صفحة الكاتب : د . سمر مطير البستنجي

ولليّل فيّ رهبة ورجاء....
د . سمر مطير البستنجي
ولما عقد الليل قرانه على عرائس النهار..وغدا لباسها وصباغ شعرها وكحل عينيها..! جَلسَتْ وحيدة على أرائك الصمت.. واتخذت من أحجار الليل مسابحا من زفير أسود مَشوب بضبابيّة تذكّر بطقوس العرّافين..وأرواحها البلورية طيور سديميّة تجوب في ملكوت الله ...تلهجُ بتراتيل الخشوع فلا تسمع لها همسا.. 
هي ولا شيء غير الفراغ اللامتناهي مبتدأٌ ومنتهى...تتقلب في أحضان الليل بين رهبة ورجاء ،تشارك ملائكة السكون النداء في شبه مماتٍ أن حيّ على سِنَةٍ فلا توقِظون،وأن طوبى للمعتكفين في محاريب الصلاة وأروقة المعابد...وأن حِفظا على أجساد الراقدين من كل شيطان مارد...وسلام على أرواح الحالمين الى حين صبح فيُبعثون..
 
آآآهٍ يا ليلي الطويل..!!
فكأني يا ليل إحداهُنّ...أشابهُهنّ في صمتي وفقدي ،،أشابهُهنّ وقت عقدت عليّ الوحدة قرانها...أشابهُهنّ في روح ضاقت بها الأرض بما رحبت فضجّت حنينا الى بارئها وفاضت تموج في علياء التبتّل ملء الفضاء..
 
ضاع مني في دجاك يا ذا الليل الدليل..
أين يا ذا الليل ظلّي... ثقيلة خطواتي في مدّك المترامي ..أكاد أنزلق في مسامات الفراغ وفجوات السكون..يختال الدُجى على ضفاف الحدقتين ..تتعملق الرهبة فيّ فاحاول الهروب الى بقايا ودقٍ تهطّل من ثغر نجمة علّها تمنحني حفنة ضوء تَقيني شرّ الإنزلاق..أقرأ تعاويذ الأمان لأرقي الذات من أرقِ يُخاتلها..وحزن عليل قمطرير يحتلّها... وخيالات تداعب في الظلمات فكري وظنّي...غير أني عبثا أُعاقر شيخوخة الليل وحدي..وأطارد خيوط  الضوء الواهية التي انتشرت كالشّيب النابت رُغما على جدائل الليل ..
 
موشومة بجنون النور أنا!!
كشرنقة تسكنها فراشة رهيفة آنست ومضة ضوءٍ فتبعتها علّها تُحدث لنفسها أمرا فتُفرج عن كَينونتها..وتنسلخ من غشاء الفقد والرهبة،،تحنّ الى رعشة نجمة،وغمزة بدرٍ..وومضة شهابٍ،تراقص الأفلاك في مداراتها طمعا بقليل وصلٍ .. غير أنها ما أوتيَت منه إلاّ قليلا.. فحارس الظلام قد صادر بوصلتها..فبقيت تدور على غير هُدىً  الى أن تشابه عليها الأمر واختلط ..  وكلّت وهي لا زالت تقاوم مدّ الارتحال الى وطنٍ لا تسكنه غير أشباح الظلام...
 
 
والذي جعل السماء زينة للناظرين..
والنجوم مسخّرات بأمرهِ ...
انني أخشى منك يا ذا الليل الظلام،،والنفس مُثقلة بنبوءات الفقد ووساوس التشظّيّ،،تظنّ أن سيغشاها في قليل النور فاقرة..فتغدو عذراء ابيضّت عيناها خشية إملاقٍ ..فراحت تتبتّل في طُهرٍ،وتتلو التراتيل في يقين ،على أمل ان تحظى بمزقة أمانٍ بين اهتراءات الضوء  وعمالقة الظلام.
ا
والذي جعلك يا ليل سُباتا!
أن لي في سكونك رغم الخوف حاجة! وليشهد بحاجتي ربّ الضياء..
فلقد طالني رَهقُ المسير...وتعبتُ من التصبّغ بأصباغ البشر... احتاجك لأهذي بمعزلي بكل كل شيء..لأفرَغ من كل كل شيء ..وأحرق فيّ كل كل شيء..وأقطع كل كل شيء يشدني الى زحام الأرض أريد أن أرتقي بذاتي ؛ بصمتي لسماء لا يمسها إلاّ المطهرون...
غير أن الحظّ  يأبى إلاّ أن تُشاغلني جنّيات الأرق ..وبُنيّات الخيال..
فكلما عسعس الليل وطوى عملاق الظلام السماء بين كفيّه طيّا!
نشطَت عقارب الوجد من عِقالها..وبدأت رحلة الاغتراب نحو معارج الفقد ومسالك الحنين ...فتغشاني برودة ..وتجتاحني نوبة من رهبة وخشوع...ويتعالى فيّ صوت الله واليقين.. فأهيمُ في سماوات شاسعات ساكنات راهبات خاشعات،يلهج لساني بالتبتّل والدعاء وجناني بالرجاء  ..علّ الليل ينجلي فلقد  طاول قامتي  لِباسا..وعلّ النهار يتجلى وينبثق معاشا..
 
ايها الكائن المجبول من دهشةٍ وأسرار؟!
غادر قوقعة الصمت..وكن زاهدا بظلمتك.. واشعل كوّات النجوم وقناديل القمر؛ وترفق.....فلقد تعبتُ إذ استفاق تحت هيمنتك في عمقي من كل ذي ساكنٍ زوجان:
ففي ذات التقاء الساكنين..الصمت وذكرياتي الهاربات:
تغشّاني مرار..وقت استباحتني الذكريات ..تلك التي تغذّت بتربة الفقد ونَمت تحت سُقيا العمر حتى تطاولت على قامتي ..استفاقت وقد شابت ذوائبها وبلغت من العمر عتيّا ..لتتقاسمني والصمت نُتفا..
فمتى تتنفس يا ليل عن صبحٍ أرحم وأنقى...؟
 
وفي حمى الساكنين..ليلي ونبضاتي الواهيات :
 واللّاتِ غدت تحت دثار الليل تلال من عهنِ منفوشٍ شاردات جامحات ..فقدت اتزانها فغدتْ تلكأ الدماء فتتعثر كرياته على سواحل القلب المليئة بالطين والأشواك.. يشاكسني الوهن الذي استوطن أخاديد الروح ويملأني الفقد لنور ثريّ يرتق أثواب الليل ويملأ حجرات القلب بالأمان ... فمتى تتنفس يا ليل صبحك لأتنفس القيامة معك..؟
وفي وجع الساكنين..الليل وأحلامي العاقرات:
ووقت يسكب الليل خمره المعتّق على فسائل الأحلام الهاجعات في حدائق اللاوعي منّي ..تنسلّ ملائكة الصمت من رقادها ..فتختلط ثرثرة الروح بألسنة الليل الخرساء فلا تكاد تفقه معنىً أو حديثا...
وتبقى الأحلام كسراب لجيّ يغشاني منه وهج كاذب..فمتى يا ليل تتنفس الصبح لأتيمم الوجود من ضِياك... ؟
 
يا ليل !!
امنحني بارقة حياة .. لأصحو على إيقاع الضوء قبل ان أتبعثر على يَباب العمر أشلاء..ويستشري في تلابيب الروح دبيب وباء ..
فتنفس رجوتك يا ليل باكرا عن صبحٍ وثيرٍ ومحرابٍ قَرير...
فإني أخشى من فَرط الفَقد أفول النور عن فصلي الأخير
اخشى من أفول النور يا ليل عن فصلي الأخير.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . سمر مطير البستنجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/07



كتابة تعليق لموضوع : ولليّل فيّ رهبة ورجاء....
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 3)


• (1) - كتب : د. سمر مطير البستنجي ، في 2014/04/05 .

أيا جارة الروح سعاد أينكِ ..؟!
تعالي لنتنفّس الحرف معا
ونهضم الوجع معا..
فيتيمة حروفي بلا أنتِ يا ساكنة الغياب.

• (2) - كتب : سمر مطيرالستنجي ، في 2012/04/10 .

شقيقة الروح انتِ ولا شكّ..
وإلا ما انغمست كلماتي في عميق روحكِ ولامست سريرتكِ البيضاء..

"فالأرواح جنود مجنّدة،،ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف"

فأهلا بكِ شقيقةً للروح يا سعاد..

• (3) - كتب : سعاد ، في 2012/04/09 .

آه لا أعرف لماذا ان لكلماتك صدى كبيرا في نفسي ، انها تثير ما كمن فيها من شجن ، كأنك أخية الروح !




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net