صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في كتاب (شجر الخلود)  للكاتب: حميد المختار (2)
علي حسين الخباز

 النصّ الأدبي هو معنى من معاني الإنسانية، وفكرة المنقذ هي تعبير عن شرعية وجوده المرتبطة بالسماء، ولم تكن جديدة، فهي تعيش في سبع ديانات: (الديانة المصرية القديمة، والهندوسية، والبوذية، والزرادشية، واليهودية، والمسيحية، والإسلامية).
 ولقراءة المضمون المكون لكتاب (شجرة الخلد) للأستاذ (حميد المختار) هي قراءة التصور وآماله، ومعنى فكرة المنقذ (المهدوي) وتناميه، وكأنه يعمل في نصّه الانتقائي إلى تقديم المنقذ الى متلقيه عبر غربلة الرؤى؛ لكون فكرة المنقذ دخلت حقولًا معرفية وإبداعية كثيرة، وراجت على انها سلاح تبشيري لمواجهة أي إنحراف مستقبلي، وإيمان بوجود الاعتبار الإلهي في ردّ كيد الطغاة، ولهذا فكرة المنقذ هي ثقافة خالصة وحمولة متجددة لا تقف عند حد، جميع الأديان تؤكد وجود نهاية للعالم، ويصاحب هذه النهاية وجود المنقذ.
 السؤال الذي يثيره الموضوع فينا: هل حددت تلك الأديان سماته وصفاته؟ وهل تختلف تلك الصفات والسمات في كلّ دين ومذهب؟
الجواب: يقدم لنا الأرضية المشتركة في الوجود السماوي في شخصية المنقذ، اتفقت الأديان كلّها على ولادته في ظروف سرية صعبة واعجازية، الخطر الذي يحيط بحياته، وله علامات لها خصوصية متقاربة عند جميع الأديان، والمذاهب.
 الأديان والمذاهب كلّها تؤمن انه من سلالة الملوك والأمراء، أو الأنبياء والأوصياء، وهو أنموذج واحد في جميع الأديان أو الديانات، كل عمل أدبي يفصح وجهات نظر، من ضمنها أن تعضد أو تنفي.
 واستشهد الباحث في كتاب (المهدوية جدل الانسان والانتظار) للدكتور عبد الله صالح سفيان، أهمية هذا الكتاب، كما يرى الأستاذ المختار هو ليس الاثبات أو النفي، أو البحث في التقابلات، وانما هو يطمح للوقوف والتأمل والنظر الفاحص في المواقف المهدوية عبر المواقف والشهادات، والتأمل عملية وجدانية تشكل أحد الأعماق والركائز الفلسفية، وخطابًا مشحونًا بالدلالات الفكرية، عمل على توظيف الثقافة الفكرية، أي وجود رأي مهم هو النظر في المهدوية من حيث هي عقيدة اعتقاد بلا حجة ولا بيان منطقي عقلي، وأثر تفعيلها حققت وجودها، وكرست حضورها وخطاباتها وفلسفتها الكونية الشمولية.
 ومثل هذه المناقشات، تحفل بالرقي الانساني مع وجود صفة الاستغراب، إلا أننا نؤمن بأن التأمل في قضايا الغيب الالهي، هو إدراك، وهو من مهمات العقل الموضوعي الاسلامي، وهو إيمان بوجود الله تعالى.
 ارتبط الغيب بين موضوع وجود الله سبحانه ووجود الامام المهدي، الذي استمدّ من الله سبحانه وتعالى، غيبته، وقوة سطوته، وعمله، وبيانه، وانقاذه للأرض، أرقى معاني الفكر هو الاحتواء الشعوري لمعالجة القضايا الفلسفية المهمة.
 قضية المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لا أعتقد أنها وصلت ذات يوم أو في عهد من العهود أن تكون صراعًا فكريًّا بمعناه الظاهري، قضية المنقذ في المذهب السني قضية موجودة يؤمنون بها، لكنها لا تشكل عقيدة دينية، بل أسطورة من أساطير الدين، وهذه النتيجة تأثرت بالكدّ الاستشراقي، وإلا فالمذهب السني له توثيق يرسخ المنقذ الشيعي، لكن في اختلافات متفاوتة يرفع منها ميزة الانتظار، وينظّر إلى أن المنقذ يُخلق في حينه.
 الاستشراق عامل قضية المنقذ بمنظار الأثر والتأثير، الى الآن ينظر الى قضية المنقذ الشيعي نظرة تابعة مشوهة من هذا المنطلق نقدر أن ندخل في جوهر الفعل التفسيري، المستشرقون تعاملوا مع القضية بافتراءات الحقد الدفين.
 إذن، القضية تحتاج اليوم الى تأمل، تأمل الأمة في قضية من أهم القضايا الفكرية للإيمان بحرية دون التأثر بمساعي الاستشراق، الموضوع المهدوي موضوع تأملي يمثل التمييز الإيماني الوجداني الفكري.
 في كتاب شجرة الخلد لـ(حميد مختار) هو انتقاءات فكرية وقراءة إنابة، عملية تمتاز بالجمال والخدمة الثقافية الجميلة لتنتقي لنا بعض وجهات النظر وتطرحها عبر الكتاب.
 بمعنى آخر، هو مشروع البحث عن المضمون، ففي الجزء الأول من كتاب المفكر (هشام جعيط) اعتمد في موضوع طرح الوحي والقرآن والنبوة معتمدًا على القرآن الكريم حصرًا كمصدر أولي للكتابة، وكذلك على التاريخ المقارن للأديان، أجد أن الاختصار يحدّ من المفهوم التكويني لنشأة الكتاب.
 لو تابعنا فصول الكتاب لعرفنا مدى احتياجنا إلى التأمل والاستفسار والتيقن؛ كي يكون الغرض هو عرض رؤية ومنها تمر بأفكار مختلفة لترسيخ الموقف، ابتداء بالقرآن الكريم ككتاب مقدس، ثم الرؤيا والوحي في المنام، وقصة الغار، ولماذا اختلفت، ثم التجلي وانطلاق الوحي بعدها فصل (الله وجبريل)، ثم الرؤى والوحي من التقليد الديني معبرها النبوة والجنوح الى قوة النبي، ليكون هو الفصل الأخير، وضع مقدمته من جذر فرنسي، بين قوسين (الايمان مقدرة خارقة تعمل بجانب حتى ضد قدراتنا الطبيعية) مادة الدين هي الحياة والنفس الانسانية ومقوماتها الفكرية الصادقة عند الله تعالى، الأصالة تتناول السيرة من خلال القرآن والوحي.
ويقول المختار: حاولت أن أفكر فلسفياً في القرآن والوحي بين أعماق الضمير المحمدي، وهو الإله الداخلي وبين الإله الخارجي، يريد أن يصل لمنطق مهم هو أن النبي (ص)، لعب دورًا استثنائيًّا في بلورة الاسلام، الخط القرآني واضح مفصل، لا يمكن مسّه، وإن كان طبيعيّا أن يتطور الاسلام كغيره من الأديان، فتكون مدونة في الحديث ولغة التصوف والعرفان بالرجوع الى الأصول.
 يصل المؤلف الى قضية مهمة هي وإن أوغل الاسلام في حضارات بعيدة عن جذوره، فإنّ الخط القرآني بقي صلبًا في ما هو أساسي، وقارن بين المسيحية والبوذية والزرادشتية، كم من أفكار عجّت بها المسيحية مثلًا وعجّت بها القرون الأولى، الدين الزرادشتي حصلت فيه ردة، رجع الفرس الى الآلهة القديمة، أعرضوا عن التوحيد، ثم أحدثوا النار المطهرة، وكذا لبوذا، أما المسيح الإنساني، فالإله هو لبّ المسيحية تمامًا.
المؤلف يؤكد على دور النبي محمد (ص) والقرآن الكريم في بناء الذات العربية والإسلامية، بقيت السيطرة للقرآن، ولشخصية النبي (ص)، وهي التي أسست دولة الاسلام، وفتحت الآفاق أمام المستضعفين، حاكت العالم أجمع باعتباره رحمة للعالمين.
 الاسلام بعد عشر سنوات من رحيل النبي (ص) انطلق في بناء الامبراطورية، ليس ليعزز دوله قائمة، بل لتكوين دولة تحافظ على الاسلام، لكن يبقى ضمير النبي (ص) ليس كأيّ ضمير في تركيبته الخاصة، لاستناده هو على تاريخ مستمد من إبراهيم وموسى، وأكثر من عشرة قرون بين إبراهيم النبي وعيسى.
 القرآن يعطي ويوضح ويلمح ضرورة مبعث جديد، ونجد الكتاب قد اعتمد الاستنباط والمنهج العقلاني ككتاب علمي درس الوحي الإيماني، وفي قراءة أخرى قدمها الأستاذ (حميد المختار) في كتابه الممتع والمفيد والمحرض على الارتكاز على الصفاء الذهني، وبعث الروح في مواضيع أخذت صدى الانشائيات في بعض الكتب الجاهزة، وسيادة الوعي عند الكتاب جعلهم يتجاوزون مساعي الاسم والتشخيص، ويعملون على استقراء الثقافة العالمية، وما ذكرته عن الاسلام أن يكون تأليفًا أو إعدادًا او استقراء معتمدا على مصدرية القول؛ سعيًا لنشر الفكر، أي عملية الاعداد عند هؤلاء الفلاسفة جعلهم يعملون على بنى التثقيف، لتعريف المسلم بمساحات المواجهة الفكرية لديهم، الانتماء يترسخ لديهم، المثقف ومعنى الانتماء المثقف المؤمن بمعرفة؛ ليحصن لنا الناس من التأثير في موجات المستورد الفكري والثقافي الذي يسرب لنا انتقاءات وافكار ضد الاسلام مزوقة بالطابع الفكري.
 المعد يعرف (برناد لويس) وهو يهودي الأصل، في الفكر والهوى يدس السم في العسل، ويقلب الحقائق، ويفتري على الإسلام والمسلمين والعرب، أصدر كتابًا بعنوان (الاسلام وأزمة العصر) أصدرته سلسلة مكتبة الأسرة المصرية ترجمه (أحمد هيكل)، وقدمه ودرسه (رؤوف عباس)، استعرض الخفايا دون خشية أو خوف.
 كتاب عن موضوع ظاهره علمي، وجوهره سياسي سعى لتقديم صورة الاسلام في الغرب كما تعكسها مرآة (لويس) بيّنَ للقارئ صورة سلبية تخدم توجهه الصهيوني المحض، ويحاول أن يخلق الوهم على أساس أنه يقدم رؤية علمية محايدة منزّهة عن الهوى، وهو يعدّ (أسامة بن لادن) المعبّر الحقيقي عن الاسلام، هناك أشرطة يتوعّد فيها الصهيونية والوعود بالموت على أيدي المسلمين، يوصل الفكرة بأن الاسلام دين دموي يعتنقه أناس دمويون مصاصون للدماء.
 هناك بالمقابل دراسة لعالم اسمه (جون بنجر) نشر مقالة في (2004م) يقول فيها: إن الفصيل الاسلامي المتطرف تربّى في جبّ الاستخبارات الامريكية لضرب الوجود السوفيتي في افغانستان مثل ما صنع بغيرها من المنظمات الارهابية، ملايين البشر قضوا على يد الحركات الارهابية التي صنعتها المخابرات المركزية من القاعدة وطالبان.
 ملخص كتاب لويس لا يعبر عن مسألة الاسلام، وهو يعبر عن ضحالة الضمير عنده، الكتاب (شجر الخلد) وصل الى نتيجة مهمة، ومطلب ظاهري حقيقي علينا أن نتبنى مشروعًا ثقافيًّا اعلاميًّا لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الوطن الفكر والاسلام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/04



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب (شجر الخلود)  للكاتب: حميد المختار (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net