثِّر في العقل( ).
وهنالك" ملفوظات لا تحتوي على ألفاظ العاطفة، ولكنها موجهة نحو عاطفة معينة... فهناك وجود مواضيع مثيرة في حد ذاتها يكفي ان يستحضرها الخطيب حتى يثير في السامع العاطفة التي يريد أن يثيرها فيه"( )، وفي ذيل الوصيَّة التَّاسعة يذكر المرجع – دام ظلُّه –  موقفًا لأصحاب أمير المؤمنين – عليه السَّلام – يثير في المتلقي دافعيَّة الطَّاعة تأثُّرًا بهذا الموقف، فقد ورد في الوصيَّة: " كما ورد أنَّه (عليه السلام) قال في كلام له وقد سمع قوماً من أصحابه كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق يسبّون أهل الشام أيّام حربهم بصفين: (إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم (اللهم احقن دماءنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله  ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به) فقالوا له يا أمير المؤمنين: نقبل عِظتك ونتأدّب بأدبك."( ) وكان الممكن أن يكتفي بنصيحة أمير المؤمنين – عليه السَّلام – وهو ما يقتضيه سياق الحال ظاهرًا، ولكن ذكر هذا الجواب يثير في المتلقي العاطفة نحو الاقتداء بموقف هؤلاء الأصحاب.
وفي الوصية الحادية عشرة يعقد مقابلةً بين إذلال المغرَّر بهم، وهدايتهم، ويسمِّي الأعداء بالمضلِّين، داعيًا المجاهدين إلى كسب من وقع في الشُّبهة، وإخراجه من الظُّلمات إلى النُّور، ومن الواضح اثر عبارة (المضلِّين) في النَّفس، وتأثيرها في التَّوجُّه نحو هداية من ضللُّوه، وأخرجوه من دائرة الحقِّ، فيقول – موظِّفًا أقولًا ومواقف من سيرة المعصومين – عليهم السَّلام -: " واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشبهة بتضليل آخرين، فلا تعينوا هؤلاء المضلّين بما يوجب قوّة الشبهة في أذهان الناس حتّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرّفكم ونصحكم واخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنب الظلم والإساءة والعدوان، فإنّ من درأ شبهة عن ذهن امرئ فكأنّه أحياه، ومن أوقع امرئ في شبهة من غير عذر فكأنه قتله.
   ولقد كان من سيرة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عنايتهم برفع الشبهة عمّن يقاتلهم، حتّى إذا لم تُرج الاستجابة منهم، معذرة منهم إلى الله، وتربيةً للأمة ورعايةً لعواقب الأمور، ودفعاً للضغائن لاسيّما من الأجيال اللاحقة، وقد جاء في بعض الحديث عن الصادق ( عليه السلام ) أنّ الامام عليّاً ( عليه السلام ) في يوم البصرة لما صلا الخيول قال لأصحابه : ( لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم ، فقام اليهم، فقال : يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورة في الحكم؟  قالوا : لا ، قال : فحيفاً في قسم ؟ قالوا : لا . قال : فرغبة في دنيا أصبتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي ؟  قالوا : لا ، قال فاقمت  فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا : لا ). وعلى مثل ذلك جرى الإمام الحسين (عليه السلام) في وقعة كربلاء، فكان معنيّاً بتوضيح الأمور ورفع الشبهات حتّى يحيا من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بيّنة، بل لا تجوز محاربة قوم في الإسلام أيّاً كانوا من دون إتمام الحجّة عليهم ورفع شبهة التعسّف والحيف بما أمكن من أذهانهم كما أكّدت على ذلك نصوص الكتاب والسنة". ( ).
وإذا كان اللَّفظ يفترض مستمعًا يريد المتكلِّم التَّأثير فيه، وإثارة عاطفته نحو الهدف المطلوب( ) فإنَّ لألفاظ تصحيح الرِّوايات الشَّريفة عند الاستشهاد بها أثرًا في المتلقي، ولا سيَّما في هذا الزَّمن حيث كثرة التَّشكيك بالأخبار، وتوجس كثيرٌ من المتلقين من الرَّواية الَّتي تأتيهم، وسعيهم للتَّأكُّد منها قبل العمل بها، ونجد السَّيِّد – دام ظلُّه – يوظف كلمة (صحَّ) في وصف الرِّواية ليجعلها وسيلة مؤثِّرة في المتلقي بغية إقناعه بمضمون الوصيَّة الثَّانية، فيقول: " فللجهاد آدابٌ عامّة لابدّ من مراعاتها حتى مع غير المسلمين، وقد كان النبيّ - صلّى الله عليه وآله - يوصي بها أصحابه قبل أن يبعثهم إلى القتال، فقد صـحّ عن الإمام الصادق - عليه السلام - أنّه قال : ( كان رسول الله – صلّى الله عليه وآله -  إذا أراد أن يبعث بسريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها("( )، فالوصيَّة تتحدَّث عن آداب الجهاد، والأخلاق الَّتي ينبغي أن يتحلَّى بها المجاهد، وقد يكون بعض المقاتلين مندفعًا في فورة غضبٍ من العدو، والعاطفة تطغى عليه، فلا يستسيغ هكذا وصيَّة، وعندما يواجه برواية عن أهل البيت – عليهم السَّلام – يعيش صراعًا بين الخشية من ترك العمل بها، ومرارة الصَّبر وضبط النَّفس الَّتي يصعب السَّيطرة عليها في المواقف الحماسيَّة، وهنا قد يلجأ بعضهم للتَّشكيك بالرِّواية بغية إقناع نفسه بترك العمل كي يطفيء غضبه، ويهدِّيء فورة اندفاعه، و"من واجب الخطيب أن يدرك ما يعتمل في نفس متلقي رسالته من قيم ومبادئ، ومعايير وسنن اجتماعية، على أساس أنَّ إدراكه للرسالة يتأثر بتفسيره لهذه الرسالة، وهذا يعتمد على الحالة الاجتماعية للمتلقي من حيث تنشئته الاجتماعية، والإطار أو النسق القيمي الذي يأخذ به"( )، فنجد تأثير العاطفة يغلق الطَّريق هنا عندما تواجه الحماسة باستثارة الدَّافعيَّة الإيمانيَّة نحو الاعتقاد بصحَّة الرِّواية، ومن ثمَّ وجوب الخضوع لمضمونها، وهذا ما تثيره عبارة (صحَّ عن الإمام الصَّادق – عليه السَّلام -).
ثانيَّاً: العوامل المتعلِّقة بالخطاب
         هنالك عوامل تؤثر في متلقي الخطاب تكمن في الخطاب نفسه، فالبنية اللغويَّة للخطاب لا تخلو من مؤثِّرات تجعل المتلقي مستجيبًا لرسالته، أو نافرًا منها، وفي هذا الموضوع سنعرض لأهمِّ العوامل الخطابيَّة الَّتي تضمَّنتها الوصايا العشرون للمرجعيَّة الدِّينيَّة في النَّجف الأشرف، وما تحويه بنيتها اللُّغويَّة من مؤثِّرات في المتلقي، ويمكن أن نوجزها بما يأتي:
1.    السَّلامة اللُّغويَّة وانسيابيَّة الألفاظ بجزالة ودقَّةٍ: 
         تتمثَّل الكفاية اللُّغويَّة للمرسل العربيِّ بـ" القدرة على الإنتاج في لغة العرب وفق الأصول، والقواعد التي وضعتها علوم اللغة, وتعني ثانياً: أنَّ الكفايات اللغوية التي يحتاجها الخطيب أو الشَّاعر غير التي يحتاجها المتكلم العادي"( ) ولا نجد في خطاب الوصايا العشرين ما يخرق هذه الميزة اللُّغويَّة في الخطابات الإبداعيَّة، فكانت لغة الخطاب المدروس سليمة من حيث النَّحو والصَّرف ذات جرسٍ متناغم، وأسلوب محبكٍ غير مملٍّ، ولا منفِّرٍ في ألفاظه.
2.    وضوح العبارات، والابتعاد عن الكلمات ذات المعاني الَّتي تحتاج معجمًا يفسِّرها:
          جاءت معاني الوصايا واضحةً سلسلة الفهم، فالألفاظ مَّما هو متداولٌ في العصر الحديث يفهمها المتلقُّون من أكثر طبقات المجتمع على اختلاف مستوياتهم الفكريَّة، والمعرفيَّة، فلا نجد معانٍ غامضةً، ولا كلماتٍ متقعِّرةً، وحتَّى الشَّواهد الَّتي استشهد بها من النًّصوص المقدَّسة لتعضيد مضامين الوصايا كانت واضحةً مفهومةً، ولم يعمد إلى شواهد تحتاج شرحًا وتفسيرًا؛ لأنَّها تنتمي لعصورٍ سابقةٍ كانت اللُّغة فيها أصعب ممِّا نتداوله الآن، وفي شاهدين كانت هنالك ثلاث ألفاظٍ قد تكون غير واضحة لبعض طبقات المجتمع، فعمد السِّيِّد – دام ظلُّه – إلى شرحها في الهامش، وهي كلمة (البدوا) في قول الإمام عليٍّ – عليه السَّلام - : " انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لَبدُوا فالبدُوا، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا "( ). وكلمتا (قُلبها، ورعاثها) في قوله – عليه السَّلام - : " وهذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار وقد قتل حسان بن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقـُلَبها، وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً"( ).
3.     الأساليب اللغويَّة وأثرها في إقناع المتلقي:
         تعدُّ الأساليب اللغويَّة من أهمِّ العناصر الَّتي تتعلَّق بها كفاية المتكِّلم الإقناعيَّة( )، فاللُّغة تمثِّل: " الهوية, وهي الخصوصية, وهي وعاء الثقافة, وأداة التفكير, ووسيلة التعبير, وحلقة الاتصال والتواصل والتفاهم"( )، وسنعرض فيما يأتي لأهمِّ الأساليب اللغويَّة في خطاب الوصايا العشرين:

أ‌.    أسلوب الشَّرط: 
     يعرَّف الشَّرط بأنَّه: " تعليق شيء بشيء، بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني، وقيل: الشرط: ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجًا عن ماهيته، ولا يكون مؤثراً في وجوده، وقيل: الشرط: ما يتوقف ثبوت الحكم عليه."( ), وعرَّفه بعض المحدثين بأنَّه: " أسلوب لغويٌّ, ينبني- بالتحليل على جزأين- الأول مُنزل منزلة السبب، والثاني: منزل منزلة المسبَّب. يتحقق الثاني إذا تحقق الأوَّل؛ لأنَّ وجود الثاني معلَّق على وجود الأوَّل"( ), وتكمن أهميَّة الشَّرط في بلاغة الإقناع بأنَّه يتركَّب من جملتين تتوقَّف إحداهما على الأخرى، فيجعل المرسل جواب الشَّرط أمرًا محبَّبًا للمتلقي، ويعلِّق تحقَّقه بفعل الشَّرط الَّذي يجعله الرِّسالة الَّتي يريد من المتلقي تطبيق مضمونها، فلو أراد أبٌ – مثلًا – أن يقنع ابنه بالدِّراسة يقول له: " إن تدرس أشترِ لك لعبة" فقد جاء بشراء اللُّعبة وعلَّقه بالدِّراسة كي يتوجَّه الابن لها بغية الحصول على ما يحبُّ. 
وفي خطاب المرجعيَّة للمقاتلين نجد هذا الأسلوب في بعض المواضع منها: 
قوله في الوصيَّة التاسعة عشرة: " واعلموا أنكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف"( ) إنَّ الإنسان مجبولٌ على قبول النَّصيحة من القريبين منه، والقريب يكون ناصحًا بمعنى الحرص، والاهتمام بقريبه، ويطمئنُّ الإنسان لحرص من هو قريبٌ منه، ويلاذُّ بنصيحته، وهو يحذر عادةً اهتمام الغريب، بل لا يرجو من بعضهم خيرًا، وقد ينزعج بعض النَّاس من نصح البعيد عنه، ومن رغبة الإنسان الفطريَّة بقرب مرديه، ونصحهم وحرصهم عليه، تنطلق هذه الوصيَّة لتجعل التَّصافي والاجتماع بالمعروف شرطًا لتحقُّق نصيحة الأقربين، فمن أراد ذلك فليصافِ إخوته، ويجتمع معهم عل الخير، ويصفح عن زلَّة أخيه، وابن جلدته كي يكون كلاهما ناصحًا أخاه. فنجد أثر الشَّرط في إقناع المتلقي هنا بضرورة صفاء النِّية تجاه إخوته، والاجتماع بهم على الخير، عن طريق توظيف رغبة فطريَّةٍ جُبل عليها ابن آدم.
وقد يريد المرسل أن يقنع المتلقي بالامتناع عن فعلٍ ما، فيعمد إلى تعليق ذلك الفعل بأمرٍ يكرهه المتلقي، أو يخشاه، أو يخافه، أو فيه ضررٌ عليه، ومن ذلك في الخطاب المدروس: 
" فمن استولى على مال غيـره غصـباً فإنّما حاز قطـعة من قطـع النيران"( ) جاء هنا بمن الشَّرطيَّة للعاقل، وهي تفيد الإطلاق، وجعل فعل الشَّرط الاستيلاء على مال الغير غصبًا، وهو الأمر المنبوذ الَّذي تريد رسالة الخطاب إقناع المتلقي باجتنابه، فجاء بأمرٍ مهوبٍ يخشاه المؤمن، وهو حيازة قطعةً من قطع النِّيران، وقطع النِّيران من القضايا المرتكزة في ذهن المتلقي، ويسعى للفرار منها، فكان هذا التَّخويف وسيلةً لإقناع المتلقي باجتناب التَّعدي على مال غيره.
ب‌.    أسلوب النَّفي:
          لا يخفى ما للنَّفي من أهميَّة في اللُّغة، فهو " بابٌ من أبواب المعنى يهدف بهِ المتكلّمُ إخراج الحكم في تركيبٍ لغويّ مُثبتٍ إلى ضدّهِ, وتحويل معنى ذهنيّ فيه الإيجاب والقبول إلى حكمٍ يخالفه إلى نقيضه, وذلك بصيغة تحتوي على عنصر يفيد ذلك، أو يصرف ذهن السامع إلى ذلك الحكم عن طريق غير مباشر من المقابلة أو ذكر الضدّ، أو بتعبير يسود في مجتمع ما فيقترن بضدّ الإيجاب والإثبات))( )، وتكمن أهمية النَّفي في أنَّ المرسل يدرك ما يدور في ذهن المتلقي فيعمد إلى إنكار ذلك، ونفي ما يدور في خلده من فكرة( )، وقد شاع بين بعض فئات المجتمع أنَّ حرمات غير المسلمين غير محترمة، وكرَّس ذلك الدَّواعش بما فعلوه بالمسيحيّين، والأيزيدييِّن، فجاء خطاب المرجعيَّة فيصلًا في ردع هذه الفكرة حيث يقول السَّيِّد السِّيستانيُّ: " لا ينبغي ان يسمح المسلمُ بانتهاك حرُمات غير المسلمين ممّن هم في رعاية المسلمين"( ). 
وكذلك قوله : " فما كلّ ضلالة بالتي توجب الكفر، ولا كلّ بدعة تؤدي إلى نفي صفة الاسلام عن صاحبها"( ) إذ ينفي فكرةً لطالما سادت في أذهان الكثرين، وقادت لإزهاق أرواحٍ بغير حقٍّ، وهتك حرماتٍ، وسلب حقوقٍ.
ج‌.    أسلوب التَّعليل: 
      " أسلوب التعليل من الأساليب اللغويَّة التي لها حضور مميَّز في الخطاب الإقناعي, لأنَّ المتكلم يسعى في توظيفه الى تقديم الأسباب والعلل للمتلقي"( )
فالأحكام المعلَّلة أقرب للنَّفس من غيرها( ), ويعني التَّعليل: " تبيين الغرض من إيقاع الفعل أو سبب وقوعه" ( )، ونلمس في الوصيَّة الخامسة تعليلًا مقنعًا للأمر بحفظ حرمات عامَّة النَّاس حتَّى لو كانوا من ذوي الأعداء، ويقد يستغرب المتلقي هذا الأمر، فيأتيه التَّعليل بحكمٍ شرعيٍّ حيث يقول – دام ظلُّه - : " الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أمواله"( ) ولا يخفى ما للفتوى من أثرٍ في نفس المتلقي الَّذي خرج للجهاد استجابةً لفتوى من المرجع نفسه. ويلحظ أنَّه استعمل الفاء للتَّعليل في هذا الموضع.
وفي موضعٍ آخر استعمل المفعول لأجله لتعليل نَّصيحة التَّحذير بالقول والرَّمي الَّذي لا يصيب الهدف في الحالات المشتبهة في قوله: " فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدّي إلى الهلاك، معذرةً إلى ربّكم واحتياطاً على النفوس البريئة"( )، ولا يخفى ما لهذا التَّعليل من أثرٍ في النَّفس بالتّذكير بالله، وإثارة الشَّفقة على النُّفوس البريئة.
د. أسلوبا الأمر والنَّهي
          أسلوبان لغويَّان يشكِّل كلٌّ منهما معادلًا موضوعيَّاً للآخر، فالأوَّل يطلب إيقاع الفعل، ويطلب الثَّاني تركه، أو الكفَّ عن إيقاعه، وكلاهما يكون حقيقيَّاً من الأعلى إلى الأدنى، وفي هذه الوصايا نعتقد أنَّ الأوامر والنَّواهي كانت حقيقيَّةً فهي صادرةٌ من القيادة إلى متَّبعيها، ومن المرجع المفتي إلى من يأتمر بفتواه، وقد كثر استعمال هذين الأسلوبين في الخطاب المدروس، ويعتمد تأثيرهما في المتلقي على المكانة الاجتماعيَّة الَّتي يرتكز عليها موقع المرجعيَّة عند المقاتلين المخاطَبين، والجدول في أدناه يبيِّن إحصاءً بمواضع الأمر والنَّهي في الوصايا العشرين.
ت    أسلوب الأمر    طريقته    أسلوب النَّهي    طريقته
1.        فليعلم المقاتلون    الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر    لا يُستحلَّن    النهي
2.        يلزم تفقهها ...    الخبر    لا تحلُّ    النفي
3.        لا بدَّ من مراعاتها    الخبر    وإياكم والتعرض..    التحذير
4.        قدِّموا    فعل الأمر    لا ينبغي    النفي
5.        تحذروا    فعل الأمر    لا يحملنَّكم    النهي
6.        كونوا    فعل الأمر    لا تمنعوا    النهي
7.        أعينوا    فعل الأمر    لا تعينوا    النهي
8.        أشفقوا    فعل الأمر    لا تجوز    النفي
9.        اعلموا    فعل الأمر    لا يظنَّ    النهي
10.        استعينوا    فعل الأمر    لا يفوتنكم    النهي
11.        احرصوا    فعل الأمر    لا تغلبنكم    النهي
12.        ينبغي    الخبر    لا تفرقوا    النهي
13.        على الجميع    الخبر        
14.        اتقوا    فعل الأمر        
15.        حاولوا    فعل الأمر        
16.        تجنبوا    فعل الأمر        
17.        اعتصموا    فعل الأمر        
         والَّذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أنَّنا أدرجنا أسلوب الخبر مع الأمر في بعض مواضعه الَّتي يراد بها الأمر، وكذلك الأمر مع أسلوبي النَّفي والتَّحذير فإنَّ المراد بهما النَّهي عن الفعل المنفي أو المحذَّر منه في المواضع الَّتي أشرنا إليها في الجدول، وليس في عموم وظيفة الأسلوب اللغويَّة.

الخاتمة
         في خاتمة المطاف نوجز أهمَّ ما توصَّل إليه البحث من نتائج في النُّقاط الآتية:
1.    يمثِّل الخطاب المدروس وثيقةً إنسانيَّةً عظيمةً تحمل ما في الدّين الحنيف من قيمٍ ومباديء ساميَّة، وتجسِّد آداب الإسلام الأصيل الَتي تنبع من القرآن الكريم، والنَّبيِّ وأهل بيته – عليهم السَّلام - .
2.    تتوزَّع عوامل التَّأثير في المتلقي على ثلاثة عناصر رئيسة تبنى عليها العمليَّة التَّواصليَّة، هي المرسل، والخطاب، والمتلقي.
3.    أهمُّ عوامل التَّأثير المتعلِّقة بالمرسل هي: مكانته الاجتماعيَّة، وما يحمله من أخلاقٍ كاحترام الآخر، وإنصافه، وأدب الحوار، والاستراتجيَّات العاطفيَّة الَّتي يوظِّفها في إقناع المتلقي بإثارة عاطفته واستمالته لخطابه كالاستشهاد بالنُّصوص المقدَّسة، والتَّرغيب والتَّرهيب، وإثارة العاطفة بألفاظٍ ومعانٍ تثير الشَّفقة والعطف، وتوحي ببعض الأحاسيس.
4.    أهمُّ عوامل التَّأثير المتعلِّقة بالخطاب هي: سلامته اللغويَّة وجزالة أسلوبه، ووضوح معانيه، وسهولة ألفاظه، وأساليب اللُّغة الَّتي تؤثر في الإقناع كالشرط، والتعليل، والنَّفي، والأمر والنَّهي، وما يتضمَّن معناهما من أساليب.
5.    من العوامل المتعلِّقة في المرسل والخطاب نستطيع أن نستنبط عوامل تتعلَّق بالمتلقي أدَّت إلى تأثير عوامل المرسل والخطاب فيه، وهذه العوامل هي:
أ‌.    احترامه المكانة الاجتماعيَّة للمرسل، واستعداده لطاعته.
ب‌.    ميله العاطفي للأخلاق الحسنة، والصِّفات الحميدة.
ج. رقَّة النَّفس، والعاطفة الشَّديدة، والمشاعر والأحاسيس المرهفة.
د. الالتزام الشَّرعي وطاعة الفتوى الدّيِنيَّة.
ه. التَّأثُّر باللُّغة السَّليمة، والانجذاب للمعاني الواضحة.
و. التَّنشئة الاجتماعيَّة، ومراعاة القيم والتَّقاليد الَّتي يتربَّى عليها.
6. كلَّما كان المرسل مدركًا عوامل التَأثير في متلقيه كان خطابه أكثر تأثيرًا فيه، وأقرب لبلاغة الإقناع.
7. لقد كانت المرجعيَّة الدِّينيَّة في النَّجف الأشرف دقيقة في فهم متلقيها، ومخاطبته بما يثير دافعيَة تلقيه للخطاب.

الهوامش

( ) بنظر: بلاغة الإقناع دراسة نظريَّة وتطبيقيَّة، د, عبد القادر قادا: 84.
( ) ينظر: الحجاج عند أرسطو: 146.
( )‏‏ ينظر: العوامل المؤثرة في القائم بالاتصال، نجم العيساوي: 2.‏    
( ) بلاغة الخطاب الإقناعي، حسن المودن: 40.
( ) المصدر نفسه.
( ) المصدر نفسه: 39.
( ) معالم المرجعيَّة الرَّشيدة، السَّيِّد منير الخبَّاز: 7.
( ) ينظر: المصدر نفسه.
( ) ينظر: نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ، إعداد السَّيِّد حسين البدري : 35.
( ) المصدر نفسه: 36.
( ) الخطابة، أرسطو: 103.
( ) لمحات عن شخصيَّة المرجع الدِّينيِّ الأعلى السَّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ  دام ظلُّه، السَّيد محمد علي الغرويُّ: 13.
( ) نبذة مختصرة عن حياة سماحة آية الله العظمى المرجع الدِّينيِّ الأعلى الإمام السَّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ، محمَّد حسن عليوي الخضري: 30.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 37.
( ) المصدر نفسه: 38.
( ) المصدر نفسه: 
( ) المصدر نفسه: 39.
( ) نبذة مختصرة : 31.
( ) ينظر: أدب الحوار، د. سعد بن ناصر الشّتري: 23.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 34.
( ) ينظر: مداخل اللِّسانيَّات التَّداوليَّة في الخطاب البلاغيِّ العربيَّ، متابعة تداوليَّة، د. نور الهدى حسني، أ. باديس لهويمل، بحث: 42.
( ) معالم المرجعيَّة الرَّشيدة: 61.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 36 - 37.
( )  المصدر نفسه: 44.
( ) المصدر نفسه: 45.
( ) خطاب الإمام الرِّضا – عليه السلام – دراسة في الإقناع، حسين جويد منخي، رسالة ماجستير: 55.
( ) اللغة والحجاج:8
( ) أصول علم النفس: احمد عزت راجح، مطبعة اشبيلية: بغداد- العراق، الناشر المكتب المصري الحديث: د ط، د س: 154.
( ) سلطة النَّصِّ قراءات في توظيف النَّصِّ الدِّينيِّ، عبد الهادي عبد الرَّحمن: 27.
( ) ينظر: المصدر نفسه: 73.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 48 – 49.
( ) المصدر نفسه: 47.
( ) المصدر نفسه: 35 – 36. وينظر قول الإمام عليٍّ – عليه السَّلام - في : نهج البلاغة: 143.
( ) المصدر نفسه: 42. وينظر الحادثة في مروج الذَّهب، المسعوديُّ: 2/277.
( ) المصدر نفسه: 47, وينظر الحادثة في: 
( ) ينظر: أسلوب التَّرغيب والتَّرهب في القصَّة لقرآنية، حميدي محمَّد، رسالة ماجستير: 12.
( ) ينظر خطبة طارق بن زياد من الإقناع العقلي إلى الاندفاع العاطفي بحث في الحال والمقام، خالد اليعقوبي، بحث منشور ضمن كتاب الحجاج مفهومه ومجالاته، 334.
( ) ينظر التعلم نظريات وتطبيقات، أنور محمد الشرقاوي، مكتبة الانجلو المصرية، د. ط، سنة 2012م:55-56.
( ) مدخل علم النفس، دايفيدوفي، ترجمة سعيد الطواب، دار المريخ، الرياض، ط4، 1983م:431-432.
( ) أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي، طه السبعاوي: 118.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 34.
( ) المصدر نفسه: 35.
( ) المصدر نفسه: 45.
( ) المصدر نفسه: 48.
( ) المصدر نفسه: 50 – 51.
( ) المصدر نفسه: 36.
( ) المصدر نفسه: 40.
( ) ينظر: منزلة العواطف في  نظريات الحجاج، حاتم عبيد: 242.
( ) المصدر نفسه: 264 ومصدره.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 40.
( ) المصدر نفسه: 42 – 43.
( ) تحليل الخطاب الحواري في نظرية النحو الوظيفي, سعيدة علي زغيد:44.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 35.
( ) مهارات الاستماع النشط، ماهر شعبان عبد الباري، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، ط1، 2011م:52.

( ) بلاغة الخطاب الاقناعي, حسن مودن: 49
( ) نهج البلاغة: 143، وينظر: نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 36.
( ) المصدران السَّابقان : النهج : 69، والوصايا: 40. 
( ) ينظر: اللُّغة والخطاب، عمر أوكان: 42.
( ) اللغة الوظيفية والاتصال, زكريا شعبان, عالم الكتب الحديث, الاردن- اربد, ط1, 2011م:1.
( ) التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني, ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر, دار الكتب العلمية, بيروت – لبنان, ط1, 1983م:125.
( ) في النحو العربي نقد وتوجيه, مهدي المخزومي, منشورات المكتبة العصرية, بيروت- صيدا, ط1, 1964: 284.
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 50.
( ) المصدر نفسه: 40.
( )في التحليل اللغويّ منهج وصفيّ تحليليّ, خليل أحمد عمايرة، مكتبة المنار، الأردن ، ط1، 1987م: 154.
( ) في النحو العربيِّ نقد وتوجيه, مهدي المخزومي, دار الرائد العربي, لبنان- بيروت, ط2, 1986م: 246
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 39.
( ) المصدر نفسه: 38.
( ) خطاب الإمام الرِّضا – عليه السَّلام – دراسة في وسائل الإقناع: 25.
( ) ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم, التهانوي, 2: 225.
( ) أسلوب التعليل في اللغة العربية , احمد خضير عباس , دار الكتب العلمية , بيروت _لبنان , ط1, 2007م – 1428 هـ: 32 .
( ) نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّالأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ: 37.
( ) المصدر نفسه.

المصادر
•    أدب الحوار، د. سعد بن ناصر الشّتري، كنوز اشبيلية للنشر والتوزيع، ط1، 1427 هـ 2006م.
•    أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي، طه السبعاوي، دار الكتب العلميَّة، بيروت – لبنان. 
•    أسلوب التَّرغيب والتَّرهب في القصَّة لقرآنية – قصة هود إنموذجًا، حميدي محمَّد، رسالة ماجستير، كليَّة الآداب والفنون، جامعة السانية – وهران، 2008 – 2009.
•    أسلوب التعليل في اللغة العربية, أحمد خضير عباس, دار الكتب العلمية, بيروت _لبنان , ط1, 2007م – 1428 ه 
•    أصول علم النفس: احمد عزت راجح، مطبعة اشبيلية: بغداد- العراق، الناشر المكتب المصري الحديث. 
•    بلاغة الإقناع دراسة نظريَّة وتطبيقيَّة، د, عبد القادر قادا، دار كنوز المعرفة، عمان، ط1، 2006.
•    بلاغة الخطاب الإقناعي حو تصور نسقي لبلاغة الخطاب، حسن مودن، دار كنوز المعرفة، عمان، 2014.
•    تحليل الخطاب الحواري في نظرية النحو الوظيفي, سعيدة علي زغيد، دار كجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2015.
•    التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني, ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر, دار الكتب العلمية, بيروت – لبنان, ط1, 1983م.
•    التعلم نظريات وتطبيقات، أنور محمد الشرقاوي، مكتبة الانجلو المصرية، 2012م. 
•    الحجاج عند أرسطو، هشام الريفي، بحث منشور ضمن كتاب أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطوا إلى اليوم، إشراف حمادي صمود.
•    خطاب الإمام الرِّضا – عليه السلام – دراسة في وسائل الإقناع، حسين جويد منخي، رسالة ماجستير، كلية الآداب – جامعة ذي قار، 2018.  
•    الخطابة، ارسطو طاليس، حقَّقه وعلَّق عليه: عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات (الكويت) – دار القلم (بيروت – لبنان)، 1979 م.
•    خطبة طارق بن زياد من الإقناع العقلي إلى الاندفاع العاطفي بحث في الحال والمقام، خالد اليعقوبي، بحث منشور ضمن كتاب الحجاج مفهومه ومجالاته.
•    سلطة النَّصِّ قراءات في توظيف النَّصِّ الدِّينيِّ، عبد الهادي عبد الرَّحمن، دار سينا للنشر، ط1، 2003. 
•    العوامل المؤثرة في القائم بالاتصال، نجم العيساوي، مقال في شبكة النت.      
•    في التحليل اللغويّ منهج وصفيّ تحليليّ, خليل أحمد عمايرة، مكتبة المنار، الأردن ، ط1، 1987م .
•    في النحو العربي نقد وتوجيه, د. مهدي المخزومي, منشورات المكتبة العصرية, بيروت- صيدا, ط1, 1964 .
•    في مروج الذَّهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن المسعودي، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة، قم، 1409 هـ.
•    اللغة الوظيفية والاتصال, زكريا شعبان, عالم الكتب الحديث, الاردن- اربد, ط1, 2011م .
•    اللُّغة والخطاب، عمر أوكان، رؤية للنشر،  القاهرة – مصر، ط1، 2011.
•    لمحات عن شخصيَّة المرجع الدِّينيِّ الأعلى السَّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ  دام ظلُّه، السَّيد محمد صالح الغرويُّ.
•    مداخل اللِّسانيَّات التَّداوليَّة في الخطاب البلاغيِّ العربيَّ، متابعة تداوليَّة، د. نور الهدى حسني، أ. باديس لهويمل، بحث:  
•    مدخل علم النفس، دايفيدوفي، ترجمة سعيد الطواب، دار المريخ، الرياض، ط4، 1983م 
•    معالم المرجعيَّة الرَّشيدة، السَّيِّد منير الخبَّاز، إعداد شبكة المنير، ط1، 1434 ه – 2013م.
•    منزلة العواطف في  نظريات الحجاج، حاتم عبيد، بحث منشور في مجلة عالم الفكر، ع2، مج 40، 2011.
•    مهارات الاستماع النشط، ماهر شعبان عبد الباري، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، ط1، 2011م: 
•    موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم, التهانوي، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996.
•    نبذة مختصرة عن حياة سماحة آية الله العظمى المرجع الدِّينيِّ الأعلى الإمام السَّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ، محمَّد حسن عليوي الخضري، ط14. 
•    نصائح وتوجيهات المرجع الدِّيني ِّ الأعلى السِّيِّد علي الحسينيِّ السِّيستانيِّ، إعداد السَّيِّد حسين البدري، دار وارث، ط1، 1438 ه – 2017م.  
•    نهج البلاغة، الشريف الرضي، تحقيق: د صبحي الصالح، دار الكتاب المصري، ط4، 1425ه – 2005م.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عباس عبد السَّادة شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/19



كتابة تعليق لموضوع : العوامل المؤثرة في المتلقي لخطاب المرجعية الدينية في النجف الأشرف – دراسة في بلاغة الإقناع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net