صفحة الكاتب : صادق غانم الاسدي

المشروع السياسي والجهادي للحوزة العلمية في العراق
صادق غانم الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعتبر الحوزة العلمية وريثة الرسالة المحمدية والقاعدة المتكاملة وحلقة وصل الإمامة بين ما أجتهد ونطق من فكر وعلوم أهل البيت وما ظهر عن إرساله للتطبيق لكافة المسلمين دون استثناء , نظراً لامتدادها العقائدي في مسار الرسالة الإسلامية المحمدية بدءاً من رسولنا الكريم إلى الأئمة ثم نواب الأمام حتى زمن مراجعنا العظام , فقد حملت بأمانة لاشك فيها مشعل الفكر ونور الإسلام والإرث الديني وتنوع العلوم والوقوف إلى جانب الحق والعدل ووهجت بحججها كل زوايا الدنيا ليعم الخير والسلام والزهد بين البشرية جمعاء , وجاهدت وتحملت ونطقت محافظة على كل قطرة دم تراق في صروح الظلمة , فهي روضة المعرفة والبحث ومصنع العلم والعلماء , لم يتعطل دورها ولن يتوقف أنتاجها في رفد معاني التضحية منذ تأسيسها حتى يظهر الله حجته, تميزت الحوزة خلال تأسيسها زمن الشيخ الطوسي ( قدس سره) بحضور لايغيب لكل ميادين الصراعات الفكرية والسياسية ونجحت في إيصال فتاوها لغلق كل ثقوب المؤامرات وشاركت أيضا مع ثورات التغيير الجذري للأنظمة الفاسدة وحفظة دماء المسلمين كما رأينا زمن المرجع السيد السيستاني دام ظله الوارف عندما وحد صفوف العراقيين ونبههم من الدسائس التي تحاك ضدهم , وأفتى بحرمة الدم العراقي ووقف بقوة مع وحدة الوطن , وقطع دابر انزلاق العراق للمجهول الدموي في أحرج الظروف ,, عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى نجحت بريطانيا العظمى في بسط نفوذها على العديد من الدول وبالخصوص الإسلامية , وتقدمت إلى العراق واحتلت البصرة في 5/ 10/1914 , وبعد معارك خاضتها بريطانيا مع الدولة العثمانية , تم دخول القوات البريطانية إلى بغداد في 11/3/1917 , رأوا من حسن السياسة والمصلحة ترك بعض المدن المقدسة في الفرات الأوسط أن تدار من قبل زعمائها وشيوخها كما كانت في الأيام الأخيرة لحكم العثمانيين في العراق , لكن سرعان ما تشكلت جمعية النهضة الإسلامية  التي استهدفت تخليص العراق من براثن الاستعمار البريطاني وبث الوعي السياسي في صفوف المسلمين لمحاربة الكافرين , ومن أعضائها السيد محمد علي بحر العلوم , والشيخ محمد جواد الجزائري , والشيخ محمد علي الدمشقي وآخرين , فعمدت هذه الجمعية إلى قتل الكابت البريطاني ( مارشال ) في ( خان عطية) الذي اتخذ مقر له , وبعد أن القي القبض على المهاجمين تم إعدام 11 منهم يوم الثلاثاء 30ــ مايس ــ 1918 في خان الحاج محسن شلاش , ثم عمدت القوات البريطانية على تنفيذ إحكام الإعدام إمام حشد من الناس ومن ضمن المحكوم عليهم بالإعدام زعيم الجمعية الشيخ جواد الجزائري والسيد محمد علي بحر العلوم , ولم ينفذ حكم الإعدام بهم لتوسط أية الله السيد تقي الشيرازي , والشيخ خزعل أمير المحمرة , واستبدل إلى النفي خارج العراق, لقد كانت المرجعية الشيعية ترى في جهاد الانكليز حكما قاطعا لايمكن التخلي عنه  أو التردد فيه , وفي ثورة 1920 فكان الأثر ألعلمائي في التعبئة مستمر ومتواصلاً بإطاعة رؤساء العشائر لعلمائهم في مجال المعاملات والعبادات ,والرؤية المشتركة لمحاربة الانكليز , في يوم الخامس من شعبان عام1338 هـ اجتمع في دار السيد أبو القاسم الكاشاني برئاسة نجل أية الله السيد الشيرازي الشيخ محمد رضا في ما عقد اجتماع أخر بحضور أية الله الشيرازي ( محمد تقي الحائري الشيرازي) وتحت رئاسته مباشرة , وفتح النقاش حول الثورة : فأنتبه السيد الشيرازي وقال ( أن الحمل ثقيل فأخشى أن لاتكون للعشائر قابلية المحاربة للجيوش المحتلة) فأكد الحاضرون أن الثورة لابد منها وان كنا لانرغب للحرب , ثم عقد اجتماع ثالث أخر دون حضور المرجع وأخيرا قرر المجتمعون في منتصف شعبان اعلان الثورة , هذه الإحداث تظهر بشكل قاطع أن دور العلماء كان دوراً رئيسياً في تعبئة الجماهير واستطاعوا أن يوظفوا التذمر في نفوس العراقيين تجاه الحكومة المحتلة توظيفاً صحيحاً ومستمراً , وبالخصوص أية الله السيد الشيرازي وشيخ الشريعة الأصفهاني فقد كان لحكمتهما اثر في موازنة الأحداث , وبالخصوص قبل اندلاع الثورة في الرميثة , وهنالك كتب موجه الى حاكم الحلة وحاكم الشامية البريطانيين من شيخ الشريعة لاتخلو عن الترهيب ويحذرهم من المستقبل الذي لايحمد على عقباه , وقد اصدر أية الله الشيرازي( فتوى دفاعية ) صدرت بعد أن انطلقت الشرارة الأولى في الرميثة , ومن جانب أخر كان دور المرجعية حازماً حين ما أبطلت إحدى فتاوى المرجع الأعلى محمد الشيرازي بخصوص امتياز التبغ لشركات بريطانية في إيران والموقعة مع الشاه وتبين دور المرجعية في تحمل المسؤولية دفاعاً عن المصلحة الإسلامية وكيفية تصدر تأثير الفتوى والالتزام بها في عموم الشارع الإيراني وكذلك من داخل أسرة الشاه , ولا يختلف الأمر بأن المرجعية أرسلت مذكرة بمثابة فتوى دينية بتاريخ 12 تموز 1922 ( عبروا فيها عن رفضهم كل ما يمس استقلال وكرامة الحكومة العراقية واعتبار كل قرار أو معاهدة أو قانون بدون قبول الأمة منافياً لمبدأ استقلالها , ولا ينفذ عليها ) وجرى التأكيد على مضمونها يوم 22ـ أب ـ 1922 في اجتماع كبير عقد في منزل السيد أبو الحسن الأصفهاني , إلى المندوب السامي في العراق , فكان واضحاً للجميع بأن دور المرجعية وقف معارض وجعل الوضع ينبئ بثورة لأتقل خطورة عن تلك التي حدثت عام 1920 , وأيضا كان دور المرجعية واضح من الانتخابات التي دعت إليها بريطانيا يوم 24 ـ تشرين الأول ـ 1922 , وأصدرت فتاوى تحرم الدخول في الانتخابات أن لم تستجيب الحكومة إلى المطالب العادلة فأصدر المرجع السيد أبو الحسن الأصفهاني فتوى بشكل نداء ( إلى أخواننا المسلمين .. أن هذا الانتخاب يميت الأمة الإسلامية فمن انتخب بعد علم بحرمة الانتداب حرمت عليه زوجته وزيارته ولا يجوز رد السلام عليه , ولا يدخل حمام المسلمين ....)  أما الموقف العلمائي في الكاظمية : فقد سحب الشيخ مهدي الخالصي بيعته للملك فيصل الأول بسبب اليأس من المرجعية على الملك في العمل من اجل الاستقلال , 

لم يختلف موقف علماء الدين من حركة مايس عام 1941  ففي هذه الحركة أصدرت حكومة الثورة في عام 1941  كراساً حوى صور فتاوى علماء النجف وكربلاء والكاظمية وبغداد  ومعظمها بخطوطهم الشريفة , دعت أبناء العراق الى نصرة حركة مايس والرفض للنفوذ البريطاني , أما في مرحلة الستينيات امتازت المرجعية بإرادة وقوة ووقفت ضد كل المؤامرات فعمد السيد أية الله محسن الحكيم المرجع الأعلى الشروع بزيارة العتبات المقدسة واستمرت زيارته شهر , وقد شعرت دوائر الاستكبار , بمغزى هذه الزيارة وعرفت قوة تأثير المرجعية في أوساط المجتمع العراقي , وفي عام 1964 عقد مؤتمر بدعوة من عبد السلام عارف للحصول على فتوى شرعية يجوز بموجبها قتال الأكراد , وقد وجهت دعوة الى علماء النجف للحضور فيه إلا أنهم قاطعوه , وحضر المؤتمر من غير العراقيين شيخ الأزهر آن ذاك وأصدروا فتاوى مفادها أن الأكراد بغاة يجوز قتالهم ورداً على ذلك دعا السيد الحكيم الى عقد مؤتمر في كربلاء , أعلن فيه فتواه التي حرم بها قتال الإخوة الأكراد , كان ذلك أواخر 1964 , فقد زرعت هذه الفتوى حباً بين الأكراد والعرب لموقف المرجعية النبيل والشجاع والتي حفظت بها دماء المسلمين دون النظر الى نوعية المكون المذهبي , كما اصدر فتاوى تاريخية وسياسية منها حرمة الانتماء الى الحزب الشيوعي , وعند وصول العبثيين الى السلطة عام 1968 كانت هنالك مواجهات مع مرجعية السيد الحكيم وقد تجنب حزب البعث الاحتكاك المباشر مع المرجعية , وخاصة أن المرجعية كانت لها تأثير واضح وقوة على إرادة الجماهير , فعمد الحزب لتشويه في سيناريو مملوء بالكذب والأباطيل هو اتهامه احد أولاد المرجع الكبير السيد الحكيم وهو السيد الشهيد يوسف الحكيم بالجاسوسية لخلق حالة عدم الثقة بين أوساط الجماهير وعزل المرجعية عنها , مع أن المجتمع آن ذاك لايخلوا من ذيول الحاقدين وأذناب الرأسمالية باستقبال ونشر تلك الدعايات , وعند وفاة السيد الحكيم يوم 27 ـ ربيع الأول ـ  1390 هـ حدثا تاريخيا في العراق من أقصاه الى أقصاه وأذاعت خبر وفاته الكثير من إذاعات العالم وحضر تشيعيه أكثر من مليون مشيع وأرسلت مئات البرقيات للتعزية ومما يذكر منها برقية الرئيس جمال عبد الناصر التي حملها سفير مصر في بغداد عبد المنعم النجار وبرقية الجنرال يحيى خان رئيس باكستان وبرقيات من الكويت والبحرين وملك السعودية والملا مصطفى البر زاني , وأدخلت جميع قطعات الجيش بإنذار جيم وكان من حضر التشيع هو الرئيس احمد حسن البكر واحاطته الجماهير بالهتافات المنددة بسياسته وسياسة نظامه  وتعالت أصواتها لتقول ( سيد مهدي مو جاسوس اسمع يالريس)  ويذكر أن الرئيس نجا من التشيع بأعجوبة , كما هجمت الجماهير على مراكز الشرطة وجردت إفرادها من الأسلحة , أما في زمن السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره) عادت المواجهة من جديد , ففي عام 1970 منع النظام ممارسة الشعائر الحسينية الأمر الذي أدى الى انتفاضة الجماهير في مدينة النجف , واعتبر فيه قرآة الخطباء لهذه الشعائر ( ضوضاء) كما منعها في عام 1977 واتخذ إجراءات لمنع المسيرة الراجلة في العشرين من صفر الى مدينة النجف وحدثت اصطدامات بين الجماهير وقوات البعث في خان النص وسقوط بعض الشهداء , واستعداد العشائر للدخول في مواجهة النظام , وبعدها لجأت السلطة الى العلماء وطلبت منهم التدخل في حل هذه الأزمة وذهبت السلطة الى السيد الشهيد الصدر , وبذلك أوفد السيد الشهيد الصدر وفداً برئاسة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم , وتمكن من السيطرة على ذلك الوضع وتمنع النظام من اختلاق مبرر بالانتفاضة , وبعد ذلك حدثت انتفاضة صفر من عام 1977 وهي الشرارة الأولى للتحرك الإسلامي والمواجهة للصدام مع السلطة الحاكمة , وفي 17 رجب سنة 1399 , 1979 حدثت انتفاضة على اثر اعتقال السيد الشهيد الصدر قدس سره حيث نظم بعض من تلامذته مظاهرة صارخة انطلقت من حرم أمير المؤمنين عليه السلام ووصلت في طريقها الى شارع الإمام الصادق عليه السلام وقد حصل اشتباك بين المتظاهرين وجهاز الأمن الإرهابي وسيطرت السلطة أخيرا على الموقف والقي القبض على الكثير من المتظاهرين بصورة عشوائية  وسارعت السلطة الى الإفراج عن الشهيد الصدر قدس سره , وظل السيد الشهيد الصدر يقارع الظلم والنظام البعثي ويحث طلاب الحوزة والمجتمع العراقي على عدم الركون والتعاون مع السلطات البعثية ويجب محاربته وقد بذل جهود ونضال كبير وضحى بما يملك من اجل تحقيق هدف الأمة للتخلص من الزمرة العبثية التي عاثت في الأرض فساداً , ورغم إعدامه في نيسان 1980 مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى ,استمرت حملات الاعتقال والإعدامات على أبناء الحوزة العلمية وقد كشف النظام عن أنشطته القمعية لإجهاض أي محاولة تحرك جماهيري يخالف السلطة ويهددها وقد أخذت أبعاد النضال السياسي جانب أخر وارتباطات إسلامية وتنظيمات خارجة عن العراق وخصوصاً بعض العلماء الذين تركوا العراق قسراً وظلماً بأن يؤسسوا أحزابا كان لها دوراً كبيراً في الداخل والخارج لضرب أركان الدكتاتورية باستمرار ولم يتوقف نشاطهم الجهادي لمقارعة الظلمة , وقد استثمر هذا النشاط في انتفاضة 1991 الانتفاضة الشعبانية التي ساهمت المرجعية الدينية بزعامة السيد الخوئي قدس سره بدعمها ,رغم أنها لم تحقق أهدافها بالتخلص من النظام الدكتاتوري وقد أعطى أهالي الوسط والجنوب تضحيات كثيرة قرباناً لا ثبات المعتقد من الضياع والاندثار بعد ما جرده صدام خلال فترة تسلطه على رقاب الشعب ورسمت خارطة ومستقبل وكشفت الأقنعة الفاسدة وأضجعت الاستكبار العالمي وأربكت النظام  الدكتاتوري حتى سقوطه يوم9/4/2003 حيث أظهرت الانتفاضة عمق الانتماء والأصالة بالهوية العراقية والتمسك بالوحدة الإسلامية رغم ماجرى من تمسيخ وتهجير خارج العراق .
 
sadikganim@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صادق غانم الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/10



كتابة تعليق لموضوع : المشروع السياسي والجهادي للحوزة العلمية في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد النجفي ، في 2013/05/28 .

السلام عليكم
هناك خلط في المقال بين السيد محمد حسن الشيرازي صاحب فتوى التنباكو وبين الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين
وينبغي على الكاتب التفريق بينهما حتى لا تختلط الحقائق




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net