صفحة الكاتب : لطيف القصاب

ربيع عراقي بعد تسع سنين عجاف
لطيف القصاب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بخلاف أغلب التوقعات المتشائمة فاجأت الدولة العراقية دول الإقليم بعقد قمة ناجحة على أكثر من صعيد لاسيما على الصعيدين الأمني والسياسي. إذ لا يخفى أن العديد من المراقبين كانوا يُرهفون السمع لرصد دوي عشرات الانفجارات في وسط العاصمة بغداد بل حتى في قلب المنطقة الخضراء نظراً لوجود مخطط دولي عربي مدعوم بتنظيمات سياسية وعسكرية ومخابراتية يتواجد في الساحة العراقية منذ عام 2003 ولم يكن ليدخر وسعا في تفجير قمة بغداد أمنيا وسياسيا بأي شكل من الأشكال.

حجم التمثيل الدبلوماسي للدول العربية كان طبيعيا ولم يكن ضعيفا كما دأبت على ترويج هذا الادعاء أجهزة الإعلام السعودية والقطرية. فوجود زعماء تسع دول عربية في قمة ما بعد الربيع العربي يكفي للحكم بأن التمثيل الرسمي العربي كان موازيا لنظيره في آخر قمة عربية جرى الإعداد لها قبل اندلاع ربيع العرب حينما حل زعماء تسع دول عربية رحالهم في مدينة سرت الليبية.

نعم كان التمثيل الدبلوماسي السعودي والقطري ضعيفا ولهذا الضعف ما يسوغه وقد يكون في مقدمة تلك المسوغات أن المفاوض العراقي لم يتنازل كثيرا لهاتين الدولتين العربيتين. ولعل هذا التفسير الأخير هو المعنى الأكثر دقة للرسالة التي أرادت حكومتا السعودية وقطر إلى الجانب العراقي ولم يفصح عن سرها الحقيقي رئيس وزراء قطر حينما اكتفى بالقول إن : "قطر لم تقاطع القمة العربية في بغداد لكنها حاولت إرسال رسالة للعراقيين، بأنها لا تتفق مع ما يحدث من تجاهل لبعض الفئات في العراق ومنها السنة".

وعلى رغم الكثير من التكهنات المتشائمة أيضا استطاعت قمة بغداد أن تدق إسفينا في الجدار الخليجي حينما لبى أمير الكويت شخصيا الدعوة لحضور القمة وبشكل أوحى للكثيرين بان قمة ما في القمة هو هذا الحضور الكويتي بما يشكله من أبعاد رمزية سياسية هائلة. ولكي يبدو تسلسل الكلام منطقيا فان هذا الحضور الكويتي يدفع للإيمان بوجود تنازل ضخم وضعه العراقيون على مائدة الأمير الكويتي. وعلى فرض وجود مثل هذا التنازل فإن أي تنازل متصور لن يكون اكبر من عقد السلام الذي يبدو انه ابرم بين الدولتين الجارتين وأنهى قسما لا يستهان به من المشاكل العراقية الكويتية التاريخية وليس المقصود هنا إنهاء ملفات الديون والتعويضات والحدود فحسب إنما المقصود هو إنهاء تداعيات أحداث غزو العراق للكويت بما تتضمنه من شهية كويتية مفتوحة على تصيد فرص الانتقام من العراق وبما يقابلها من احتقان شعبي عراقي يدعو في كل لحظة إلى انتقام مضاد. بيد أن الحكم النهائي في درجة التفاؤل بهذه المسألة مرهون بخروج العراق من طائلة البند السابع للأبد.

الحضور الإعلامي الخارجي كان من الكثافة بحيث استولى خبر قمة بغداد على بث الغالبية العظمى من محطات الأخبار حتى السعودية والقطرية منها لكن مع ملاحظة أن التغطية للقمة بالنسبة للإعلام السعودي والقطري كانت تركز على الزوايا المعتمة أو الأقل إشراقا وهو أمر جدير بالتفهم من الناحية السياسية ويأتي متناسبا مع سنن مؤتمرات القمم العربية في العقود الثلاثة الأخيرة التي كان يسبقها ويرافقها ويتلوها سيل كبير من النقد الإعلامي اللاذع.

 بيد أن مشهد نقد القمة العربية في بغداد سجل سابقة في هذا المجال حين خرج كم النقد الأكبر من داخل الأوساط العراقية نفسها. إذ ان من عادة الدول المنظمة لمؤتمرات القمة العربية أن لا تخرج عن دائرة الثناء على عقد القمة فوق أراضيها. لكن وتيرة النقد الإعلامي العراقي ضد قمتهم أخذ يخف تدريجيا أثناء وبعد انتهاء أعمال القمة بل تحول قسم من المنتقدين لعقد القمة في بغداد إلى صفوف المرحبين وهو مؤشر يكشف عن نجاح المنظمين بتجاوز جودة التنظيم إلى القدرة في تغيير بعض القناعات المخالفة.

إلى هنا يبدو أن العراق قد حاز نصيبا من النجاح وتمكنت حكومته الحالية من إخراج علاقات البلاد الخارجية مع محيطه العربي من سنوات تسع عجاف إلى مرحلة زمنية يبدو أنها ستكون أقل توترا وجفاء. لكن هل إن نجاح عقد القمة من الناحية التنظيمية في بغداد انتهى بتفرق جمع ممثلي الدول العربية أم إن ثمة نجاحا لابد للجانب العراقي من إحرازه ويمتد على مدى عام كامل هو المدة المخصصة له لقيادة مقررات الجامعة العربية ؟

 إن العراق بإمكانه أن يكتفي بقدر النجاح الذي أحرزه وبمقدوره أن يستثمر هذا القدر لتحقيق نجاح اكبر وذلك حين يُنظر إلى منصب القيادة ليس باعتباره حكرا على فرد أو حزب أو حتى حكومة بل باعتباره فوزا للدولة العراقية بمؤسساتها الحديثة.

ولكي يصنع العراقيون مثل هذا الانجاز المأمول عليهم أن يتجاوزوا خلافاتهم الشخصية ويضعوا حدا لصناعة المشكلات والاعتياش عليها سياسيا فالقاعدة المنطقية تؤكد أن من لا يستطيع السير لا يقوى على دفع الآخرين.

إن على القيادة العراقية أن تنتهز فرصة وجود إرادة أمريكية واضحة تدعو لتسلم العراق دوره الريادي من جديد فيقوموا بدور مهم لإنجاح دولتهم التي كاد الفشل أن يحيلها إلى خراب تام. وكلمة أخيرة لابد للعراقيين جميعا أن يعوها وتقضي بعدم الخشية من بوادر الانفتاح على المنظومة العربية بعد قمة بغداد هذه، فلا ينبغي بعد تسع سنين عجاف أن يظل العراق يخشى من أشقائه الذين جربوا كل أسلحتهم ضده ولم يستطيعوا إسقاطه من قيد الوجود.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف القصاب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/09



كتابة تعليق لموضوع : ربيع عراقي بعد تسع سنين عجاف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net