صفحة الكاتب : د . نضير الخزرجي

جديد العَروض في هندسة العَروض من جديد الجزء الثاني
د . نضير الخزرجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يختلف عدد البحور من دائرة إلى أخرى، وتراوحت بين الإثنين والإثني عشر، فعلى سبيل المثال فإن الدائرة الأولى المسماة (المتفق) ضمت بحرين، و(المجتلب) ثلاثة أبحر، و(المترابط) أربعة أبحر، و(المختلف) خمسة أبحر، و(الملتبس) ستة أبحر، و(المتجافي) ثمانية أبحر، و(المتناثر) تسعة أبحر، و(المتناسق) عشرة أبحر، و(المشتبه) اثني عشر بحراً.
ومن إبداع الكرباسي في شواهده، أنه تفنن فيها كأن يكون البيت خالياً من حرف أو مجموعة حروف، من قبيل شاهد (بحر التابع):
رستْ سفنُ النجاة على آل الرسول الأمجد *** فشعَّ على الملا بسنا نور الإله الأوحد
حيث خلا البيت من حرف الياء، وقد خلا شاهد (بحر السليم) من حرف الباء كالتالي:
قضَّني مضجعي شغفاً وفي ودادي لمن عزَفا * والهوى لا يتوق إلى مَنْ يروقُ الذي عزفا
ونجد الفن في البحر الواحد وتفريعاته، فعلى سبيل المثال وفي (بحر الشذب) والتام منه خلا الشاهد من حرف الثاء:
همساتي باتت سبباً لمعاداتي في فكري *** وبها قد زادت خلواتُ رفاقي رغم الخطر
ولكن مجزوء الشذب لم تخلو كلمة من كلمات الشاهد من حرف الثاء على النحو التالي:
لبث الليث الثائر حيث ثغوري *** وثغى ثرثارٌ ثولاً بثبور
وهكذا في بقية شواهد البحور الخليلية القديمة والكرباسية المستحدثة.
وفي الواقع أن الأبيات التي قاربت الستمائة في الاستشهاد على البحور الجديدة وتفريعاتها، ضمَّت فكرة أو حكمة أو لطيفة ابتغى الشيخ الكرباسي عامداً نقلها من الأدب المنثور المبثوث في مؤلفاته المختلفة إلى الأدب المنظوم، فبقدر اهتمامه بما ابتكره من بحور اهتمامه بأن تكون الشواهد الشعرية ذات رسالة، فعلى سبيل المثال تأكيده على منظومة العلاقات الست التي تحكم الإنسان كما في (الحسين والتشريع الإسلامي: 1/31) وهي: علاقة الفرد بخالقه، وبنفسه، وبفرد آخر، وبالمجتمع، وبالبيئة، وبالدولة، وفي هذا المقام ينظم الأديب الكرباسي في شاهد (بحر المقبول) التام:
ست علاقات الخلائق في الحياة كما بدا * بالنفس وبالرحمان والبشر الذين لهم غدا
فردٌ وجمعٌ ثم يعقبه النظام لدولةٍ *** والبيئة الكبرى لها أثرُ على نمط الأدا
فهذه العلاقات كما يراها المؤلف هي مؤشر على حاضر الفرد ومستقبله، وبالتبع على المجتمع، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً.
وإذا قايسنا بحور الفراهيدي الخمسة عشر ببحور الكرباسي المائتين وعشرة أبحر، فان الفارق كبيرٌ جداً، مما يعطي الانطباع العام أن الثاني لم يترك في قوس البحور من منزع وبلغ مداها، لكن الكرباسي يرى في خاتمة كتابه أن البحور ليست متوقفة على ما ابتكره في إطار تفعيلات الخليل الثمان؛ لأن تجاوزها إلى العشرة مثلاً يفتح الأبواب على بحور أخرى، من قبيل مخمس المتقارب المتضمن لعشر (فعولن) في الصدر والعجز وشاهده:
قديمٌ جديدٌ دلال الغواني حبيبي *** ألا سحرهنَّ الذي يُبهرني وربِّي
وهذا الابتكار في الدوائر العروضية وما يتفرع عنه من بحور شعرية ضمن التفاعيل الثمان، والإقرار بأن الأبواب مفتّحة على بحور أخرى ومولداتها، يفسر قوله الشاعر والعروضي الجزائري الدكتور عبد العزيز شبّين أن: (الكرباسي من الأعلام القلائل الذين اشتغلوا بهذا العلم وأدركوا أسراره، وأتقنوا قواعده، بما امتلكه من حسٍّ مرهف، ونظر بعيد، ورؤيا استبصرت بلطائف الإلهام، وتغرَّست بفنون المعارف، ذلك أن منطلق هذا الفن هو الطبعُ، والموهبة وحدها كفيلة بوضع الفواصل، ورسم الإنفراد، غير أن الثقافة تزيدها وهجاً في التألق، وإبحاراً في الخيال، وبلاغة في المعنى، كلُّ هذا استخلصته مما قرأته من كتاب هندسة العَروض من جديد).
ولذا لا غرو أن ينعت الأديب الجزائري الدكتور شبِّين وهو الضليع بالبحور الخليلية، الكرباسي وهو الضليع بعلوم شتّى أنه الخليل الثاني.
الرأي الآخر للدراسات – لندن


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نضير الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/08



كتابة تعليق لموضوع : جديد العَروض في هندسة العَروض من جديد الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net