مفهوم النصرة في معجم معاني كربلاء
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ۖ ) الصف ١٤ .

اعتمدت الرسالات السماوية والدعوات الإلهية والحركات التي رفعت شعار الحرية والإصلاح والتغيير - بل كل حركة اجتماعية لها اهداف معينة - على النصرة اعتماداً رئيسياً ومباشراً وبالدرجة التي يتوقف نجاح هذه الرسالة او تلك الدعوة والحركة عليها ، ويدور مدار تحقيق أغراضها مدار نوع ومستوى تلك النصرة ..

فهي بالتالي سنّة الهية جارية وقانون سماوي ناجز في خلقه ، والنصرة تعبّر عن درجة إيمان عاليه بالرسالة - اي رسالة - ومستوى عالٍ من الإمتثال والإتّباع ، لأنها تنطوي على مضمون الإعانة والتقوية والمشاركة وتحمّل المسؤولية مع القائم ( القائمين ) بتلك الرسالة بما يؤدي الى نجاحها وتحقيق أهدافها ..

ونصرة قادة وحركات الخط الإلهي من أشرف وأهمّ أشكال النصرة على الإطلاق ، لأنها في حقيقتها تتركب من ثلاثة أمور تكتسب منها قيمتها وأهميتها .. وهي :

الأول : أنها نصرةٌ لله ، والآية التي إستهللنا بها الموضوع واضحة وصريحة في ذلك ، حيث عبّرت عن نصرة عيسى عليه السلام بأنها نصرة الله تعالى ؛ ( من أنصاري الى الله ) قالوا ( نحن أنصار الله ) ، ويقول العلامة مصطفوي : [ ولا يخفى ان النصر لله تعالى ليس من جهة احتياج الله تعالى الى الناس ، وإنما هو مثل سائر العبادات .. ] التحقيق - مادة نصر - .

الثاني : إن أنصار الرسالات يمثلّون تجلّي من تجلّيات نصرة الله لرسله ، قال تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) غافر ٥١ ، وورد في الدعاء ( اللهم اجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري .. ) .

الثالث : الفوز بنصر الله وتأييده ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد ٧

بهكذا موقع وهكذ مرتبة وهكذ أهمية تتربع نصرة الحق وأهل الحق ، فهي تقع ضمن الهيكل الإداري المنفِّذ لإرادة السماء على الأرض وجزء من كابينة القيادة ، وتتصدر خطّ المواجهة الأول ..

ثم أن النصرة تقع على درجات ومقامات وإن كانت كلّها تحت عنوان نصرة الحق وأهل الحق ، لأن المفاضلة ايضاً قانون الهي في خلقه ، فقد فضّل الله الأنبياء بعضهم على بعض رغم سموّهم وعلوّ كعبهم ، قال تعالى ( وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) الإسراء ٥٥ ، إلا أن المفاضلة لا تأتي اعتباطاً وإنما تستند على مرجّحات تعمل على تقدّم الفاضل وتأخر المفضول ..

ولقد تميّز أنصار وشهداء معركة بدر عن باقي جميع معارك الإسلام ، ولعل أبلغ تعبير نجده في فضل اهل بدر وأسباب هذا الفضل هو دعاء الرسول صلوات الله عليه في هذه المعركة بقوله ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض ) السيرة النبوية لابن هشام ج٢ ص٢٧١ ، فهكذا أسست واقعة بدر لدين الإسلام أساساً عميقاً ومديدا في بعده الوجودي ، وهكذا استمدّت هذا الفضل العظيم لأصحابها من هذا التأسيس ..

وهناك مفاضلة أخرى للنصرة أكثر شمولاً في الإسلام ، حيث فضّل الله القتال بين يدي رسول الله قبل الفتح - فتح مكة - على ما بعد الفتح ، قال تعالى ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) الحديد ١٠

من هذه السنّة الكونية للنصرة والحكمة الربانية للمفاضلة المرتكِزة على قانون العدل الإلهي .. نستطيع أن نفهم أهمية وفضل نصرة أبي عبد الله عليه السلام في كربلاء فهماً واسعا ، هذه الأهمية وهذا الفضل الذي أعطاه ابو عبدالله النسبة المطلقة بقوله ( فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ) الإرشاد للمفيد ج٢ ص٩١ .

فأي فضل لعاشوراء على الإسلام ، بل على الدين كله بحيث انعكس - هذا الفضل - على صنّاع عاشوراء ..!! ، هو فضل بقاء الإسلام الذي عبّر عنه صلوات الله عليه ( وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ) مقتل الحسين للخوارزمي ج١ ص١٨٤ ، ونفهمه من قول رسول الله صلوات الله عليه ( حسين مني وأنا من حسين ) بحار الأنوار ج٤٣ ، ص ٢٧١ ..

فالإمام الحسين عليه السلام وأصحابه كانوا أمام مسؤولية بقاء الدين وشريعة سيد المرسلين ، ولقدّ أدّوا ما عليهم بأفضل وجه وأحسن اداء ، وفازوا وسُعدوا بأعلى الدرجات صلوات الله عليهم أجمعين ، ولا زال المؤمنون يتمنون هذه النصرة ويتحسرون على فرصتها ( يا ليتنا كنّا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيما ) ، ولم تزل نصرة ابي عبد الله متاحة وبمستوى عالٍ من الأهمية والفضل ، وكل بحسبه وظروفه وما يتيسر له ، تارةً بإحياء أمره وتارة بالسير على نهجه الإصلاحي وتارة بالتمهيد لظهور من يأخذ بثأره ويحقق أهدافه ..

آجركم الله

الموضوع السابق الحر الرياحي وإطلاق العنان لعقله قبل قلبه

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat