صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الحُسَين.. شَهيدُ الهُدى.. والرَّشاد !
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَعادَ عاشورُ بالأحزان والعَبَرات..
وَهَلَّ المُحرَّم دموعاً وبكاءً ودِماء..
عَلَى الحُسَيْنِ المَظْلُومِ الشَّهِيدِ.. أَسِيرِ الكُرُبَاتِ، وَقَتِيلِ العَبَرَاتِ.
 
وعادَ الشيعةُ إلى بُكائهم والنَّوح..
القلوبُ تعتصرُ ألماً.. والعيونُ عَبرى، والصُّدورُ حَرَّى.. لقتل حزب الله النُّجباء، بحزب الشيطان الطُّلقاء..
 
ويتساءل مؤمنٌ:
 
لماذا قُتِلَ الحسينُ عليه السلام ؟!
 
مهما تَكثَّرَت الرؤى، وتَعَدَّدَت الأنظار، وتَبَايَنَت الأفهام، واختَلَفَت زوايا النَّظَر، بينَ المُحبِّ والمُبغض حول ما جرى في كربلاء..
فإنَّ كُلَّ مِنظارٍ عَليل! ما لم يكن مِنظارَ الكمال، الذي ينطقُ به لسان المعصوم عليه السلام.
 
ومَهما أدرَكَ المؤمنُ مِن فَضلِ الإمام وفضيلته، وسَبَرَ أغوارَ أفعالِه، فإنَّهُ يرجع كليلاً عاجزاً عن إدراك حقيقة ذاته، وأبعاد فِعاله.. فتِلكَ منازلُ لَها أهلُها الكُمَّل.. ومَن لَم يأخذ منهم كان مُجانباً للصواب، مُبتَعِداً عن لُبِّ اللُّباب..
 
وفي كَلِماتِ الإمام الصادق عليه السلام، ما يَكشِفُ عن شيءٍ مِن سِرِّ الشهادة العظيمة.. حينما يقول عليه السلام في زيارة جَدِّه الحسين عليه السلام:
 
وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ، لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالجَهَالَةِ، وَالعَمَى وَالشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ، إِلَى بَابِ الهُدَى مِنَ الرَّدَى (كامل الزيارات ص223).
أو: إِلَى بَابِ الهُدَى وَالرَّشَاد (كتاب المزار ص108).
 
في هذا النصِّ يكشِفُ المعصومُ عليه السلام أنَّ الإمام ما بَذَلَ مُهجَتَهُ طَلَبَاً لِسُلطان، ولا رغبةً في ملكٍ وإمارة، وهو ابن القائل عن نعله: وَالله، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً (نهج البلاغة ص76).
 
لقد بَذَلَ الإمامُ مهجته في سبيل الله، لِغَرضٍ سَامٍ يُحبُّه الله تعالى، وهو إنقاذُ العباد، والأخذ بيدهم إلى (بَابِ الهُدَى وَالرَّشَاد) و(بَابِ الهُدَى مِنَ الرَّدَى) !
 
بهذا صارَ الحُسينُ عليه السلام شهيدَ الهُدى.. والرَّشاد.. قبلَ أن يكون شهيدَ ساحات القِتال..
 
الحسينُ بابُ الهُدى !
 
الحُسين عليه السلام:
 
1. تارةً.. يأخُذُ بيدِ الناس إلى بابِ الهدى..
2. وتارةً أخرى.. يكون هُوَ عليه السلام بابَ الهُدى..
 
كما ورد في زيارته عليه السلام: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَلِمَةُ التَّقْوى‏، وَبَابُ الهُدى (الكافي ج9 ص302).
وفي زيارته يوم عرفة: أَنْتَ بَابُ الهُدَى، وَإِمَامُ التُّقَى (إقبال الأعمال ج1 ص333).
كما ورد ذلك في أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام.
 
فكيف ذلك ؟! وما المُراد من هذين المعنيين؟!
 
أمّا المعنى الأوّل: أنّ الإمام عليه السلام يأخذ بيد الناس إلى الله تعالى، والهُدى هو طريق الله عزّ وجل، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الهُدى‏ هُدَى الله﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدى‏﴾.
 
وأما المعنى الثاني: أنّ الإمام عليه السلام هو الهُدى بنفسه، لأنَّهُ أمرٌ من أمر الله، فالإمامةُ ولزوم اتّباع الإمام أسُّ الإسلام بعد النبوّة، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏‏﴾ حيث فسَّرَها الإمام بقوله: ثُمَّ اهْتَدَى إِلَى وَلَايَتِنَا (بصائر الدرجات ج1 ص78).
 
فالإمامُ بنفسه بابٌ من أبواب الهدى، وفي كلِّ فِعلٍ من أفعاله هُدىً للناس، في حَرَكَاتِه وسَكَناته، فكيف بشهادته وصَبرِه وبَذله نفسه في سبيل الله تعالى ؟!
 
أين الهُدى والرَّشاد ؟!
 
لقد تَجَلَّى الهُدى.. كلُّ الهدى والرَّشاد في هذه الشهادة..
ولكن قد يسأل سائلٌ عن هذا الهدى الذي أرشدَ الإمامُ النّاس إليه بشهادته.
 
فيُجاب:
إنّ الهُدى والرَّشاد.. نَقِيْضُ الغَيِّ والضَّلالِ..
وأيُّ غَيٍّ وضلالٍ أعظَمُ مما وقعت فيه الأمة حتى قال عليه السلام: وَعَلَى الإِسْلَامِ السَّلَامُ إِذْ قَدْ بُلِيَتِ الأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلِ يَزِيدَ (اللّهوف ص24).
 
لقد كانت الأمّة تَتَّجِهُ نحوَ ضلالٍ مُطلَقٍ لا مكانَ فيه لشيءٍ من الهداية، لكنّ الإمام عليه السلام بَذَلَ مُهجته في سبيل الله تعالى لا لطلب السُّلطان، بل لينقذ مَن في قلبه خيرٌ على مرّ الدهور والأزمان، من الضلال والظُّلُمات، إلى الهداية والنور والرَّشاد.
 
لقد تمثَّل الإنحراف بأمور منها:
1. الجهالة.
2. حَيرَةُ الضلالة.
3. العمى.
4. الشكّ والارتياب.
 
وهذه تجتمعُ تارةً وتفترقُ أخرى:
 
1. فالجهالةُ إما مَصدَرُ الجهل، فهي نقيضُ العلم، أو العَمَلُ بغير علم.
2. وحَيرة الضلالة، هي التردُّد وعدم الإهتداء للصراط المستقيم، وهي ضدّ الرّشاد.
3. والعمى هو التباس الأمور والجهل.
4. والشَّكُّ والإرتياب نقيضُ اليقين.
 
والجامعُ بين السُّبُل المتفرِّقة هو الضلالٍ والجهلُ والتردُّد والشكُّ والعمى!
والإمامُ يُخرجُ العبادَ من كلِّ هذه الحالات، مهما تكثَّرَت صُوَرها، وتعدَّدَت نماذجها، ويأخذ بيدهم إلى سبيل الله، وصراطه المستقيم،
 
ما أهميَّةُ الهدى؟!
 
ولقائل أن يقول:
هَل يُعقلُ أن تكون شهادةُ الإمام لأجل هذا ؟!
 
إنَّ مِنَ النّاس من يرى مثل هذه الأمور متأخِّرَة بمراتب عن شؤون الأمّة وشجونها، وهمومها وبلاءاتها !
ومِنهم من يرى أنَّ الصلاح والخير كلُّه في طلب الحكم ومقارعة الظالمين بالقوّة مهما كانت الظروف..
 
فهل استشهد الحسين عليه السلام لأجل الهداية وحسب ؟! فصار شهيداً للهُدى والرَّشاد ؟! ولماذا ؟!
 
1. الهدى هو الغنى
 
لقد غَفِلَ السائل أنَّ إنقاذ عِبادِ الله من الجهل والضلال أهمُّ مِن كلِّ ما عَداه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: يَا عَلِيُّ لَا فَقْر أَشَدُّ مِنَ الجَهْلِ (الكافي ج‏1 ص26).
 
فمَن نَقَلَ النّاس من ذُلِّ الجهل إلى عزّ العلم والفهم والتعقُّل عن الله تعالى، فإنّه قد أغناهم في دُنياهم وآخرتهم، وهو الغِنى الذي لا فَقرَ بعده.
 
وقد قال النبي (ص) لعليٍّ عليه السلام: وَايْمُ الله، لَأَنْ يَهْدِيَ الله عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَت (الكافي ج5 ص28).‏
 
فليست الهدايةُ ممّا يستخفُّ به العقلاء بحالٍ من الأحوال.
 
2. الهُدى مساوقٌ لقبول الأعمال
 
وغَفِلَ السائل عن قول الإمام عليه السلام: كَثِيرُ العَمَلِ مِنْ أَهْلِ الهَوَى وَالجَهْلِ مَرْدُودٌ (الكافي ج‏1 ص17).
فالجهالةُ التي يُنقذُ الإمامُ العِبادَ منها تمنع قبول الأعمال، والأعمالُ لا تُقبلُ بغير معرفة الحق
 
3. الشكُّ طريقُ النار
 
كما غَفِلَ السائل أنّ: الشَّاكُّ لَا خَيْرَ فِيهِ (الكافي ج‏2 ص399).
فَمَن بَلَغَ اليقين ثمَّ تَرَكَ الشكَّ يتسرَّبُ إليه، ويُعشعِشُ في صدره، أخرجه ذلك عن طريق الإيمان، كما في الحديث: لَا تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا.
وكما في الحديث: إِنَّ الشَّكَّ وَالمَعْصِيَةَ فِي النَّارِ، لَيْسَا مِنَّا وَلَا إِلَيْنَا (الكافي ج‏2 ص400).
 
وما مِن سبيلٍ للخلاص منه إلا بهداية الإمام المعصوم عليه السلام.
 
الشَّكُ في أيام الحسين !
 
هكذا.. يُستشهَدُ سَيِّدُ الشهداء عليه السلام ليُنقذ عباد الله من الجهل والشكّ والضلال، ثمَّ يَستهترُ كثيرٌ من الخلق بما ضحّى لأجله سَيِّدُ الشهداء !
 
لقد صارت أبوابُ علوم السماء وطُرُقُ الهدى مفتوحةً أمامنا ببركة دماء سيِّد الشهداء، لكنّ كثيراً من الناس أعرضوا عنها !
 
لقد أنقَذَ الإمامُ المُخلصين من عباد الله من كلِّ شَكٍّ ورِيبةٍ باذلاً دَمَهُ الطّاهر لذلك..
 
لكنَّ عُلماء السّوء في كلِّ زمانٍ يَبُثُّونَ الشُّبُهات، ويزرعون الشكوك في ربوع المؤمنين، يقول الإمام عنهم أنَّهم: يُدْخِلُونَ الشَّكَّ وَالشُّبْهَةَ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا فَيُضِلُّونَهُمْ !
 
لا عَجَبَ حينها أن يصيرَ هؤلاء: أَضَرُّ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ عَلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) وَأَصْحَابِهِ (الإحتجاج ج2 ص458).
 
فجيشُ يزيدَ عَجزَ عن أن يُبطِلَ هُدى الحسين عليه السلام، وظَلَّ الإمام عليه السلام باباً للهدى والرَّشاد، نوراً من أنوار الله في السماوات والأرض، وسيبقى كذلك إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرض ومَن عليها.
 
إن الحَطَّ مِن قَدر الهداية وإنكار أهميّتها، كالمشاركة مع أعداء الحسين عليه السلام في سَعيهم لإطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره..
 
السَّلَامُ عَلَى الحُسَيْنِ المَظْلُومِ الشَّهِيدِ، السَّلَامُ عَلَى أَسِيرِ الكُرُبَاتِ، وَقَتِيلِ العَبَرَاتِ.
السلام على شهيد الهُدى والرَّشاد..
وعظَّمَ الله أجورنا وأجوركم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/11



كتابة تعليق لموضوع : الحُسَين.. شَهيدُ الهُدى.. والرَّشاد !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net