صفحة الكاتب : الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)

مشهد من‌ مشاهد الاستماتة‌ في‌ الطف‌
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

و فيما يلي‌ استعرضُ‌ مشهداً واحداً من‌ مشاهد الاستماتة‌ و الاستهانة‌ بالموت‌ و التشوق‌ إلى لقاء الله في‌ الطف‌ ، و هو من‌ أروع‌ ما يعرفه‌ التاريخ‌ 
جمع‌ الإمام أصحابه‌ و أهل‌ بيته‌ ليلة‌ العاشر من‌ المحرّم‌ ، و طلب‌ منهم‌ أن‌ ينطلقوا في‌ رحاب‌ الأرض‌ و يتركوه‌ وحده‌ ، و قد أراد أن‌ يكونوا على ‌هدى‌ و بيّنة‌ من‌ أمرهم‌ ، فقال‌ لهم‌ :
" اُثني‌ على الله أحسن‌ الثناء ، و احمده‌ على السرّاء و الضرّاء ، اللّهم‌ إني‌ أحمدك‌ على‌ أن‌ أكرمتنا بالنبوّة‌ ، و جعلت‌ لنا أسماعاً و أبصاراً و أفئدة‌ و علّمتنا القرآن‌ ، و فقّهتنا في‌ الدّين‌ فاجعلنا لك‌ من‌ الشاكرين‌ .
أمّا بعد ، فإني‌ لا اعلم‌ أصحاباً أوفى‌ و لا خيراً من ‌أصحابي‌ ، و لا أهل‌ بيت‌ ابرّ و لا أوصل‌ من‌ أهل‌ بيتي‌ ، فجزاكم‌ الله جميعاً عني‌ خيراً ، ألا وإني‌ لأظن‌ يومنا من‌ هؤلاء الأعداء غداً ، و إني‌ قد أذنت‌ لكم‌ جميعاً فانطلقوا في‌ حل‌ِّ ليس‌ عليكم‌ منّي‌ ذمام‌ ، هذا الليل‌ قد غشيكم‌ فاتخذوه‌ جملاً ، و ليأخذ كل‌ رجل‌ منكم‌ بيد رجل‌ من‌ أهل‌ بيتي‌ فجزاكم‌ الله جميعاً ، ثم‌ تفرّقوا في‌ البلاد في‌ سوادكم‌ و مدائنكم‌ حتّى يفرّج‌ الله فإن القوم‌ إنما يطلبونني‌ ، و لو أصابوني‌ لَهَو عن‌ طلب‌ غيري‌ " .
جواب‌ أهل‌ بيته‌ :
و لم‌ يكد يفرغ‌ الإمام من‌ كلماته‌ حتّى هبّت‌ الصفوة‌ الطيّبة‌ من‌ أهل ‌بيته‌ ، و هم‌ يعلنون‌ اختيار الطريق‌ الذي‌ يسلكه‌ ، و يتّبعونه‌ في‌ مسيرته‌ و لا يختارون‌ غير منهجه‌ ، فانبروا جميعاً و عيونهم‌ تفيض‌ دموعاً ، قائلين‌ :
" لِم‌َ نفعل‌ هذا ؟ لنبقيى بعدك‌ ؟ لا أرانا الله ذلك‌ أبداً " .
بداهم‌ بهذا القول‌ أخوه‌ أبو الفضل‌ العبّاس‌ ، و تابعته‌ الفتّية‌ الطيّبة‌ من ‌أبناء الاُسرة‌ النبويّة‌ ، و التفت‌ الإمام إلى أبناء عمّه‌ من‌ بني‌ عقيل‌ فقال‌ لهم‌ :
" حسبكم‌ من‌ القتل‌ بمسلم‌ ، اذهبوا فقد أذنت‌ لكم‌ " .
و هبّت‌ فتية‌ آل‌ عقيل‌ تتعالى‌ أصواتهم‌ قائلين‌ بلسان‌ واحد :
" وما نقول‌ للناس‌ ؟ نقول‌ : تركنا شيخنا و سيّدنا و بني‌ عمومتنا خير الأعمام‌ ، و لم‌ نرم‌ معهم‌ بسهم‌ ، و لم‌ نطعن‌ معهم‌ برمح‌ ، و لم‌ نضرب‌ بسيف‌ ، و لا ندري‌ ما صنعوا ؟ لا والله لا نفعل‌ ، و لكننا نفديك‌ بأنفسنا و أموالنا و أهلينا ، و نقاتل‌ معك‌ حتّى‌ نرد موردك‌ ، فقبّح‌ الله العيش‌ بعدك‌ " .
جواب‌ أصحابه‌ :
إنبري‌ مسلم‌ بن‌ عوسجة‌ و دموعه‌ تتبلور على وجهه‌ ، فخاطب‌ الإمام قائلاً :
" أ نحن‌ نخلّي‌ عنك‌ ؟ و بماذا نعتذر إلى الله في ‌أداء حقك‌ ؟ أما والله لا اُفارقك‌ حتّى‌ أطعن‌ في‌ صدورهم‌ برمحي‌ ، و أضرب‌ بسيفي‌ ما ثبت‌ قائمه‌بيدي‌ ، و لو لم‌ يكن‌ معي‌ سلاح‌ اُقاتلهم‌ لقذفتهم‌ بالحجارة‌ حتّى‌ أموت ‌معك‌ " .
و تكلّم‌ سعد بن‌ عبد الله الحنفي‌ قائلاً : " والله لا نخلّيك‌ حتّى‌ يعلم‌ الله إنّا قد حفظنا غيبة‌ رسوله‌ فيك‌ ، أما والله لو علمت‌ أني‌ اُقتل‌ ، ثم‌ّ أحيا ، ثم‌ّ اُحرق‌ ، ثم‌ اُذرى‌ ، يفعل‌ بي‌ ذلك‌ سبعين‌ مرّة‌ لما فارقتك‌ حتّى القى‌ حمامي‌ دونك‌ ، و كيف‌ لا افعل‌ ذلك‌ و إنما هي‌ قتلة‌ واحدة‌ ، ثم‌ هي‌ الكرامة‌ التي‌ لا انقضاء لها ابداً " ؟
و قال‌ زهير : " والله لوددت‌ انّي‌ قُتلت‌ ثم‌ نُشرت‌ ، ثم‌ قتلت‌ حتّى ‌اُقتل‌ كذا ألف‌ مرّة‌ ، و إن الله عزّ و جل‌ يدفع‌ بذلك‌ القتل‌ عن‌ نفسك‌ و عن ‌أنفس‌ هؤلاء الفتيان‌ من‌ أهل‌ بيتك‌ ... " .
و انبري‌ بقية‌ أصحاب الإمام فأعلنوا الترحيب‌ بالموت‌ في‌ سبيله‌ و التفاني‌ في‌ الفداء من‌ اجله‌ ، فجزَّاهم‌ الإمام خيراً ، و أكَّد لهم‌ جميعاً أنهم‌سيُلاقون‌ حتفهم‌ فهتفوا جميعاً :
" الحمد لله الذي‌ أكرمنا بنصرك‌ ، و شرّفنا بالقتل‌ معك‌ ، أو لا نرضى‌ أن‌ نكون‌ معك‌ في‌ درجتك‌ يابن‌ رسول‌ الله ؟ " .

و قال‌ محمد بن‌ بشير الحضرمي‌ ـ و كان‌ قد بلغه‌ أن‌ّ ابنه‌ قد اُسر بثغر الرّي‌ ـ فقال‌ : ما اُحب‌ أن‌ يؤسر ابني‌ و انا ابقى‌ بعده‌ حيّاً ، فاستشعر الإمام من ‌هذه‌ الكلمات‌ رغبته‌ في‌ إنقاذ ابنه‌ من‌ الأسر ، فأذن‌ له‌ في‌ التخلي‌ عنه‌ قائلاً : أنت‌ في‌ حل‌ّ فاعمل‌ في‌ فكاك‌ ولدك‌ .
فقال‌ : " أكلتني‌ السباع‌ حياً إن ‌فارقتك‌ ... " .
فلمّا أن‌ استوثق‌ الحسين‌ من‌ إقبالهم‌ على الموت‌ و عزمهم‌ على ‌الشهادة‌ في‌ سبيل‌ الله قال‌ لهم‌ : " يا قوم‌ ، إني‌ غداً اُقتل‌ ، و تقتلون‌ كلكم‌ معي‌ ، و لا يبقى منكم‌ واحد " .
فقالوا : الحمد لله الذي‌ أكرمنا بنصرك‌ ، و شرّفنا بالقتل‌ معك‌ ، أولا ترضى‌ أن‌ نكون‌ معك‌ في‌ درجتك‌ يابن‌ رسول‌ الله ؟
فقال‌ : جزاكم‌ الله خيراً ، و دعا لهم‌ بخير .

فقال‌ له‌ القاسم‌ بن‌ الحسن‌ ( عليه السلام ) : " و أنا فيمن‌ يُقتل‌ ؟
فأشفق‌ عليه‌ ، فقال‌ : يا بنيَّ كيف‌ الموت‌ عندك‌ ؟
قال‌ : يا عم‌ احلي‌ من‌ العسل‌ " .
فقال‌ : إي‌ والله فداك‌ عمّك‌ ، إنك‌ لأحد مَن‌ يُقتل‌ من‌ الرجال‌ معي‌ بعد أن‌ تبلوَ ببلاء عظيم‌ ، و ابني‌ عبد الله ( الرضيع‌ ) " .

في رحاب عاشوراء  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/23



كتابة تعليق لموضوع : مشهد من‌ مشاهد الاستماتة‌ في‌ الطف‌
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net