صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء ودروه في بناء الانسان ( ح 20 ) بنو اسرائيل في التيه
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من خلال تتبع الاحداث المركزية التي رافقت عبور بني اسرائيل البحر يمكن ان نؤشر عدة امور:
1.  تأثر بنو اسرائيل تأثراً سلبياً نتيجة طول فترة التهميش والإذلال وممارسات القهر التي عانوها من قبل المجتمع القبطي، التي نتج عنها هزيمة داخلية في الفرد والمجتمع وتحول بنو اسرائيل الى مجتمع خانع يبحث عن مكاسب جزئية فاقد لروح التضحية والاقدام والمبادرة، ومع انهم كانوا مؤمنين بنبوة موسى (عليه السلام) الا ان ما عاشته الاجيال تلو الاجيال من روح انهزامية كانت عائقا امام تحقيق الغايات المهمة التي من شانها ان تحقق لبني اسرائيل مرحلة جديدة من مراحل الوجود السياسي، الذي يهدف الى قيام دولة دينية لأول مرة في التاريخ الانساني.
الانهزامية التي عاشها مجتمع بني اسرائيل كانت تستدعي اعادة بناء الشخصية تحت رعاية مباشرة من قبل النبي موسى (عليه السلام)، فاستدعى ذلك عزل بني اسرائيل عن المجتمعات البشرية الاخرى وتخليص مجتمع بني اسرائيل من الاشخاص الذين يشكلون تهديدا مستمرا لحركة الاصلاح الاجتماعي، لذا بقي بنو اسرائيل في التيه اربعين عاماً توفي فيها الغالبية العظمى ممن كان عمره اكثر من عشرين سنة ممن عبر مع موسى (عليه السلام) البحر، بل تنص جملة من الروايات ان الذين بقوا حتى خرجوا من التيه هما وصيا موسى (عليه السلام) يوشع بن نون (عليه السلام) وكالب بن يوفنا ـ زوج كلثم بنت عمران ـ الذي حكم دولة بني اسرائيل بعد وفاة يوشع بن نون (عليه السلام) وقد اشار القران الكريم الى هاتين الحقيقتين في قوله تعالى 
﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ 
وقوله تعالى
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾
2.  الجهل المعرفي لدى عامة بني اسرائيل، والتأثر بالعقائد والديانات الباطلة التي كانت سائدة في مصر، ولم يظهر بنو اسرائيل تأثرهم بالعقائد المنحرفة في الوقت الذي كانوا تحت النير الفرعوني لانهم كانوا يعيشون ازمة الهوية، وازمة الهوية لها دور كبير جدا في حفظ الاقليات الاجتماعية سواء كانت هذه الهوية قومية او فكرية او اجتماعية، ولكنهم بعد ان تحرروا من الظلم الذي عانوه في ظل الاقباط، واصبحوا امة خالصة في سنوات التيه الاربعين ليس بينهم شخص غير بني يعقوب (عليه السلام) وقد انقسموا الى اثني عشر قبيلة كل قبيلة ينتهي نسبها الى واحد من ابناء يعقوب (عليه السلام) الاثني عشر، فزال عنهم ما كانوا يعيشونه من ازمة الهوية، واصبحوا احرارا في الإدلاء بآرائهم وافكارهم واضحوا قادرين على بيان ما يريدون والذي يظهر منه جليا الانعكاسات النفسية والمتبنيات الفكرية والاجتماعية لكل فرد او مجموعة منهم، وقد انعكس ذلك جليا في العديد من المناسبات التي منها انها لما مروا على قوم عاكفين على اصنام لهم طلبوا من موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم الها كما لهم الهه فزجرهم موسى (عليه السلام) عن ذلك، وبعد ان صنع السامري لهم عجلا جسدا من ذهب له خوار عبدوه واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، وهذا الجهل المعرفي كان احد نتائج مسيرتهم الطويلة في الذل والامتهان التي مروا بها بسبب قهر الاقباط لهم، وبذلك اصبحوا مجتمعا ورث التوحيد مع جهل معرفي كبير الذي سببه طول فترة معاشرة الوثنيين وعباد البشر، فكان بنو اسرائيل يعيشون صراعا فكرياً بين الايمان بالغيب والوحدانية الذي ورثوه عن ابائهم وعبادة الاوثان والفراعنة التي كان يمارسها مجتمع الاغلبية الذي كانوا يعيشون معه في مصر وهو مجتمع يميل الى الاعتقاد بالمحسوس المادي.
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) 

3.  حديث بني اسرائيل يكشف ان هناك فرق كبير بين الموروث والإيمان، فان عقيدة التوحيد في بني اسرائيل كانت موروثة، وقد تأثر هذا الموروث عبر الاجيال نتيجة الاختلاط بالمصريين والتأثر بحياتهم الفكرية القائمة على الشرك وتأليه الفراعنة، ونتيجة الاضطهاد والاستعباد نشأت اجيال هجينة تعتنق التوحيد عقيدة اجتماعية تربطه علائق خاصة يعيش الاضطهاد والقهر ويدفعه نحو التمسك بالتوحيد محاولة الحفاظ على الهوية التي تميزه عن المجتمع الذي اذاقه الويل والهوان.
ولذا يشير القران الكريم الى ان الذين امنوا بدعوة موسى (عليه السلام) وسلموا له تسليما كان عدد قليل من شباب بني اسرائيل.
﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾
4.  الاثر السلبي للحرية المفاجئة بعد الاستعباد الطويل، حيث لم تتمكن ذهنية بني اسرائيل من استيعاب الحرية التي نالوها في مختلف المجالات الفكرية منها والاجتماعية والمادية، الحرية شبه المطلقة حولتهم الى مجتمع مغرق بالسلبية، فبعد ان كانوا يرتجفون فرقا ورعبا من فرعون وجيوشه اصبحوا متمردين على ما يأمرهم به موسى (عليه السلام) مما يقتضيه تأسيس الدولة والقيام بشؤونها، ذلك لانهم عاشوا حياة العمال والمزارعين لا حياة القادة والمقاتلين، وحياة العبيد لا حياة السادة، وهذا المنحى الحياتي يجعل المجتمع متكلاً على غيره في جميع الشؤون المصيرية ويجنح نحو التمرد تغطية لحالة الانهزامية، لذلك نجد ان بني اسرائيل عندما ادركتهم جيوش فرعون بدلا من يعمدوا الى امتشاق السيوف للدفاع عن انفسهم وذراريهم اخذوا يلقون باللوم على موسى (عليه السلام) لأنه اخرجهم مما كانوا فيه، وانه سوف يتسبب بقتلهم جميعا بينما كانت لهم فرصة البقاء احياءاً في ظل الظلم والطغيان الفرعوني، ومرة اخرى عندما مروا على قوم عاكفين على اصنام لهم طلبوا الى موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم الها كما لهم الهة ولم يدر في خلدهم ان يصنعوا الاله المادي الذي يرغبون ان يعبدوه، وثالثة عندما دعاهم موسى (عليه السلام) للدخول الى الارض المقدسة التي كتبها الله لهم رفضوا دعوة موسى (عليه السلام) وقالوا ان فيها قوماً جبارين وانهم لن يدخلوها حتى يخرج الجبارون منها، ثم اعلنوها بوجه موسى (عليه السلام) اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون. ورابعة عندما جاءوا الى موسى (عليه السلام) بطرين على النعم الالهية التي تصلهم من ارزاق السماء حيث كانوا يرزقون المن والسلوى ليكون طعاماً لهم فطلبوا الى موسى (عليه السلام) ان يطلب من ربه ان ينوع الطعام المنزل اليهم لانهم اعتادوا على اطعمة متنوعة في مصر وانهم يريدون من الله تعالى ان ينوع لهم الطعام الذي يأكلونه.
5.  يتضح من قصة بني اسرائيل في التيه ان الانحرافات الفكرية والانهزامية الداخلية كانت اسباباً مهمة في فشل ذلك المجتمع في تحقيق الاهداف التي لإجلها اخرجوا من مصر، فمن ينظر الى حركة التاريخ المجتمعية يجد ان مجتمع بني اسرائيل البدوي احتاج الى اربعة قرون ليتحول من مجتمع البداوة الى مجتمع حضري مؤهل لبناء دولة على الاسس الفنية والادارية التي تقتضيها قيام الدول في تلك العصور، وفي مقابل ذلك كانت هناك حاجة اخرى الى تطهير هذا المجتمع من التلوث الفكري ومرض الاتكالية والانهزامية، التي تسببت بهما الفترة الطويلة من التأثر بأفكار المجتمع القبطي القائمة على عبادة الاوثان والاشخاص، وقد بدا مدى تأثرهم الفكري واضحا عندما طلبوا من موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم اصناما ليعبدوها ومسارعتهم لعبادة العجل الذي صنعه لهم السامري، وعلى الصعيد الاجتماعي فإن الإنهزامية كانت واضحة في مواقفهم عند البحر وعندما امرهم موسى (عليه السلام) بالدخول الى الارض المباركة.
وهذان الامران كانا يستدعيان اصلاح المجتمع اصلاحا جذريا والا لم تكن المهمة التي كلفوا بها لتنجح لولا ذلك، ذلك ان اللوثة الفكرية سوف تسري في المجتمع وفي الدولة الجديدة التي ستقام لتؤسس لعبادة الاوثان جنبا الى جنب لعبادة التوحيد، كما ان الانهزامية ستتسبب في انهيار الدولة عند ادنى تعرض للخطر الخارجي او الفتنة الداخلية، وكان هذا الاصلاح يتوقف على امرين الاول زوال الطبقة الفكرية المنحرفة والثاني اعادة بناء الشخصية الفردية والاجتماعية واقتضت فترة الاصلاح الذاتي والاجتماعي فترة اربعين سنة انقطع فيها بنو اسرائيل انقاطاعاً تاماً عن التواصل مع المجتمعات البشرية الاخرى، وبعد ان تم القضاء على عبدة العجل في ساحة اعدام جماعية جرت على يد ابناء المجتمع انفسهم بموافقة الذين عبدوا العجل كشرط للعفو الالهي عنهم، حتى اشارت جملة من الروايات انه قتل في ذلك اليوم سبعين الفاً من عبدة العجل مقابل التكفير عن ذنبهم.
(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ، ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
والخلاصة ان الاثار السلبية التي رافقت حياة بني اسرائيل كانت تحتاج الى صدمات وهزات اجتماعية وشخصية كي يكون المجتمع مهيأ للقيام بالدور الذي اراده الله تعالى له ومن الجدير في المقام الاشارة الى عدة سبل مكنت من اعادة بناء المجتمع:
أ‌-  عدم استجابة موسى (عليه السلام) لهم لتبديل طعامهم، بل قال لهم اذا كنتم تريدون الاستبدال فعليكم بالاعتماد على انفسكم فانزلوا الى مصر فان فيها ما طلبتم، فسكتوا عن طلبهم والقموا حجرا
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚاهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ 
ب‌-  تدمير العجل الذي صنعه السامري واحراقه والقائه في اليم لإظهار التوهين لهذا الجسد الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً والتأكيد على عدم اهليته للربوبية كما عوقب السامري بالطرد من بين بني اسرائيل ومقاطعته ليكون مثالا لكل مغضوب عليه ومنبوذ، والقضاء على الذين عبدوا العجل بعد ان اظهروا توبتهم وندمهم بعد ان علقت السماء قبول التوبة على قبول القتل وازهاق الروح.
ت‌-  كان التيه عبارة عن دورة تأهيلية وتدريبية لبني اسرائيل دامت اربعين سنة، مات فيها المجتمع الذي تغلغلت في عقله الباطن اثار الحياة السابقة في ظل الاقباط من مختلف النواحي الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، ونشات اجيال جديدة خبرت صعوبات الصحراء وتأدبت بآداب النبوة حيث كان المشرف على تدريبهم وتأهيلهم موسى وهرون ويوشع وكالب وحزقيل (عليهم السلام)، فزالت من اذهانهم تأثيرات عبادة الاصنام وتنزهت افكارهم عن الاوهام والخرافات والاساطير التي عاصرتها الاجيال التي تقدمتهم، وزال من عمق ادراكهم الذل والهوان الذي عاشه اسلافهم في مصر، وورثوا عن اسلافهم الجوانب الحضرية التي تؤهلهم لإدارة الدولة كما نظموا صفوفهم في ظل الإدارة المجتمعية الجديدة التي تمثلت بالأنبياء القادة الذين مر ذكرهم، وفي هذه الفترة من حياة بني اسرائيل نزلت التوارة وبدأت مرحلة الشريعة الموسوية.
ث‌-  ولغرض تحقيق احد غايات التيه وهو اعتماد بني اسرائيل على انفسهم وعدم اتكالهم على المعجزة وخوارق العادات التي شاء الله تعالى ان تجري في موارد محددة لغايات خاصة، توفي موسى وهرون (عليهما السلام)  في التيه، فكانت وفاتهما (عليهما السلام) المرحلة الاخيرة من مراحل اعداد بني اسرائيل لمهمة القادمة في الارض المقدسة . 
ج‌-  مضافا الى ما تقدم فان العقوبات الالهية كانت الغاية منها الاعداد المجتمعي لقيام مجتمع صالح ينشر شريعة الله تعالى على الارض، واذا تتبعنا عوامل القوى السياسية العظمى المتصارعة على الارض نجد ان اعظم امبراطوريات الارض في ذلك الزمن كانت تتناوبها القبائل الفارسية والبابلية والاشورية والقبطية، فتارة يملك البابليون الارض من الشام وحتى الهند والصين، واخرى يسيطر الفرس عليها ويمتد سلطانهم الى مصر والبلدان التابعة لها، واخرى تنهض الامبراطورية القبطية لتملك ارض مصر والشام وتنافس بابل وفارس، وفي الفترة التي كان فيها بنو اسرائيل في التيه كانت الامبراطورية الفارسية تعاني من انشقاقات داخلية وصراع بينها وبين الاتراك على بابل فكانت بلاد الشام في مأمن من الخطر العسكري الشرقي، وبعد هلاك فرعون وجيشه ضعفت الامبراطورية القبطية كثيرا، اذ تشير الروايات الى ان جيش فرعون الذي اغرقه الله تعالى كان عدده اكثر من مليون مقاتل هلكوا في ساعة واحدة، وكلما ضعفت سلطة الاقباط المركزية تمردت البلدان التي تحت نفوذها عليها لذلك كانت سوريا دائما تتمرد على مصر، ولكن مصر تعيدها الى سلطانها بين آونة واخرى، وكان الذين يحكمون الشام اقوام متفرقة من الكنعانيين وغيرهم لا يخضعون لسلطة مركزية اذ كانوا عادة خاضعين اما للأقباط او الفرس او البابليين او الاشوريين، فكانت بلاد الشام المنطقة الرخوة التي يمكن لقوة عسكرية شابة تتمتع بقوة عقائدية ومفعمة بالحيوية والنشاط ان تتمكن من تحقيق انتصارات كبيرة واقامة دولة مركزية في بلاد الشام . 
لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط                                                                                                                                                                                                          https://t.me/abdulsettarquranstudys


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/22



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء ودروه في بناء الانسان ( ح 20 ) بنو اسرائيل في التيه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net