صفحة الكاتب : شعيب العاملي

ما للمرأة المسكينة في حملها وولادتها وإرضاعها ؟
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمَ، وَالْمَرْأَةَ (قرب الإسناد ص92).
رواية نرويها عن رسول الله (ص)، ونروي في وصية أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّكُمْ ع أَنْ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ: النِّسَاءِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمُ (الكافي ج‏7 ص52).
 
وصيّةُ الرسول صلى الله عليه وآله تستحق التدبُّرَ قليلاً:
 
أيُعقَلُ أن يوصي رسولُ الله بالضعيفين، ثم لا تشملهم رحمة الله تعالى؟!
أيوصي بهما قبيل شهادته ثم لا يكون للنساء خَصيصةٌ عند أرحم الراحمين؟!
 
حاشى الرحمة الإلهية العظيمة..
 
لقد علم الله عزّ وجل ضعفهنّ فرحمهنّ، ومن رحمته لهنّ أنّه (ينظر إليهنّ) لو قمنَ بما تعتادُ جُلُّ النساء على القيام به، ونَظَرُ الله يعني رفع العذاب!
 
فعنه (ص): أَيُّمَا امْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ تُرِيدُ بِهِ صَلَاحاً، نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ.
 
فمَن من المؤمنات لا تقوم بذلك رغبةً في صلاح أمرها وأمر أسرتها؟!
لكنّ أم سلمة رضوان الله عليها تفطّنت أنّ في حديث النبي (ص) رفعاً للعذاب فقط، وليس فيه ما يثبت ثواباً عظيماً للمرأة كما ثبت للرجال من الفضل عند جهادهم في سبيل الله ودفاعهم عن الإسلام وكَدّهم على عيالهم وغير ذلك.
 
فقالت رضي الله عنها: ذَهَبَ الرِّجَالُ بِكُلِّ خَيْرٍ!
فَأَيُّ شَيْ‏ءٍ لِلنِّسَاءِ الْمَسَاكِينِ؟!
 
تلك الفضائل العظيمة والمناقب الجسيمة قد اختُصَّ بها الرجال، فغاية ما تبلغه المرأة هو أنها لا تُعذّب؟!
مسكينةٌ هذه المرأة.. تعاني دهرها.. أُمّاً تارة.. وزوجةً أخرى.. طفلةً وأختاً.. صغيرةً وكبيرة.. تتحمّل من المشاقّ الشيء الكثير.. ثم لا تنال ما ينال الرجال عند الله؟!
 
فأين عدالة الله تعالى؟! بل أين رحمته تعالى بهنّ ورسوله يوصي بالنساء؟!
ههنا يجيبها رسول الله (ص) بما فيه قرّة عين النساء، فيقول (ص):
 
بَلَى، إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْمُجَاهِدِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
 
حملُ المرأة يجمعُ لها ثواب أمورٍ ثلاثة إذاً:
 
1. الصيام: وهو أحدُ أمورٍ خمسةٍ بُني عليها الإسلام، وهو الذي يُسَوِّدُ وجه الشيطان، وقد روينا في ثوابه أن: نَوْم الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وَنَفَسهُ تَسْبِيح‏ (قرب الإسناد ص95)
فحملُ المرأة بمنزلة هذا الصوم، ولمّا كان نوم الصائم عبادة، فكأنّ الملائكة تسجِّلُ للمرأة الحامل ثواب العبادة كلّما نامت أشهر الحمل كلّها! وثواب التسبيح بعدد أنفاسها.
 
2. القيام: أما ثواب القيام بين يدي الله تعالى فأعظم من أن يُدرك، ومما روينا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إِذَا قَامَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي صَلَاتِهِ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ، أَوْ قَالَ: أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، وَأَظَلَّتْهُ الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَحُفُّهُ مِنْ حَوْلِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ (الكافي ج3 ص265).
والمرأة الحامل بمنزلة القائم في عبادة الله وطاعته، وهذا بعض ثوابها.
 
3. الجهاد بالنفس والمال: وقد ذكره تعالى في القرآن حينما قال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) (التوبة111).
لذا حثّ أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته على الجهاد بالأموال والأنفس، فإنّ نتيجة البيع والشراء هي الجنة، بعهدٍ من الله تعالى: (وَمَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم‏)
 
ثم يقول (ص): فَإِذَا وَضَعَتْ كَانَ لَهَا مِنَ الْأَجْرِ مَا لَا تَدْرِي مَا هُوَ لِعِظَمِهِ:
ههنا يتوقف الحسابُ والعَدّ، لا تدري المرأة ما هو هذا الأجر العظيم، فهو مصداقُ: مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَت‏..
 
ثم يقول (ص): فَإِذَا أَرْضَعَتْ كَانَ لَهَا بِكُلِّ مَصَّةٍ كَعِدْلِ‏ عِتْقِ مُحَرَّرٍ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ.
فما ثواب عتق الرقبة؟
ورد في الحديث: مَنْ أَعْتَقَ مُسْلِماً أَعْتَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النَّارِ (الكافي ج6 ص180)
 
ثم يقول (ص): فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ رَضَاعِهِ ضَرَبَ مَلَكٌ عَلَى جَنْبِهَا [جَنْبَيْهَا] وَ قَالَ: استأنف [اسْتَأْنِفِي‏] الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكِ (الأمالي ص412).
 
خرجتِ المرأة المؤمنة بحملها وولادتها ورضاعتها من ذنوبها وعادت كيوم ولدتها أمّها، ونالت ما لا تدري من الثواب ما هو لعظمته.. وأظلتها الرحمة من فوق رأسها إلى أفق السماء..
 
أيقال حينها لمثل هذا الدين قد ظُلِمَت المرأة لديك؟! وما تساوى ثوابها بالرجل؟!
أم يقال:
قد حُفِظَ حقُّها بأن نالت أعظم ممّا ينال الرجل في صيامه وقيامه وجهاده بنفسه وماله؟! لمّا قدّمت ما لا يقدر الرجل عليه.
ألم يتناسب التكليف والعطاء والقدرة في هذه الشريعة الجذّابة؟!
 
هكذا هي شريعة السماء مع الضعيفين.. رحمةٌ وبركةٌ وثوابٌ جزيلٌ عظيم..
 
وهكذا هي إنسانية رسول السماء..
كانت آخر وصيّته (ص) النساء.. لكنّ الأمّة تكالبت على خيرهنّ.. بل على سيدتهنّ.. على الصديقة الزهراء عليها السلام!
 
فحُرِمَت الأمة شفاعتها، لكنّ المرأة المؤمنة لن تُحرم من ذلك..
 
فقد قال (ص) للزهراء عليها السلام حينما بكت لما يجري على الحسين عليه السلام من مِحن:
يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي، وَرِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي، وَيُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَأَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَال‏ (بحار الأنوار ج‏44 ص293).
 
هذا حال المرأة المؤمنة في دنياها وأخراها، تُثقِلُ الأرض بذريّة تشهد لله بالواحدانية، ولمحمد (ص) بالنبوة، ولعليّ وبَنيه بالولاية، وتبكي على الحسين عليه السلام وأهل بيته، فتصير الزهراء شفيعتها يوم القيامة.
 
رزقنا الله جميعاً شفاعة محمد وآله يوم الحساب.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/05



كتابة تعليق لموضوع : ما للمرأة المسكينة في حملها وولادتها وإرضاعها ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net