صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

بغداد هذه الكائنة العجيبة
هادي جلو مرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كانت بغداد بحاجة الى هذا الإتفاق ، بما يشبه الإتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن ,التي بموجبها إنسحبت القوات الأمريكية التي إحتلت العراق لثمان سنوات كاملة..
بموجب الإتفاقية التي وقعتها أمانة بغداد مع الفنان التشكيلي الراحل محمد غني حكمت, فقد وضع الرجل تصاميم لأربعة نصب جديدة أحتلت ساحات رئيسية في العاصمة ,وبدأ العمل بها جميعاً, ومنها الذي إكتمل بالفعل (نصب بغداد) ,هذا النصب الجميل يمثل إمرأة تجلس ,وهي تضع ساقيها على بعض ,وترتدي ثياب العصور القديمة الشبيهة بتلك التي ترتديها نساء (ألف ليلة وليلة).
 تنظر جهة الجنوب ,وتضع على رأسها عمامة نسائية, بعينين متسعتين ,واثقة غير مبالية ، كأنها تؤشر قصة المدينة مع العواصف والهمجية والإحتلالات ,وصراع الأبناء فيما بينهم على إرث الأم الحانية التي يحسبونها تموت بين حين وآخر ، لكنهم يجهلون أنها طوت الأعصر والناس والحوادث في رحلتها الطويلة.
بغداد ماإشتبكت عليك الأعصر
إلا ذوت ووريق عمرك أخضر
أكون في حضرة هذه الكائنة العجيبة ضحى كل يوم حين أطوي المسافات من خارج العاصمة الى وسطها ,وعندما أعود في المساء مارا بساحة الأندلس بجانب الرصافة تتلفت تلك الكائنة أشعة الشمس في الصباح ,وتنسج من خيوطها أشرعة لمساء يرحل بعيدا .
كانت ساحة الأندلس المقابلة لمحال بيع الأطعمة السريعة مكانا مفضلا  لرمي النفايات ,وبقايا فضلات تلك المحال, وكانت رائحة (الأزبال) تطبع المكان ، وحين تتوقف السيارات في الاشارة الضوئية يتحسس الواحد منا أنفه لشدة الرائحة الكريهة متلهفا لرؤية الأشارة الخضراء! ..لسنوات والناس يرمون فضلات محالهم في تلك الساحة .تغيرت الأمور الآن فالمساحة المتاحة فرشت بالنجيل الأخضر ، وغرست فيها شتلات وأوراد ، عدا عن بعض الأشجار المغروسة من زمن بعيد ، لم يعد الناس يجرأون على فعلهم السابق, وقد تكون هيبة النصب أصابتهم بالرهبة.
قاعدة النصب ترتفع لعدة أمتار, ويحتاج المتطلع الى الكائنة العجيبة أن يرفع عينه الى السماء ليراها بوضوح, ونقشت على جوانب القاعدة المغلفة بالحجر الأبيض أبيات من الشعر تمجد بغداد ,وتتغنى بتاريخها المجيد وزهوها الأبدي.في مواضع أخرى من بغداد وضعت نصب تحكي قصة المدينة ، لكن النصب الجديد في ساحة الأندلس لتلك الكائنة يشير الى الجنوب حيث تقع ساحة كهرمانة, ولا يفصل بينهما سوى عدة مئات من الأمتار ,وتتطلع عينا بغداد الى كهرمانة ,وهي تصب الماء في الجرار ,بينما كهرمانة  تشعر بذلك ,وتتحسب له .
كلاهما ينعيان النحات محمد غني حكمت الذي توفي صيف العام الماضي, ونقل جثمانه الى بغداد من العاصمة الأردنية ، في مشهد يتوقعه هو ، لأنه لم يحتسب كثيرا لفكرة مغادرة المدينة الذهبية . لكن هذه هي الدنيا وهذه هي تقلبات الحياة التي تسحب الناس الى هوة سحيقة مادتها العذاب والأغتراب في رحلة محفوفة بالألم والحزن ,وقليل من الرجاء .
فدى لك يا بغداد كل قبيلة
 من الأرض خطتي ودياريا..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/14



كتابة تعليق لموضوع : بغداد هذه الكائنة العجيبة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net