صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

إفتراء صوفي على الإمام السجاد (عليه السلام)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم 
  
تذكر بعض المصادر الشيعية، المتأخِّرة والمعاصر، الابيات التالية أو بعضها وتنسبها للامام علي زين العابدين السجّاد (صلوات الله عليه)، وهي: 
  
إني لأكتم من علمي جواهره    ***   كيلا يراه ذووا جهل فيفتتنا 
وقد تقدم في هذا أبو حسن       ***   إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا 
يا رب جوهر علم لو أبوح به   ***   لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا 
ولاستحل رجال مسلمون دمي  ***   يرون أقبح ما يأتونه حسنا 
  
ومع الاسف فإنَّ هناك تساهلاً احياناً في نقل بعض المعلومات بدون تحقيق وهذا التساهل تسبب في تمرير هذه الفرية الصوفيِّة وتغلغلها في بعض المصادر الشيعية، مع الأسف! 
  
هذه الابيات الشعرية المنسوبة للامام السجاد (عليه السلام) لم اعثر عليها في كتب الشيعة المعتبرة قبل القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)! وقد وجدتُ المصادر الشيعية التالية التي ذكرت هذه الفرية الصوفيّة، دون تحقيق: 
1.     جامع الاسرار  سيد حيدر الآملي (القرن 8 هـ). 
2.     مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي (توفي حوالي أو بعد 813هـ). 
3.     مفتاح الفلاح  الشيخ البهائي (متوفى 1031هـ). 
4.     الأصول الأصيلة ، الحقائق في محاسن الأخلاق ، المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء ، الوافي  جميعها للفيض الكاشاني (توفي 1091هـ). 
5.     الأنوار النعمانية ، رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (ع)  كلاهما للسيد نعمة الله الجزائري (توفي 1112هـ). 
6.     الأربعين - الشيخ الماحوزي (توفي 1121هـ). 
7.     الرسائل الاعتقادية  الشيخ محمد اسماعيل الخواجوئي (متوفى 1173هـ). 
8.     التحفة السنية - السيد عبد الله الجزائري (توفي 1180هـ). 
9.     طرائف المقال - السيد علي البروجردي (توفي 1313هـ). 
10.  نفس الرحمن في فضائل سلمان - ميرزا حسين النوري الطبرسي (توفي 1320هـ). 
11.  أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين (توفي 1371هـ). 
12.  الغدير - الشيخ الأميني (توفي 1392هـ).  
13.  الانسان والعقيدة ، رسالة الولاية  كلاهما للسيد محمد حسين الطباطبائي (متوفى 1402هـ). 
14.  شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي توفي 1411هـ). 
15.  الروح المجرد (في ذكرى السيد هاشم الموسوى الحداد)  السيد محمد حسين الطهراني (متوفى 1416هـ). 
16.  الانوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة  الشيخ جواد بن عباس الكربلائي. 
17.  العلم والحكمة في الكتاب والسنة - محمد الريشهري. 
18.  بلاغة الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) - جعفر عباس الحائري. 
19.  موسوعة المصطفى والعترة (عليهم السلام) - الحاج حسين الشاكري. 
20.  الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي. 
21.  حقيقة علم آل محمد (عليهم السلام) وجهاته - السيد علي عاشور. 
22.  شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور (فارسي) - الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني. 
23.  موسوعة العقائد الإسلامية - محمد الريشهري. 
24.  الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام) - محمد بيومي مهران. 
  
وأول من نُسِبت اليه هذه الابيات هو الحسين بن منصور الحلّاج (توفي 309هـ) وهو أول شيعي إمامي صوفي!! ، حيث إنَّ ابن ابي الحديد المعتزلي (متوفى 656هـ) في شرح نهج البلاغة نسب هذه الابيات للحلّاج، ولذلك نجدها حالياً في الديوان الذي جمع أشعاره![1] 
  
وأقدم مصدر معروف ذكر هذه الابيات هو كتاب تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (متوفى 463هـ)، وذكر ان هذه الابيات هي للشاعر كلثوم بن عمرو العتابي التغلبي، حيث جاء فيه: (كلثوم بن عمرو، أبو عمرو العتابي: كان شاعرا خطيبا بليغا مجيدا، وهو من أهل قنسرين وقدم بغداد ومدح هارون الرشيد وغيره من الخلفاء والأشراف، وله رسائل مستحسنة، وكان يتجنب غشيان السلطان قناعة وتنزها، وصيانة وتقززا . وكان يلبس الصوف ويظهر الزهد)... وقال: (وكان العتابي منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد ووصلوه به، فبلغ عنده كل مبلغ وعظمت فوائده منه) ... الى ان يقول: (أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد، حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله الشيباني قال: حدثني كلثوم بن عمرو بن كلثوم التغلبي قال: أنشدني أبي أن جده كلثوم بن عمرو أنشده لنفسه: 
  
إني لأخفي من علمي جواهره *** كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتناً 
ورب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثناً 
ولاستحل رجلا دينون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسناً  
وقد تقدم في هذا أبو حسن *** أوصي حسينا بما قد خبر الحسناً)[2]. 
  
هذا هو أصل الشعر، ثم فجأة يظهر هذا الشعر في أحد مؤلفات ابي حامد الغزالي الصوفي والشافعي المذهب (متوفى 505هـ)، ناسباً إياه للامام علي السجاد (عليه السلام)! حيث قال في كتابه (منهاج العابدين): (ألم تسمع الى قول زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، رضي الله عنهم، حيث يقول مضمِّننا: [البسيط] 
إنّي لأكتم من علمي جواهره *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا 
وقد تقدم في هذا ابو حسنٍ *** الى الحسين وأوصى قبله الحسنا 
يا رب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا 
ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا)[3]. 
  
ثم جاء ابن عربي الصوفي والظاهري المذهب (متوفى 638هـ) ونسب في الفتوحات المكية أن هذا الشعر هو للامام السجاد (عليه السلام)، ذكر ذلك في موضعين في كتابه الفتوحات المكية. حيث جاء في الموضع الاول قوله: (ولم يكن لقول الرضي من حفدة علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم معنى إذ قال يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا)[4]. وفي الموضع الثاني قوله: (وإلى هذا العلم كان يشير على ابن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين عليهم الصلاة والسلام بقوله فلا أدري هل هما من قيله أو تمثل بهما يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا)[5]. فالمهم عند ابن عربي ان الامام السجاد (عليه السلام) نطق بهذا الشعر سواء كان هو قائله أم استشهد به، فمن اين علم ابن عربي بذلك؟ وما هو المصدر الذي اعتمد عليه؟! 
  
ثم فعل الامر نفسه، جلال الدين الرومي (متوفى 672هـ) في كتابه المثنوي، حيث نسبه للامام السجاد (عليه السلام)[6]، رغم أنَّه عاد في موضع آخر من نفس الكتاب فنسب الشعر للامام الحسن السبط (صلوات الله عليه)[7]، في تخبّط واضح[8]!! 
  
وكذلك فعل ابن الدباغ الصوفي (متوفى 696هـ) في كتابه (مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب) حيث نسب الابيات الشعرية للامام السجاد (عليه السلام)[9].  
ثم نجد عبد الكريم بن ابراهيم الجيلي (متوفى 832هـ) وهو من ائمة الصوفية، في كتابه (المناظر الإلهية) أيضاً يذكر هذا الشعر منسوباً للامام السجاد (عليه السلام)[10]!!  
وكذلك نجد عبد الوهاب الشعراني الشافعي (متوفى 973هـ) وهو من ائمة الصوفية ويسمونه "القطب الرباني"، ينسب الشعر للامام السجاد (عليه السلام) في كتابه (اليواقيت والجواهر)[11]!! 
  
فشاع هذا الادعاء وتلاقفه متصوِّفة الشيعة وبنوا عليه استدلالات وحجج وبراهين!! وهو احد مستنداتهم في ان للامام علم باطني وأسرار لا يُعلّمها لأتباعه ولا للناس مرتبطة بقواه الاعجازية وولايته التكوينية ووقال بعضهم انَّه مظهر الاسم الاعظم فهو الخالق والرازق والمغيث والكافي والمنتقم والجبّار!! 
  
وفي الموقع الوهابي (الدرر السنية) وهو تحت اشراف الدكتور علوي بن عبد القادر السقّاف، كتبوا في "موسوعة الفرق" افتراءات على الشيعة حيث اتهموهم بقولهم: (كما كذبوا على عليّ بن الحسين زين العابدين أنه قال: 
(يا ربّ جوهر علم لو أبوح به  *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثـــنا 
 ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتـــونه حســــــنا 
إني لأكتم من علمي جـــواهره *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتننا)[12]. 
  
وهؤلاء المساكين لا يعرفون ان أئمة الصوفية هم المتهمون بحسب البحث التاريخي بالكذب على علي بن الحسين (عليهما السلام) وليس الشيعة، او لنقل هم اول من وجدنا أنَّهم نسبوا هذه الفرية للامام السجاد (عليه السلام)، وإنما بعض المتصوّفة من الشيعة وثقوا بإبن عربي - وبقية أئمة الصوفية فيما يبدو - وظنوا انه لا يقول باطلاً فتلقفوا منه كلامه دون تمحيص!! كما ان هؤلاء الوهابية لا يعرفون ان العز بن عبد السلام (توفي 660هـ) وهو الشافعي المذهب وإمامهم في زمانه والصوفي المشرب، في كتابه (حل الرموز ومفاتيح الكنوز) ينسب هذا الشعر الى الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)[13] وهو متفرّد بهذه النِسبة، فمن اين جاء بها؟!! 
  
وأول من بلغنا أنَّه قال ذلك من الشيعة المتأثرين بابن عربي وتصوّفه هو سيد حيدر الآملي (القرن 8هـ)، في كتابه الشهير (جامع الاسرار)، حيث جاء فيه: (والى هذا كله أشار الامام المعصوم زين العابدين عليه السلام في ابيات منسوبة اليه، وهو قوله: 
  
إنّي لأكتم من علمي جواهره *** كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا 
وقد تقدمنا في هذا أبو حسنٍ *** مع الحسين وأوصى قبلها الحسنا 
يا رب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممَّن يعبد الوثنا 
ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا)[14]. 
  
وكذلك نقل سيد حيدر الآملي في كتابيه (تفسير المحيط الأعظم)[15] و(المقدمات من كتاب نص النصوص)[16] نص كلام ابن عربي الذي نسب فيه الشعر للامام السجاد (عليه السلام)!  
  
أيضاً في القرن الثامن الهجري، نجد الشيخ شمس الدين محمد بن محمود آملي، من متصوّفة الشيعة، ينسب هذا الشعر أيضاً للامام السجاد (عليه السلام) في كتابه باللغة الفارسية واسمه (نفائس الفنون في عرائس العيون)[17]! 
  
ثم بعده الحافظ رجب البرسي (توفي حوالي أو بعد 813هـ)، وهو أيضاً من المتأثرين بالتصوّف، ذكره في كتابه (مشارق انوار اليقين)[18]. 
  
ثم بعده الفيض الكاشاني (توفي 1091هـ)، وهو تلميذ ملا صدرا في مدرسته الصوفية التي اطلق عليها اسم (مدرسة الحكمة المتعالية) المنتمية لتراث ابن عربي! حيث ذكر هذه الابيات في كتابه (الاصول الاصيلة)[19]. 
  
ثم بعد ذلك انتشرت نسبة هذه الابيات في مؤلفات الشيعة كل يعتمد على نقل من سبقه دون تدقيق!  
  
وهناك بعض الصوفية من أهل السنّة نسب هذه الابيات الشعرية للامام الصادق (عليه السلام) منهم عبد القادر بن حمزة بن ياقوت الأهري (متوفى 675هـ) في كتابه (الأقطاب القطبية أو البلغة في الحكمة)[20] وأيضاً بدون أن يذكر مصدراً لنقله!!  
  
وأيضاً نجد ابن عطاء الله السكندري في كتابه (اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية) ينسبه تارة للامام الصادق (عليه السلام)[21] ثم يعود لينسبه في موضع آخر من نفس الكتاب للإمام السجاد (عليه السلام)[22]!! 
هكذا يستحلون ان ينسبوا لأهل البيت الاطهار (عليهم السلام) كلاماً دون أن يتوثقوا منه، وكأنما الكذب عليهم هو كسائر الكذب على باقي الناس!! 
  
  
الإشكاليات في معنى الابيات: 
  
اول إشكال ان صاحب الشِعر يتحدث عن كتمانه علمه لكيلا يفتن به الناس! وفي مقابل ذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم)[23]. فلا كتمان للعلم والهدى بل إظهار له بحسب مستوى ذهن المتلقي، طبعا عدا حالات التقيّة، وهي بحث آخر. 
وكتمان العلم مرفوض في الاسلام، نعم لا يعطى العلم الا لأهله، ولكن ان يتم التكتم عليه مطلقاً كما في الشِعر آنفاً، ولا يُعطى لأحد بذريعة انه قد يسبب الافتتان وسوء الظن بالوثنية وغيرها، فهذا ما لا يقبله الاسلام لأنه جاء بشريعة واضحة بيّنة محورها التوحيد الخالص. 
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ((وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))[24]. 
وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ))[25]. 
ونقرأ في بعض الروايات النهي عن كتمان العلم، وهو بخلاف مطلب هذه الابيات الشعرية التي يدّعي قائلها انه يكتم علمه لكيلا يُتَّهم بالوثنية!! 
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنّ عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل لاتحدّثوا بالحكمة الجهّال فتظلموها، ولاتمنعوها أهلها فتظلموهم، ولاتعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم) الحديث[26]. 
وفي نوادر الراوندي عن رسول الله (صلى  الله  عليه  وآله) أنَّه قال: (من نكث بيعةً أو رفع لواء ضلالة أو كتم علماً أو اعتقل مالاً ظلماً أو أعان ظالماً على ظلمه وهو يعلم أنّه ظالم فقد برىء من الإسلام)[27]. 
وفي امالي الشيخ الطوسي عن الامام الصادق (عليه  السلام) قال: (نَفَس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله)، ثم قال الامام عليه السلام: (يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب)[28]. فالامام لا يكتم اسراره عن اتباعه بل الاتباع هم المكلّفون بكتمان سر إمامِهم (عليه السلام) فلا يبرزونه أمام الطغاة والظالمين والنواصب، بخلاف ما ورد في الشِعر الذي لا يبوح فيه الشاعر بأسراره! 
  
والإشكال الآخر قوله انه اذا أظهر علمه فسيقال له انه ممن يعبد الوثنا، وهذا يعني ان علمه ليس علم هدى، لأن كلام الهدى هو الكلام المنسجم مع القرآن الكريم، ولذلك أمرنا أئمتنا الاطهار (صلوات الله عليهم) بعرض الروايات التي تصلنا والمنسوبة اليهم على القرآن الكريم فإن كانت حقاً لم تخالفه. وأمّا أن يقول شخص أنَّ عقيدته وعلمه اذا سمعتموه فستورث القول بالوثنية فهذا يعني انها عقيدة وعلم باطل.  
طبعاً المتصوِّفة يؤولون كلام الشاعر بأنَّه يعني أن علمه ذو مضامين عالية لا يدركها الا "خواص الخواص" من الناس، بحيث ان الانسان البسيط لو سمع هذا العلم لظن انه شرك وان قائله يعبد وثناً!! مع إنّ القرآن الكريم وهو كتاب الهدى للإنسانية جميعها، واضح في بيان عقيدة التوحيد ونبذ الشرك والوثنية بعبارات واضحة لا لبس فيها. فما جاء في الشعر أنَّ المتلقي يفهم من علمه الذي "لا يبوح به" أنّه مبني على عقيدة وثنية شركية وفق المقاييس الاسلامية (لقيل لي أنت ممَّن يعبد الوثنا) أو ان المقابل يفهمه كعقيدة وثنية فيرفضها وهي حق بسبب كونها عقيدة توحيدية!! فأصبح الامر خلاف المتعارف في الاسلام، حيث ان الاصل في عقيدة المسلمين هي أنها عقيدة توحيدية فإذا شابتها شائبة شرك جلي أو خفي اصبحت عقيدة شركية!! امّا هؤلاء المتصوّفة أصبح عندهم {توحيد جلي}، وآخر{توحيد خفي} لا يعلمه الا صاحب هذا الشعر! 
وأما ان يقال ان معنى العبارة هي كتمان العلم الا عن اهله، فهذا لم يرد في الشعر، لأنه يقول (لو أبوح به لقيل لي أنت ممَّن يعبد الوثنا) فهو لم يبح به بل اشار اليه فقط وترك الناس حيارى في أمره!! 
فالشاعر إنْ لم يبح بعلمه فهو كتمان للعلم، وهو منهي عنه، لاسيما كتمان العلم عن اهله. وإنْ باح بعلمه لبعض اصحابه ولم ينسبوه للوثنية فهو تكذيب لظنه المذكور في الشعر! وإن نسبوه للوثنية فهي نسبة وفق القواعد الاسلامية في الكتاب والسُنّة. وفي جميع الحالات هناك مفاسد لا يمكن ان تُنسب للمعصوم (عليه السلام). 
فهل يُعقل ان الامام السجاد (عليه السلام) كان يكتم علمه الحقيقي عن تلاميذه وفيهم النابهون والافذاذ، من أمثال: 
ابان بن تغلب. 
اسماعيل بن عبد الخالق. 
ابو حمزة الثمالي (ثابت بن أبي صفية). 
رشيد الهجري. 
زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام). 
سعيد بن جبير. 
محمد بن جبير بن مطعم. 
يحيى بن أم الطويل. 
أبو خالد الكابلي. 
القاسم بن محمد بن أبي بكر. 
  
وإما أن يزعم احدهم فيقول ان من دلالة إنتساب هذا الكلام الى الامام السجاد (عليه السلام) هو قوله: (وقد تقدمنا في هذا أبو حسنٍ *** مع الحسين وأوصى قبلها الحسنا)! فأين الدلالة في ذلك! فيمكن لأي إنسان شيعي أن يقول هذا الكلام بل وأي انسان محب لآل البيت الاطهار (عليهم السلام).  
ثم أين وردت الروايات بأن الامام ابا الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال ذلك وأوصى بها ولداه! لماذا لم تنقل روايات الشيعة وأهل السنّة ذلك؟!  
وهل جاء الاسلام لطمس وثنية قريش والعرب وسائر الأمم، أم لإحيائها بأشكال جديدة! فتصبح "الوثنية الجديدة المكتومة" هي الحق ويصبح التوحيد عقيدة ظاهرية غير حقيقية!! أم يا ترى توحيده قائم على صفات الوثنية، كأن يكون للإله حد وجهة وانّه لا يعلم ما يدور حوله في الكون، بل على حد تعبير الدكتور حسام الآلوسي وهو يشرح عقيدة ارسطو التي فهمها ابن رشد ان الإله ليس له أي دور في حركة الكون فهو ليس علّة فاعليّة لحركة الكون وإنما علّة غائية كمعشوق لحركة الكون نحوه! فكل شيء يدور ويتحرك نحوه، وهو لا يدري ان هناك من يعشقه ويتحرك ويُحرّك!! وإنما الأفلاك هي صاحبة العلّة الفاعليّة!! كفلك القمر والفلك المحيط وبقية الكواكب والافلاك هي التي تتحرّك وتثحرّك وتدير العالم!! هذه هي عقيدة ارسطو وابن رشد في الإله والتي انتقلت فيما يبدو الى المتصوِّفين[29] الذين استثمروا هذا الشعر الساذج!! فترى المتصوِّفين المولوية اتباع جلال الدين الرومي الذين يرتدون ملابس دائرية وطرابيش ويرقصون بالدوران حول انفسهم يحاكون بذلك حركة الكواكب التي تدور حول نفسها وأفلاكها بزعمهم انها تتحرك نحو الإله لأنها تعشقه!! وهم يفعلون ذلك بظنهم انه نوع من ابراز العشق للإله[30]!! وهي في حقيقتها وثنيِّات غنوصية تحاول الاستيلاء على الاسلام.     
هكذا يستغل المتصوّفة شِعر عمرو بن كلثوم العتابي فينسبونه للامام السجاد (عليه السلام) كما ينسبون طريقتهم كلها له ولبقية أئمة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) افتراءً عليهم!! ثم يروّجون بين الناس انهم أصحاب {أسرار} و{علوم باطنية} و{علوم خاصة} و{عقيدة الخواص وخواص الخواص} وان التصوّف يتطلب {محققين في المعرفة بالاسرار} وأنَّ {هذه العلوم لا يتحملها غيرهم}! وأنَّ {النفوس تتفاوت حسب جبلاتها واستعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة}! وما كتبه حيدر الآملي في كتابه (جامع الأسرار):  
علم التصوف علم ليس يعرفه *** الا أخو فطنة بالحق معروف 
وليس يبصره من ليس يشهده *** وكيف يبصر ضوء الشمس مكفوف[31]! 
وما هي الا تعابير يحاولون التأثير بها على نفسية وذهنية المتلقي ليتقبَّل أفكارهم هذه والتي لا يمكن لمسلم ملتزم بالتوحيد والعترة الطاهرة (صلوات الله عليها) ومقتصراً عليهما في معارفه، أن يتقبلها. 
فالشيعي الحقيقي لا يمكن أن يقبل مصدراً معرفياً غير معارف آل البيت (عليهم السلام)، وكذلك لا يقبل بخلط معارف أخرى بمعارفهم (عليهم السلام). هذا هو مختصر القضية والخلاف مع ملا صدرا واتباعه من مدرسة الحكمة المتعالية الشيعية المنتمية الى تراث ابن عربي الصوفي السُنّي!  
  
  
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
الهوامش: 
[1] شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد المعتزلي / تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم / دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه / مؤسسة مطبوعاتي اسماعيليان - ج11 ص222. 
  ديوان الحلّاج / تحقيق وتصحيح محمد باسل عيون السود / دار الكتب العلمية في بيروت / الطبعة الثانية، 2002م  ص187. 
[2] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (متوفى 463هـ) / دار الكتب العلمية في بيروت / الطبعة الاولى، 1417هـ، 1997م - ج12 ص486 و487. 
[3] منهاج العابدين الى جنة رب العالمين/ ابو حامد محمد بن محمد الغزالي / تحقيق الدكتور محمود مصطفى حلاوي/ مؤسسة الرسالة في بيروت / الطبعة الاولى، 1409هـ، 1989م - ص50. {افتتاحية الكتاب} 
[4] الفتوحات المكية / ابن عربي / دار صادر في بيروت  ج1 ص32. 
[5] الفتوحات المكية / ابن عربي / دار صادر في بيروت  ج1 ص200. 
[6] المثنوي المعنوي / جلال الدين الرومي / المجلس الاعلى للثقافة في القاهرة / الطبعة الاولى، 1416هـ - ج5 ص536. 
[7] المثنوي المعنوي / جلال الدين الرومي  ج6 ص613. 
[8]  سيمر علينا مثله مع ابن عطاء الله السكندري! 
[9] مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب / عبد الرحمن الأنصاري الدباغ / تحقيق عاصم ابراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي / دار الكتب العلمية في بيروت / الطبعة الاولى  ص75. 
[10]  المناظر الإلهية (ويليه شرح مشكلات الفتوحات المكية لابن عربي) / عبد الكريم بن ابراهيم الجيلي / تحقيق عاصم ابراهيم الكيالى الحسيني الشاذلي الدرقاوي / دار الكتب العلمية في بيروت / الطبعة الاولى، 2004م  ص48. 
[11] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر (وفي الحاشية الكبريت الأحمر) / عبد الوهاب الشعراني / دار احياء التراث العربى ، موسسة التاريخ العربى  بيروت / الطبعة الاولى، 1418هـ - ج1 ص46. 
[12] الموقع الالكتروني الدرر السنيّة، موسوعة الفرق المنتسبة للاسلام، المبحث الثالث عشر: التقية، عبر الرابط:  https://bit.ly/3DKctjw  
[13] زبدة خلاصة التصوف (حل الرموز ومفاتيح الكنوز) / العز بن عبد السلام / تحقيق احمد عبد الرحيم السايح وتوفيق على وهبة / الناشر مكتبة الثقافة الدينية في القاهرة / الطبعة الاولى، 1430هـ - ص167. 
[14] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر آملي / تصحيح هنري كربين وعثمان اسماعيل يحيى / ترجمة سيد جواد طباطبائي / معهد ايران وفرنسا للبحث العلمي في طهران، قسم الدراسات الايرانية، في طهران، شارع فرهانج، 1347هـ، 1969م  ص34 و35. 
[15] تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم / سيد حيدر الآملي / تحقيق محسن موسوي تبريزي / الناشر: نور على نور في قم المقدسّة / الطبعة الثالثة، 1422هـ - ج1 ص495. 
[16] المقدمات من كتاب نص النصوص / سيد حيدر الآملي / الناشر: قسمت ايرانشناسي انستيتو ايران و فرانسه پژوهشهاي علمي در ايران  تهران / الطبعة الاولى، 1352هـ.ش  ص41. 
[17] نفائس الفنون في عرائس العيون / شمس الدين محمد بن محمود آملي / تحقيق ابو الحسن الشعراني / الناشر: اسلامية  تهران سنة 1381هـ.ش.  ج2 ص93. 
[18] مشارق أنوار اليقين / الحافظ رجب البرسي / تحقيق السيد علي عاشور / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت، 1419هـ - 1999م - ص 23 و24. 
[19] الأصول الأصيلة / الفيض القاساني / سازمان چاپ دانشگاه - ايران / 1390هـ - ص167. 
[20] الناشر (انجمن فلسفه ايران - تهران)، سنة 1358هـ.ش. 
[21] المصدر المذكور / تحقيق عاصم ابراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي / دار الكتب العلمية في بيروت / الطبعة الاولى، 1424هـ - ص13. 
[22] المصدر السابق  ص68. 
[23] الأصول من الكافي / الشيخ محمد بن يعقوب الكليني / تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري / دار الكتب الاسلامية في طهران / مطبعة حيدري، الطبعة الخامسة، 1363هـ.ش. - ج1 ص23. 
[24] سورة البقرة الآية (42). 
[25] سورة البقرة، الآية (159). 
[26] الأمالي / الشيخ الطوسي  (رض) / تحقيق قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة / الناشر دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع في قم المقدسة / الطبعة الاولى، 1414هـ   ص382. 
[27] النوادر / السيد فضل الله بن علي الحسني الراوندي (توفي 571هـ) / تحقيق سعيد رضا علي عسكري / دار الحديث الثقافية / الطبعة الاولى  ص128. 
وورد الحديث في بحار الانوار بالاسناد التالي: (نوادر الراوندي: بإسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:) الحديث. انظر: بحار الانوار / العلامة المجلسي (رض) / تحقيق السيد ابراهيم الميانجي ومحمد باقر البهبودي / دار إحياء التراث الروسي في بيروت / الطبعة الثالثة 1403هـ، 1983م - ج72 ص379. 
[28] الأمالي / الشيخ الطوسي (رض) / تحقيق قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة / الناشر دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع في قم المقدسة / الطبعة الاولى، 1414هـ  ص115. 
[29] رغم ما بين الفلاسفة والمتصوّفة من خلاف، الا أنَّ هدفهم الغنوصي واحد فيما يبدو! 
[30] أزليّة العالم ودور الإله عند ابن رشد / الدكتور حسام محي الدين الآلوسي / دار ومكتبة البصائر في بيروت / الطبعة الاولى 1431هـ،2010م - ص173. 
[31] جامع الاسرار / حيدر الآملي - ص196. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/22



كتابة تعليق لموضوع : إفتراء صوفي على الإمام السجاد (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net