صفحة الكاتب : زيد شحاثة

زمن ثقافة الأحذية.
زيد شحاثة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 نشر كاتب في مواقع التواصل الإجتماعي, متسائلا بتعجب وإستغراب, عن سبب نيل منشوره عن كتاب ألفه ويتناول فيه, توثيقا لحقبة مهمة من زمن حكم الطاغية صدام, وفترات ما قبله وما بعده, بضعة إعجابات وتعليقات لا تتجاوز عدد أصابع اليد, فيما نال منشور أخر فيه صورة "حذاء" عشرات الإعجابات والتعليقات.. 
ورغم أن الكاتب لم يكن دقيقا, في توصيف الحالة, فهو لم يوضح أن الحذاء كان " نسائيا" ولم يكن خاليا وإنما كانت فيه سيقان بيضاء ممتلئة.. وكما تعلمون فأن هكذا تفصيلة صغيرة, تكون حاسمة أحيانا في معيار القبول والرفض, لأي قضية أو فكرة أو مشروع حتى, بالتالي فقد كان هناك تدليس في شرح القضية!
قد يظن البعض أن القضية تافهة ولا تستحق الإهتمام والنقاش, فكم من منشورات فيها حكم وعبر ودروس وتجارب, تمر ولا تنال إهتماما, وغيرها قد يراها البعض فارغة ولا قيمة لها, أو مواقف لشخصيات تافهة تقول أو تفعل أشياء أتفه, لكنها تنال تفاعلا وإعجابا, بل وتصبح " ثيمة" مجتمعية, لكن من يظن أنها كذلك هو ساذج لا محالة..
خذ مثلا أخر, فقد تناولت وكالات خبرية صورة لمسؤول حكومي يعمل بمفصل حساس وكبير, وينتمي لتيار إسلامي ومؤثر في الساحة السياسية, لكن ما لفت إنتباه المتابعين في الصورة كان حذاء هذا الرجل, الذي كان من " ماركة" عالمية معروفة, ويبلغ ثمنه ما يعادل راتب ستة أو سبعة موظفين.. ولا غرابة في أن يرتدي الإنسان ما يحب ويشتهي, من حر ماله وحلاله الذي أكتسبه بجهده وكده, ولكن ليس من المعقول ولا المقبول, أن يمتلكه وهو في منصب راتبه بالكاد يغطي ثمن "فردة واحدة" ثم يحدثنا عن النزاهة والشرف والإصلاح, وهو يرتديه!
القضية أبدا ليست ساذجة ولا عديمة القيمة والأثر, وبالتأكيد هي ليست عشوائية أو تلقائية.. فالنموذج الأول " الحذاء النسائي" وأمثاله هناك من يدعم نشره وتسويقه, ومنحه شهرة ومكانة إعلامية مميزة, بل والدفع بإتجاه أن يصبح ظاهرة إجتماعية ومتداولة, يكون لها متابعون ومحبون ومتفاعلون.. فيما الثانية " حذاء السيد المسؤول" دليل على ظهور جيل جديد من الفاسدين الأنيقين, ممن يرتدون الماركات العالمية المعروفة, وهم يعرفون أن الشعب يعرف أنهم لصوص فاسدون وفاشلون, ولا يبالي لأنهم مع ذلك سيعيدون إنتخابهم, ليحكمهم مرة أخرى, وهي أشكال يراد أن يصنع منهم صورة للحياة الجديدة وملذاتها!
هكذا نماذج تزداد وتتوسع وتتنوع, فما أن يخبوا نجم أحدها حتى يتم تسويق غيره, وهناك عشرات النماذج الفارغة الساذجة, التي تنتظر دورها في النجومية المؤقتة, حتى ولو كانت على حساب أن يضحك الناس عليهم, وهناك من يسوق النموذج الثاني إستخفافا بالمجتمع وقيمه, وهناك ماكنة مخابراتية إعلامية وتمويل ضخمة مجندة لذلك..تستهدف جيلنا القادم, بقصد تسخيفه وتسفيهه وتسطيحه..
هي حروب ضروس ظاهرها الأحذية, لكن حقيقتها وباطنها صراع فكري, يستهدف مجتمعاتنا ونسيجها, وشبابنا وأجيالنا المستقبلية.. وهذه الصراعات أخطر من الحروب التقليدية التي تعودنا عليها, فهي ناعمة تجري من تحت أرجلنا وأمام ناظرينا, ويبدوا أننا لم ننتبه لها, ولازلنا لم نفهم خطورتها, ناهيك عن تهيئة العدة والعدد لمواجهتها..
تلك المواجهة الفكرية إن خسرناها سنخسر كل شيء.. فالجيل القادم هو من سيقود حياتنا, وإن لم نهيئهم بشكل جيد ونحصنهم, بالعلم والمعرفة لا بالقيود والجهل, سيكونوا أطوع لعدونا "مهما كان شكله وفكره" مما سيكون لمجتمعه وأمته وعقيدته..
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زيد شحاثة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/21



كتابة تعليق لموضوع : زمن ثقافة الأحذية.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net