صفحة الكاتب : شعيب العاملي

عليٌّ مع القرآن   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحديث الثالث هو الحديث الذي التزم أصحاب المجاميع الروائية عند العامة بصحته سنداً، حتّى أن من كان دأبهم المناقشة في أحاديث الفضائل صرّحوا بصحته، وهذا متن الحديث: عليٌّ مع القرآن، والقرآنُ مع عليّ، لن يتفرّقا حتى يَرِدَا عَليَّ الحوض (مستدرك الحاكم ج3 ص124، المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص135 وغيرهم).
 
وهذه الرواية صحيحة السند عند العامة، غاية الأمر أن فقه الحديث مُشكِلٌ جداً.
 
المطلب الأول: أن المعيّة من المفاهيم الإضافية، وليس للمفاهيم الإضافية وجودٌ استقلاليّ، بل إنّها قائمةٌ بغيرها، وموجودةٌ بوجوده، كالفوقيّة، والمهمُّ في هذا الحديث هذه الجهة: عليٌّ مع القرآن.
 
هذه المعيّة قائمةٌ بين هذين الطرفين بهما، وإذا قام مفهومٌ بمفهومين، فإنّه من الناحية العلميّة يوجب إقامة البرهان على أن المعنى الإضافي القائم بهذين الطرفين يحقق الوحدة، وهذا رمزٌ مهمٌ في فقه هذا الحديث.
 
المعيّة مفهومٌ، وإذا قام هذا المفهوم بطرفين فإن قيام المفهوم الواحد بطرفين لا يُعقل إلا مع وحدة الطرفين، لذا فإنّ المعيّة تختلف عن الفوقيّة، فالفوقيّة من المفاهيم الإضافيّة مختلفة الأطراف، فالفوقيّة قائمة بالفوق، في قبال التحتيّة القائمة بالتّحت، أمّا المعيّة فهي مفهومٌ واحدٌ قائم بطرفيه.
 
غاية الأمر أن أحداً من علماء العامة لم يَنَل هذه الدقائق، ويمكن أن يبحث أهل التتّبع ليروا هل تعرّض أحدٌ لذلك؟
 
فقه الحديث هو المهمّ، قال الإمام عليه السلام: اعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا عِنْدَنَا عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا وَفَهْمِهِمْ مِنَّا (الغيبة للنعماني ص29)
 
وعنه عليه السلام: حَدِيثٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ تَرْوِيه‏ (معاني الأخبار ص2).
هذا المطلب الأول الذي ينبغي الوصول لشرحه لاحقاً.
 
العجزُ عن معرفة القرآن
 
المطلب الثاني: أن كلام الخاتم صلى الله عليه وآله الذي هو خَتم الكلمات، مشتملٌ على قضيّتين لا واحدة.
 
القضية الأولى: عليٌّ مع القرآن، والقضية الثانية: والقرآنُ مع عليّ.
وتندرج في هذا التعدد حقائق أيضاً.
 
ولا يمكن فهم المعيّة ما لم يُفهم الطرف في هذا المفهوم، فتكون النتيجة أنّه ينبغي فَهمُ القرآن أولاً في قوله (عليٌّ مع القرآن)، وفهمُ عليٍّ في قوله (والقرآنُ مع عليّ).
وهذا البحث عميقٌ، ونحن نشرع فعلاً بقدرِ ما يشاء الله.
 
عليٌّ مع القرآن، والقرآنُ مع عليّ: كيف كان سيظهر الحق لو فُهِمَ هذا الحديث فقط؟
وبعد أن قال النبي صلى الله عليه وآله هاتين الجملتين قال: لن يتفرّقا حتى يَرِدَا عَليَّ الحوض.
 
والتعبير هنا أيضاً عميقٌ، لم يقل: لن (يفترقا)، إنما لن (يتفرّقا)، الهيئة هيئة تَفَعُّل، الوحدة مثل هذه الوحدة.
هل فَهِمَ مفسروا العامة القرآن مع كل التفاسير التي كتبوها والعمر الذي صرفوه؟ هل عرفوا القرآن وموطنه؟
ما بَلَغَهُ عِدَّةٌ منهم هو قشورُ بعض الأحاديث، وقد بقيَ لُبُّها!
 
هنا يمكن أن تُطرحَ شبهة، فقد قلنا أنّه ينبغي في الجملة الأولى معرفة القرآن، لأنه قال: عليٌّ مع القرآن. وفي الجملة الثانية ينبغي معرفة عليّ، وهذا دورٌ.
ولكنّ الدور يقع في صورة وحدة الجهة: فإذا أردتَ أن تُظهِرَ عظمة مُعَلِّمٍ ما، تنحصر الطريق بإظهار عظمة العلم، وبعظمة العلم تتضح عظمة المعلم.
 
أما لو أردت أن تُظهِرَ عظمة العِلم، فينبغي أولاً معرفة العالم، هذا اختلاف الجهة.
عظمة المُعَلِّم بعظمة الكتاب والعِلم الذي يفسّره، فمثلاً من يتمكن من شرح كتاب الجواهر يختلف عمّن يتمكن من تعليم المعالم أو شرح اللُّمعة.
من يُعلِّم مكاسب الشيخ ويستخرج دقائق كلمات الشيخ يختلف عمّن يعلّم المختصر النافع للمحقق ويشرحه.
أين شَرحُ الجواهر وأين شَرحُ المعتبر للمحقق؟ أين تَعليمُ هذا وتَعليمُ ذاك؟ كم يختلف المُعَلِّم؟
ينبغي أن تُعلَمُ المَعيّة، عليٌّ مع من؟ وبماذا معه؟
 
ذاك هو القرآن، والقرآن ليس قابلاً للمعرفة عند أحد، لا يُعقل أن يوجد أحدٌ يتمكن من أن يقول: أنا عرفت القرآن، لماذا؟ لأن للقرآن ظهراً وبطناً، وللبطن بطنٌ، لَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ وَلَا تُبْلَى غَرَائِبُه‏.
 
من وُجِدَ عنده العقل لا يُمكن أن يدّعي الوصول إلى القرآن الكريم، نَعَم أمثال الشيخ الأنصاري، والشهيد الأول، يمكنهم القول أنّا وصلنا إلى مرحلةٍ من مراحل القرآن.
هذا الكتاب لا يُدرَكُ ولا يُوصف، عظمته إلى هذا الحدّ، غاية الأمر أنّ طريق معرفة العظمة أيضاً هي نفس القرآن.
 
طلوع الشمس دليلٌ على الشمس، ففي معرفة الشّمس لا يمكن الرجوع لغيرها.
القرآن شمسٌ، هو سماءُ النبوّة، وعِلمُ وحكمَةُ الخاتميّة، وينبغي أن تكون معرفته منه نفسه.
 
وينبغي أولاً فهم طرف الإضافة مع القرآن الكريم، فالنكتة المهمّة مثلاً أنّه في الأشهر الاثني عشر هناك شهرٌ واحدٌ هو شهر الله بالاتفاق، وهو شهر رمضان، وعندما أراد تعالى التعريف بشهر الله كان التعريف بنزول القرآن فيه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة185)
 
وليس في كلِّ أوقات السنة أعظم وأفضل وأشرف من ليلة القدر، وعُرِّفت ليلة القدر بأنّها ظَرفٌ لِنَفسِ القرآن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ (الدخان3)
 
وتلك الليلة المباركة قدّ بُيِّنَت في هذه السورة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ثم خاطب الله الخاتم صلى الله عليه وآله ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ فإذا كانت عظمة ليلة القدر راجعة إلى أن كونها ظرفاً، وكان المظروف في هذا الظرف هو القرآن الكريم! فما مقدار عظمته؟!
 
لو كان الفخر الرازي يفهم هذا الكلام لفَهِمَ معنى: عَليٌّ مع القرآن، والقرآنُ مع عليّ.
إذا كان شكر نزول القرآن صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه، وأوجب الله ذلك على تمام الأمة إلى يوم القيامة، فما حال الشخص الذي يكون مع القرآن ولا ينفصل عنه أبداً؟
هذا من جهة الظرف.
 
معرفة القرآن وأثره
 
أما من جهة القرآن نفسه: فقد قال تعالى:
﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ هنا يَحارُ العقل، الله سبحانه وتعالى عَرَّفَ نفسه بإنزال القرآن، الذات القدوس: الله أكبر من أن يوصف، يقول أنّي أنا نزَّلتُ ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ وإلى أن يُفهم لفظ ﴿ أَحْسَنَ﴾! وأي أحسنيّة؟!
 
كلامُ الذات المحيط بتمام عوالم الوجود، والحديث الذي أنزلهُ أحسنُ مِن كلّ حَسَنٍ، وكلُّ قولٍ من الأقوال بحَوله وقُوَّته، الإله الذي أنزل التوراة والانجيل والصحف ومزامير داوود، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ جمع كلّ هذا وقال: ﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً﴾ فصار هذا الحديث كتاباً منزّلاً منه متّصفاً بأنه أحسن الحديث.
هذا نفس القرآن بالذات.
 
أما أَثَرُ القرآن، فأوّلاً: لا جوهر في العالم أعلى من جوهر الهداية، لماذا؟ ينبغي أن تكون كلُّ الكلمات متوائمةً مع المنطق والاستدلال، والدليل على ذلك: أنّ أمَّ الكتاب سورةُ الحمد، وكان ختم الدعاء في سورة الحمد: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾.
وما هو هذا القرآن؟ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء9).
فصار بنفسه أحسن الحديث، وما يهدي إليه صار أقوم الطرق.
 
لو فَهِمَ وعَرفَ كلُّ علماء المذاهب الأربعة مَن هو الذي كان مع مثل هذا القرآن، وعالماً بكلّ بطونه، سيعرفون بعد ذلك لماذا قال صلى الله عليه وآله له: يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ الله إِلَّا أَنَا وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَنِي إِلَّا الله وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إِلَّا الله وَأَنَا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/19



كتابة تعليق لموضوع : عليٌّ مع القرآن   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net