صفحة الكاتب : فلاح المشعل

الاحتلال الأذكى .. والفشل الحتمي .
فلاح المشعل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يشهد تاريخ العراق على ماقدمه الاحتلال البريطاني من تأسيس للبنى التحتية للدولة العراقية من مشاريع النقل مثل سكك الحديد والموانئ والطيران واستكشاف النفط وتصنيعه وتصديره، كذلك في الصحة والتعليم والطرق والجسور وقوانين الإدارة والماليةويطول الحديث عن منجزات مازالت شاخصة الى وقتنا الراهن، رغم انقضاض الطائرات والصواريخ الامريكية عليها في حربين أنتهت بإحتلال امريكي جارف للعراق .

جاء الإحتلال الامريكي حاملا لوعود واحلام الديمقراطية التي يشكو جفافها مناخ العراق السياسي منذ سقوط نظام الملكية، واستبدل تلك الوعود بنظام سياسي هجيني يحمل عناوين ديمقراطية، لكنه يقوم على تفريق الآصرة الوطنية على أسس مكوناتية تحمل معها أسباب احترابها، وتضع نيران خلافاتها تحت رماد فسادها المتخادم بين أحزابها وشخوصها التي أوكل لها الإحتلال تمثيل طوائفها واعراقها بنحو شكلاني احتكاري زائف، سرعان ما فضحته الاحداث وأسقطته احتجاجات الجماهير العراقية من شمال الوطن الى جنوبه .

كشف الاحتلال الامريكي عن عدم امتلاكه لمشروع استراتيجي في العراق، وبات الأمر مترددا بين الادارتين الجمهورية والديمقراطية، مابين الانسحاب أو البقاء في العراق !؟ احتلال غير معني بالتحولات الكارثية التي اصابت العراق بوجود سلطة متشكلة من احزاب وتشكيلات تتبع ولاءها الطائفي، وتنتمي لعمقها الأثيني والقومي وتهمل كل مايعني بالمواطنية العراقية وحقوقها ، واقع سمح بإمتدادات وتدخلات ناعمة وصريحة لدول جوار العراق تحت انظار السفارة الامريكية، وبرغبة الاحزاب الحاكمة التي وفرت بيئات مستقبلة حتى غدا التواجد العسكري والميليشياوي لدول الجوار صارخا ومتحديا للنظام السياسي المسخ والهش وطنيا ، ماجعل دول الجوار تجد فرصتها التاريخية لتمارس النهش والتسليب الانتقامي من العراق الذي أرهبها طوال نصف قرن بقوة نظامه الدكتاتوري وسلاحه الفتاك واستعداده الدائم للحرب، مهما تعارضت الظروف ، وهو ماساهم بسرعة سقوطه المدوي عام 2003 .

نستطيع القول أن سياسة ايران في العراق نجحت أكثر من السياسة الامريكية، فالامريكي يتعامل مع القوي على الأرض، بينما الايراني يصنع القوي على الأرض تحت أكثر من عنوان، تارة بولاءات طائفية عقائدية، وأخرى تحت غطاء اسلاموي،وثالثة في حسابات النفوذ والمواقع المهمة في العراق، حتى صارت المواقع الرئاسية والوزارية والأمنية بالدولة لاتمر دون ختم موافقة طهران التي زحفت حتى الخط الثاني والثالث من مواقع المسؤولية بالعراق .

تفوقت سياسة ايران على امريكا بالعراق في سعيها لوجود نظام سياسي هش وضعيف ل"الدولة" والى جواره تشكيلات عقائدية مدنية وميليشياوية تمثل أذرع عسكرية لها، ومابين الأثنين تشتغل آليات اللادولة لتتوازن او تتفوق على الدولة ، وبهذا تستحكم بمراكز السلطة الفعالة ،المال والأمن والقضاء ، مستفيدة من الصناعة السياسية الامريكية لنظام سياسي عراقي مغترب وبلاحدود أو هوية مواطناتية عراقية .

السلطة القوية تكتسب طاقة استمرارها من الشعب وبالقدر الذي توفره له من حقوق وحريات ورفاهية عيش وخدمات، وتفقد طاقتها على الاستمرار مع قسوة الواقع وتضخم المعيشة وتزايد الأزمات وسقوط الاقنعة الطائفية والعرقية ، كيف يكون الحال ونحن نتحدث عن حكومة هشة فاسدة وضعيفة مراكز سلطتها تخضع لتبعيات طائفية واستقطابات دولية !؟ نعم انكشفت حقائق السلوك السياسي لاحزاب الفساد ونهب ثروات البلاد حتى أصبح العراق مثالا عالميا للتخلف والفساد القياسي !؟ عندها استيقظ الشعب على احتجاجات عارمة تواصلت منذ عام 2011 وتوجت بثورة تشرين 2019 التي رفعت درجة الغضب والرفض لأحزاب السلطة وتمدد دول الجوار ، ولم تزل إرادة تشرين تمد جذورها في جميع أرجاء الوطن العراقي الذي صار يعلن صراحة بمقاطعة الانتخابات ورفض النظام السياسي إذا لم يُصلح من سلوكه ويخرج من بحر الفساد .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح المشعل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/10/17



كتابة تعليق لموضوع : الاحتلال الأذكى .. والفشل الحتمي .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net