صفحة الكاتب : علي بدوان

تحالف بكين وطهران تماسك اقتصادي وسياسي
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعتبر جمهورية الصين الشعبية دولة غير منتجة للنفط عملياً، حيث إنتاجها من أراضيها محدود قياساً لكميات استهلاكها الداخلي. وتتركز حقول الإنتاج الداخلي للصين الشعبية في منطقة تيانجين قرب بكين وفي مقاطعة تشينج يانج غربي الصين.
كما تعتبر جمهورية الصين الشعبية دولة مستهلكة للنفط، إذ تحتاج كل يوم إلى أكثر من ستة ملايين برميل من النفط السائل المكرر، تستوردها بشكل أساسي من كل من ايران وانجولا وبعض دول الخليج وليبيا، فيما تحتاج إلى كميات ضخمة موازية من الغاز الطبيعي الذي تستورده أساسا من روسيا الاتحادية.
وتشير المعطيات الحكومية الصينية المنشورة مؤخراً، بأن ارتفاعاً ملحوظاً سجل على الطلب على النفط في الصين، في بلد تزداد فيه معدلات النمو باطراد ولو كان متأرجحاً في بعض الأحيان لأسباب عالمية تخص الاقتصاد العلمي وليس اقتصاد الصين وحده من عام لآخر، فقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة (8,9%) بالربع الأخير من العام الماضي 2011. وانطلاقاً من ذلك فقد ارتفع الطلب على النفط في الصين لمستوى قياسي جديد في ديسمبر الماضي 2011، بمعدل وسطي بلغ (9,64) مليون برميل يومياً، بزيادة قدرها (0,4%) عن مستواه قبل عام مضى، وارتفاعاً من معدل وسطي قدره (9,5) مليون برميل يومياً في نوفمبر الماضي 2011. وبشكل عام فقد نما الطلب على النفط في الصين بنسبة (6,8%) مقارنة مع قفزة بلغت (12%) عام 2010.
إن الصين الشعبية ثاني اكبر مستهلك للنفط على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، حيث أظهرت المؤشرات والتقارير الحكومية الصينية المنشورة أن متوسط استهلاك النفط بالصين عام 2011 بلغ (9,24) مليون برميل يومياً بزيادة قدرها (590) ألف برميل يومياً عن المتوسط المسجل عام 2010 والبالغ (8,65) مليون برميل يومياً.
إن الصين تستورد حاليا نحو (21%) من إجمالي صادرات النفط الإيرانية التي تبلغ (2,5) مليون برميل يومياً، فيما تصدر إيران نحو (18%) من نفطها الخام إلى عموم دول أوروبا, التي أصبحت بذلك ثاني أكبر مستهلك للنفط الإيراني بعد الصين. فيما تستورد اليابان نحو (240) ألف برميل يومياً من النفط الإيراني.
إن سياسة الصين النفطية تقوم على مبدأ تعددية المصادر، وتجنب الاعتماد على مصدر واحد خشية من الوقوع في مطب الاحتكارات النفطية أو التحكم بالأسعار، ولذلك فهي تعارض وعلى طول الخط ما يحاك ضد إيران على صعيد منعها من تصدير نفطها وحرمانها من ثرواتها الضخمة في سياق الضغوط الغربية عليها إزاء برنامجها النووي للاستخدام السلمي للطاقة النووية، لذلك تعارض الصين العروض التي قدمت إليها باغراءات معينة وبتخفيض للأسعار مقابل وقف تدفق النفط الإيراني إليها.
كما أن النفط الإيراني له أولوية من جانب الصين نظراً لأمرين اقتصاديين، أولهما قرب إيران من الصين عموماً وبالتالي توفير كلفة إيصال النفط إليها. وثانيهما جودة النفط الإيراني وانخفاض نسبة الرصاص فيه.
في هذا السياق، فان جهود الولايات المتحدة لإحكام الحصار على ايران، والضغط على بعض دول العالم لوقف استيراد النفط الإيراني والاستعاضة عنه بنفط دول خليجية كالسعودية وغيرها لن يجدي نفعاً مع دولة كبرى كالصين التي تحترم اتفاقاتها التجارية وعلاقاتها الاقتصادية مع إيران، كما تحترم نفسها كدولة كبرى مقررة في الخريطة السياسية الكونية وبالتالي فهي ليست دولة ملحقة أو تابعة. فالصين دولة مستقلة ذات سيادة، ومن المستحيل أن تتبع الولايات المتحدة بخطوات عمياء، كما أن كافة التبادلات التجارية بين الصين وإيران تستند إلى المعايير القانونية الدولية للمعاملات، وليس هناك أي انتهاكات.
لقد صادقت قمة الاتحاد الأوروبي الطارئة على حزمة جديدة من العقوبات ضد طهران وضعها وزراء خارجية الدول الأعضاء، وضمنا فرض الحظر على شراء النفط الخام الإيراني. جاء هذا الاعلان على لسان رئيس الاتحاد (هيرمان فان رومباي) في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل يوم الاثنين 30 يناير ، لكنها تراجعت عملياً عن قرارها بعدما بدا لها أن طهران تملك الكثير من البدائل لتسويق نفطها، بل العكس فقد باتت إيران تهدد بوقف تصدير نفطها لبعض الدول في غرب أوروبا.
إن جولة رئيس وزراء الصين الأخيرة لعدد من دول الخليج، تناولت العلاقات الثنائية بما فيها النفطية بعيداً عن الموضوع الإيراني أو التلويحات الأمريكية التي جرت بشأن منع ايران من تصدير نفطها. وتشير المعلومات بهذا الصدد بأن الدبلوماسية الصينية رفضت التقديمات الاغرائية بتخفيض أسعار النفط المصدر إليها من بعض البلدان المنتجة له لدفعها نحو تفكيك علاقاتها النفطية مع إيران.
وعند الحديث عن العلاقات النفطية بين الصين وإيران، فان العلاقات الاقتصادية بين البلدين على غاية من الأهمية بشكل عام، حيث ازداد التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 2011، بنسبة تقارب (55%) ليصل لأكثر من (45) مليار دولار، بزيادة مقدارها (16) مليار دولار مقارنة منذ 2010. وبذلك باتت الصين أول شريك تجاري لإيران، خاصة وأنها تشتري منها كميات كبيرة من النفط، في حين لم تتجاوز قيمة التبادل بين البلدين أربعمائة مليون دولار قبل خمسة عشر عاماً. وعلى هذا الأساس فان سياسة العقوبات الاقتصادية على إيران التي تريدها الولايات المتحدة تنعكس سلباً على المصالح الاقتصادية الوطنية والاستراتيجية للصين، فإيران مصدر نفطي مهم للصين وللشركات الأجنبية المتعاقدة وأكبر سوق للصادرات الصينية.
وعليه، إزاء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد إيران لإجبارها على وقف تطوير برنامجها النووي للاستخدام السلمي، أعلنت الصين أكثر من مرة معارضتها للعقوبات الأحادية الجانب التي تبنتها الدول الغربية مستهدفة القطاعين المالي والنفطي في إيران، داعية في الوقت نفسه لتسوية الخلافات الدولية عبر الحوار والمشاورات.
وخلاصة القول، تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لإيران (بدلاً من الاتحاد الأوروبي)،وأكبر مشتر للنفط الإيراني، وأكبر مستثمر أجنبي في ايران التي تحتل المرتبة الرابعة في تصدير النفط في العالم، وهي ثالث أكبر مصدر للنفط للصين، حيث تمتلك إيران مصادر متعددة ورخيصة من النفط والغاز تشكل أهمية كبرى لاستهلاك الطاقة في الصين. ومن مصلحة الصين الاحتفاظ بعلاقات ودية والتعاون مع طهران.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/12



كتابة تعليق لموضوع : تحالف بكين وطهران تماسك اقتصادي وسياسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net