صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 22)  بنو اسرائيل بين حكم ال داود حتى ولادة المسيح (عليه السلام)   
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تقدم ان بني اسرائيل طغوا وتجبروا وعصوا الله وارتكبوا المحرمات وتحاسدوا وتباغضوا وتشتت امرهم فغزاهم العماليق ثم تابوا وصدقوا الله فبعث الله لهم طالوت ملكا وهزم طالوت العماليق وقتل داود (عليه السلام) جالوت.
فعادت دولة التوحيد لتحكم في ارض الشام وبعد وفاة طالوت ملكهم داود (عليه السلام) فجمعت له النبوة والملك وبعد داود (عليه السلام) ملكهم سليمان (عليه السلام) فسال الله ان يهبه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فسخر الله تعالى له الجن والشياطين والريح وعلمه منطق الطير حتى اصبحت جميع المخلوقات طوع امره وامتد سلطانه الى سبأ بعد ان جاءت ملكتهم بلقيس اليه وقد اعلنت اسلامها في قصة الصرح الممرد وهذا يعني ان ملك سليمان (عليه السلام) امتد من بلاد الشام الى اليمن وبعض الروايات الى انه ملك بلاد العراق وفارس.
(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) 
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ، فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ، رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ، هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ) 
وبعد وفاة سليمان (عليه السلام) وخليفته عاد بنو اسرائيل للمعاصي واقتراف الآثام والذنوب وقتلوا الأنبياء وجرت بينهم الحروب حتى اقاموا عاصمتين احداهما يهوذا والاخرى الناصرة وكانت احداهما تنتصر على الاخرى بأعدائهما فتحالفت احداهما مع المصريين والاخرى مع البابليين، حتى اذا غزا المصريون حلفاء بابل انتصاراً لحلفائهم هاجمهم البابليون وانهوا بذلك ملك اليهود في الشام ولم تعد لهم دولة مستقلة وساق نبوخذ نصر اسارى اليهود الى مملكته في بابل فتوزعوا في ارض العراق وجزيرة العرب وبلاد فارس، حتى ظهر الملك كورش الفارسي الذي انهى الدولة البابلية وزحف بقواته حتى فتح مصر فخير بني اسرائيل بين البقاء في المناطق التي انتقلوا اليها والعودة الى الشام فاختار غالبيتهم البقاء في البلدان التي انتقلوا اليها لانهم اصبحوا فيها من ذوي الاملاك الواسعة وعاشوا بأمن وطمأنينة في ظل الدول الكافرة بنحو افضل مما عاشوه في ظل حكمهم لأنفسهم واتسعت تجارتهم وكثرت اموالهم، واختار القسم الاخر العودة الى بلاد الشام على امل ان يعيدوا بناء دولتهم التي انهارت على يد البابليين، فعادوا الى الشام واعادوا بناء المعبد الذي بناه سليمان (عليه السلام) وكانوا يتمتعون برعاية خاصة من قبل الملك كورش ولكنهم لم يتمكنوا على اعادة بناء الدولة المستقلة في ارض الشام، بل بقوا رعايا في ظل الدولة الفارسية حتى غزا الرومان مصر واحتلوا بلاد الشام فاصبح بنو اسرائيل رعايا في الدولة الرومانية الوثنية.
ومن خلال السرد المتقدم الذي تناولنا فيه ابتلاء بني اسرائيل سواء منه ما كان يعد في عرف الناس ابتلاءاً ايجابيا كما في حال وصولهم الى سدة الملك وتمكنهم من قيادة زمام امور الشام واخرى الابتلاء الذي يعد في نظر الناس سلبيا كوقوعهم تحت سلطان غيرهم وما تعرضوا له من ظلم وقهر يمكن ان نسجل الامور الاتية:
الاول: ان الله تعالى مهد لإعداد بني اسرائيل للإدارة الفنية للدولة بعد ان حولهم من مجتمع بدوي الى مجتمع حضري نتيجة هجرتهم من بادية الشام الى مصر.
الثاني: ان التأثير السلبي للحضارة الوثنية المصرية والنفسية الإنهزامية التي عاشها بنو اسرائيل نتيجة الظلم والقهر الذي تعرضوا له في مصر كانت سبباً في تأخر استحقاق بني اسرائيل فتح الارض المباركة اربعين سنة الى ان تم تطهير المجتمع من تلك الرواسب ومن الاشخاص الذين يحملون تلك الاثار السلبية.
الثالث: بعد تأهل مجتمع بني اسرائيل لإقامة دولة التوحيد يسر الله لهم سبل اقامة دولتهم في بلاد الشام تحت رعاية الأنبياء ابتداءاً من يوشع (عليه السلام).
الرابع: ان الانحراف الفكري والأخلاقي الذي اصاب بني اسرائيل وتنازعهم على شؤون الدنيا الزائلة ادى الى تشتت شملهم وتفرقهم ثم انهيار سلطانهم امام سطوة قبائل العماليق التي سبق لهم ان هزموها وملكوا ارضها.
الخامس: بعد ان شعر بنو اسرائيل بالخطأ الكبير الذي ارتكبوه دعوا نبيهم ان ينصب لهم ملكا يقاتلون تحت لواءه لإعادة حكم التوحيد على الارض نصب الله لهم طالوت ملكا لما اتسم به من خصال وملكات ومكنهم من اعادة سلطانهم على الشام وبعد وفاته ملكهم داود ثم سليمان (عليهما السلام) فجمع لهما النبوة والملك ثم اظهر لهم عظيم قدرته بما وهب لسليمان (عليه السلام) من ملك عظيم.
السادس: من خلال قراءة تاريخ بني اسرائيل في مسالة الحرب مع العماليق يتضح ان غالبية بني اسرائيل لم يكونوا مخلصي النية وان من اخلص نيته مع الله وصدق مع ربه تعالى كانوا هم الفئة الاقل ولكن الله تعالى مكن هؤلاء من الارض، وهذا يعني ان قيام دولة الحق تتحقق وان لم يكن جميع المجتمع قد وصل الى درجة الكمال المطلوبة الا ان تحقق النصر لن يتحقق مالم يكون هناك عدد من المخلصين الاتقياء الصادقين المخلصين الذي تجري احكام الله على ايديهم.
السابع: من خلال قراءة الحدث كوحدة واحدة ابتداءاً من حادثة القاء يوسف (عليه السلام) في غيابة الجب وحتى انهيار دولة بني اسرائيل على يد نبوخذ نصر يمكن ان يقال ان الله تعالى يمنح المجتمع عدة فرص للعودة اليه والانابة الى ساحة قدسه فان اختار المجتمع طريق الضلال واتباع الهوى بعد الفرص المتعددة التي يمكنهم الله تعالى منها عندئذ يسلب منهم النعمة التي وهبها اياهم.
الثامن: كانت الفرصة الاخيرة التي منحها الله تعالى بني اسرائيل نصب طالوت وحكم داود وسليمان (عليهما السلام) ذلك لان النعمة الاولى لهم كانت في هجرتهم الى مصر في ظل حكم يوسف (عليه السلام) والملك اخناتون ولكنهم بعد ذلك عصوا وارتكبوا الآثام فسلط الله عليهم الاقباط حتى ظهر موسى (عليه السلام) فانقذهم مما هم فيه ولكنهم عادوا للمعصية بمجرد ان عبروا اليم عادوا الى المعصية فعاقبهم الله بالتيه اربعين سنة ثم من عليهم بان ادخلهم الارض المباركة واقاموا دولتهم فيها ولم تمض الايام حتى عادوا للمعصية وارتكاب المعاصي والآثام فسلط الله عليهم العماليق حتى تابوا فبعث الله لهم طالوت ملكا ثم جمع الملك والنبوة لداود وسليمان (عليه السلام) وبعدهما عادوا للظلم والمعصية اشد مما كانوا فكانت هذه اخر فرصة لهم كمجتمع مؤهل لإقامة دولة التوحيد فسلط الله عليهم البابليين فقضوا على دولتهم ولم يعد لهم دولة مستقلة وبعدها واصبحوا رعايا للدولة الفارسية والرومانية على التعاقب.
التاسع: مجتمع بني اسرائيل يمكن ان يقرا بطريقة ثانية وهو تارة بالنظر الى المجتمع كوحدة واحدة وهو ما قد تقدم بيانه في النقطة السابقة، وتارة يلحظ افراد المجتمع كل على حدة وهنا سنجد ان المجتمع يتألف من افراد يختلفون بخصالهم وصفاتهم وتوجهاتهم ومما لا شك فيه ان المجتمع ينقسم بالحاظات السالفة الى فئات متعددة وكل فئة تنقسم الى فئات اخرى ففيهم الانسان الصالح المنقطع الى الله وفيهم العصاة المردة المتجبرون وفيهم طبقات تقع بين هاتين الطبقتين وفي كل من هذه الطبقات اصناف بحسب قوة الالتزام وضعفه، والسمة العامة التي اتصف بها بنو اسرائيل انهم كانوا مجتمع توحيد على الرغم من تحريفهم الكتاب وكثرة المعاصي التي ارتكبوها حتى وصل بهم الحال الى قتل الأنبياء كما فعلوا مع زكريا ويحيى (عليهما السلام).
وخلاصة القول ان مجتمع بني اسرائيل كان قد حمل مسؤولية الدعوة الى الله حتى مع فقدانه اهلية اقامة دولة التوحيد على الارض.
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/30



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 22)  بنو اسرائيل بين حكم ال داود حتى ولادة المسيح (عليه السلام)   
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net