صفحة الكاتب : مصطفى منيغ

وسط الاستقلال مع الاختلال
مصطفى منيغ

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مسيرة السنين الطويلة التي قطعها (ما يفوق النصف بكثير من) الشعب في هذا البلد منذ استقلاله لم تمكنهم من الوصول حتى للأدنى من الحقوق كمواطنين مغاربة أبا عن جد ، وهم بناة ما يتراءى منه مهما كانت القرية أو المدينة داخل جغرافية ترابه من الجهات الأربعة بما بذلوه من جهد ، حتى الاستقلال هم الذين حققوه ويكفي الاطلاع على قائمة الشهداء لتجد الحرفي البسيط والاسكافي والفلاح المتواضع وجلهم من الفقراء لا يملكون عشاء ليلة إن توقفوا عما كانوا يلتقطون به رزقهم في الحلال ، بهؤلاء تحرر المغرب وليس بمن نصبُّوا أنفسهم زعماء لا صلة لهم بالكفاح المسلح المشروع الذي خاضه الرجال الأحرار والنساء الحرائر في مناطق متعددة من المغرب ومنها مدينة "الخميسات" حيت روي لي صديقي العزيز المجاهد "عبد القادر المِيخْ" (على امتداد شهر من الإنصات إليه والتسجيل المباشر لكلامه)عن منبع المقاومة الحقيقية في تلك الديار بإرادة ثلة من الأبطال كالبطل "بلميلودي" وغيره الذين قدَّموا أجسادهم لترسم عليها سياط المستعمرين الفرنسيين شهادات تعذيب رفعت من شأنهم ليتربعوا وسط ميدان الكفاح المسلح الذي عجل برحيل هؤلاء الغزاة مدحورين تاركين الأرض الشريفة لصاحبها الشعب المغربي الشريف . ليست "فاس" وحدها من كانت مهد المطالبين بحق استقلال المغرب قولا وفعلا ، حتى وإن برز فيها من تقدَّم الصفوف في المجال السياسي الأقل تعرضاً لانتقام المستعمرين ، بل أكثر من "فاس" وبمراحل ، اطَّلعت بمثل الواجب الوطني المقدَّس مدن الشمال وقراها بما لعبته من عمليات المواجهة مع احتلالٍ ثاني ، ازدادت شراسته على الاحتلال الفرنسي ونقصد به الإسباني ، التاريخ لم ينصف أصحابه حتى الوقت الحاضر ، وخاصة المنتمين منهم لمدن "القصر الكبير" و "العرائش" و "تطوان" ، والقائمة طويلة تتضمَّن الفقراء ولا أحد غيرهم ، وبهذا يكون المغرب قد حصل على استقلاله بواسطة الطبقة الكادحة المظلومة بعده ، المحرومة من مقومات العيش الكريم منذ الستينيات من القرن الماضي إلى الآن .

جميل أن نتذكَّر لكن الأجمل ذاك الصبر المثالي ونحن نرى بعض أذناب الاستعمارين الفرنسي والإسباني على امتداد المغرب شمالاً وجنوباً وهم يستولون على أسمى المناصب العمومية وأرفعها شأناً داخل أجهزة تنفيذية ليزدادوا قوة وثراء ينعكس جلياً على معاناة المقاومين الحقيقيين ، ومنهم من شعر أنهم انتقلوا من مذلة إلى أخرى أكثر احتقاراً لهم ، وما قدَّموه من تضحيات خرافية ليصلوا إلي ما يجعلهم في اضطراب لدرجة الالتفاف حول فكرة الصعود للجبال كما تم أيضا في "الخميسات" بكل ما يملكونه من مقومات الجهاد الأكبر لِما بعد الجهاد الأصغر ، ولم ينزلوا لممارسة حياتهم الطبيعية إلاَّ بتدخُّل الملك الراحل محمد الخامس الذي قابلهم في قصره بالرباط وهو العالم بما قام به هؤلاء (كغيرهم من عامة الشعب المغربي العظيم) ، ليعود لموطن حكمه معززاً مُكرّما سالما ، الأجمل كما سبق الذكر الصبر المثالي الذي تحلَّى به الجزء الأكبر من مواطني هذا الوطن المَترُوك بعد اجتياز مرحلة الانتقال من حالة الاستعمار إلى الحرية والاستقلال ، ليسدّ الرَّمق بدقيق وزيت وسمن من كصدقة مُخصّصة له من طرف الكنيسة المسيحية ، الصدقة التي سمتها إدارة الولايات المتحدة الأمريكية "هدية من الشعب الأمريكي"، الواردة على المغرب بآلاف الأطنان كل شهر خلال أعوام طويلة ، وليتها كانت تُوَزَّعُ على فقراء المغرب بالمجان ، بل أُسِّسَت لتلك المواد الغذائية إدارة رسمية أطلقت عليها اسم "التعاون الوطني" الموكول إليها الإشراف على تشغيل الناس بأجرة عبارة عن كيلوغرامات معدودة من الدقيق وعلبة قصديرية من الزيت وأخرى من السمن، وبهذه العملية تربَّى الآلاف وبخاصة العنصر النِّسوي ، وبعد التعاون الوطني القَرص المخدِّر الفارض تكميم الأفواه بشكلٍ غريب ، ابتدع الملك الراحل الحسن الثاني فكرة "الإنعاش الو طني" ليُحَوِّل الأجرة من المواد الغذائية إلى مبالغ مالية لا تقدّم ولا تؤخّر ، بل تضع المستفيد (ومن الجنسين) في الوسط بين التمتُّع بوجبة غذائية واحدة في اليوم أو الفناء جوعاً , لتُتوَّج مثل المسيرة العجيبة بما أطلقوا عليه في أمريكا وصدَّروه لبلاد الدرجة الثالثة كالمغرب ، تحت عنوان "التنميَّة البشرية" التي ما حققَّت عمق المشكل المجتمعيّ المُعدم الإمكانات ، المرفوعة حقوقه لأجلٍ غير مٌسمَّى ، ولا أنجزت نفعاً مُدِرّاً للدَّخل يُلبّي حاجيات الحياة التي يطمح إليها فقراء الشعب المغربي قاطبة وما أكثرهم عدداً متزايداً سنة بعد أخرى .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى منيغ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/19



كتابة تعليق لموضوع : وسط الاستقلال مع الاختلال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net