بغداد الحبيبة..مدينة الحياة
سمير بشير النعيمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بغداد الحبيبة العريقة الموغلة بالقدم...... طابع مدينة بغداد اوجده عنف الحياة على رقعتها منذ انشائها...ومازال ملازما لها لحد هذه اللحظة ....!!
بغداد الحبيبة ...مدينة نهر دجلة الخالد...مدينة الشعراء والادباء والفنانين..مدينة ابي نؤاس والمتنبي ..مدينة السحر والبذخ والترف..
مدينة الحركة والثورات مدينة العنت والعنف ...والتقاء الاضداد
والاجناس والمدنيات ..!!
بغداد مدينة الاسواق والحمامات وعجائب وغرائب الدنيا !!!
زار بغداد العلماء والشعراء والكثير من الاجناس والفوا عنها الكتب والبحوث من العرب والمستشرقين ووصفوا انهارها وقصورها وتحدثو عن تاريخها وجغرافيتها وطبوغرافيتها تحدثو عن بغداد المدورة !!!!
بغداد ....يا بغداد ...لم يخط تقلب الزمان ومصائبه المفجعة وأثار عنفه الموجعه على مدينة باقية اعنف مما خطه على بغداد المدينة الدائمة الجراح ....فما اكثر الحرائق والفيضانات وأوبئة الامراض والثورات والحصارات وغزو العتاة واحتلال الاوغاد على هذه المدينة الصابرة الخالدة ؟؟!!!
شاءت الاقدار والحظ العاثر لمدينة بغداد ان تكون ملتقى الشرق الاقصى بالشرق الاوسط فكانت بسبب ذلك عرضة لغزو الجيوش الزاحفة المتخلفة المتوحشة العابثة القادمة من الشرق الاقصى أو من غيره...جيوش التتار والمغول والخروفين الابيض والاسود والصفويين والعثمانيين والانكليز والاميركان جيوش هولاكو وتيمور لنك واسماعيل الصفوي والعم سام وجورج بوش !!!
فعبثوا بها ودمروها وقتلوا اهلها واحرقوها ونهبوا خيراتها وتحفها منذ القدم ولحد الان...حتى ان (المقريزي) يصف حال خرابها في منتصف القرن الخامس عشرفيقول..( ان بغداد وصلت من الخراب والدمار الى الحد الذي يتعذر بسببه أن يقال عليها انها مدينة )!!!
بغداد الغالية تعرضت لاثنين وعشرين احتلال اجنبي وكل احتلال يمعن اكثر من سابقيه المحتليين في تخريبها وحرق كتبها وطمس معالم حضارتها وتدميرها وقتل اهلها واشاعة المجاعة فيها !!!
في ظل الاتراك حكمها اربعة وعشرين باشا لم ينقذوها من وهدتها وعمت ببغداد مرات كثيرة الفوضى وضعف دور السلطان المركزي وتفردت بعض القبائل القوية بفرض قانونها البدائي العتيد الذي لا يخلو من الظلم والجهل والقسوة ّ!!!!
في القرن الثامن عشر دبت فيها حياة بسيطة من الاصلاح وفي القرن العشرين بني سدا يمنع فيضان النهر وغرق العباد والبلاد ..
لم يقتصر النهر بفيضانه فيدمر ويخرب فقط وانما صاحبته اؤبئة وامراض مدمرة كانت تأتي مع الفيضان ......!!!!!!
في سنة 1831 ميلادية تحالف الفيضان والوباء واهلك ستين بالمائة ......من اهل بغداد .....!!
دائما بغداد تغلي وتفور من داخلها الاما واحزانا وحسرة !!!!!
فلا الجيوش الغازية ولا الفيضانات ولا الاوبئة والحرائق وماتسببه من دمار وحصار وخراب ومجاعة .....هي التي تشير لعنف الحياة وقساوتها على ارضها فحسب !!!!
وانما تعامدت معها الثورات والخلافات الكثيرة والنزاعات على المناصب وعلى الحكم والسلطان ومنها ثورة الامين والمامؤن !!
وما سببته من تخريب لضفتها الغربية الساحرة ببساتينها ومزارعها الجميلة اليانعة الاثمار والخضار وكذلك ساهم حصار المستعين بالله بتخريب الضفة الشرقية للنهر لتتساوى الضفتين الجميلتين بالتخريب والدمار ولم تعد الى ما كانت عليه ابدا.!!
نزاع الاخوة على الحكم وتلاقى معه خلافات تصارع الاضداد ...التقى الساميون والاريون والمجوس والمسلمون والترك والديلم والشيعة والسنة والمسيح واليهود والعرب والعجم والثراء الفاحش والفقر المدقع والعلم في اسمى و اعلى درجاته والجهل في احط مراتبه ...ولكن ؟؟ولكن هذا الالتقاء لم يكن الا التقاء الحياة يعني التقاء سلم وحرب التقاء علم ومعرفة والى جانبه التقاء ثوار وفوضويون ومصلحين ومفسدين كالعيارين والفتوة ومنهم من يصلح باسم الدين ومنهم من يفسد ويخرب باسم الدين والى جانب القصور الفخمة والمدارس المتقدمة كالنظامية والمستنصرية وبيت الحكمة ومدارس الفقه بشتى مذاهبه والبيمارستانات الضخمة .....
كانت الحمامات العديدة ....والمساجد الفخمة والاسواق المتنوعة المختلفة فلكل بضاعة وفاكهة سوق خاص بها ....سوق للكتب ...
وسوق للرقيق ...ولكل بلد سوق كسوق الصين ...ولكل بلد باب مجاور للسوق كباب الشام ...
وعاشت بغداد بكل هذه الحياة الصاخبة ....حياة الثورات والحرائق والفيضانات والاوبئة والمجاعات في خيال الشعراء والادباء..
بغداد التي ظل عصرها الذهبي من المهدي الى المامون تتالق ذروته ايام الرشيد .......
بغداد الحالمة ......بغداد السحر والغموض ....بغداد الخيال ...
و الشعراء ...بغداد الرصافة والكرخ وعيون المها ....
بغداد الف ليلة وليلة ...بغداد نهر دجلة......بغداد ابي نؤاس .
كان الخليفة المقتدر بالله يحب التفنن بزخرفة الحدائق والقصور وكان حول قصر الخليفة ثلاثة وعشرون قصرا اخرين ومن عجائب بعضها دار الشجرة وفيه شجرة من الذهب في بحيرة واسعة ولها ثمانية عشر غصن تحوي اوراق كثيرة تقف عليها عصافير منوعة من الفضة تصدر صفيرا لمرور الريح من خلالها وعلى حافتي البحيرة خمسة عشر تمثالا لفوارس ممتطية الجياد وكأنها كلها تجري تسابق بعضها بعضا في اتجاه واحد , والبحيرة من الزئبق تمخر عبابها اربعة مراكب مذهبة وحولها حديقة تفنن في تنسيقها وزخرفتها وجمع زهورها الفريدة مهندسون مختصون .
وبطرف من هذه العجائب والغرائب والسحر والجمال ......طرف من غليان الثورات والخراب والصراع ......وطرف من هالات التقديس فوق مقابر الاولياء والصالحين والتابعين ... وطرف من حركات القصور داخل السراديب الممتدة تحت الارض .......نسج الخيال قصص وحكايات لهذا الواقع الصاخب ...واقع الحياة الدافقة المتفجرة على ارض بغداد المدينة الخالدة ......
ان بغداد لم تكن حاضرة للحضارة الاسلامية بكل جلالها وازدهارها وحسب .....وانما بغداد كانت بوتقة فعلية صهرت الكثير من الوان الحياة الانسانية والكثير من الثقافات الاسلامية ..المختلفة....
احتضنت بغداد ثقافات الهند والفرس والروم ومن قبلهم ثقافات بابل وأشور والساميين والأريين وسكنت كل هذه الثقافات العديدة المتنوعة والمختلفة في رحم بغداد المخصب المفعم بالحياة فولدت حضارة اسلامية جديدة ونشرتها على المشرق والمغرب سريعا فقد جاء الى العراق العربي ...الهندي والتركي والفارسي والانكليزي ....واختلطت ثقافات المسلم والنصراني واليهودي واليزيدي والصابئي واسهموا جميعا في اخراج ثقافة رائعة ذات طابع متميز متحضر مذابة بالحيوية حيوية المدينة الراقية المتقدمة التى تهفو اليها قلوب الشعراء والادباء والعلماء والمتفقهون ....للنهل من نبعها الصافي ...المعرفة والعلم والتفقه .
مدينة بغداد الحبيبة لها طابعها المميز وككل مدينة عريقة تفرض هذا الطابع على حياة سكانها ولقد فرضت بغداد على مر العصور من طابعها سمات وصفات على انتاج مفكريها وشعرائها وعلمائها .....فهل تستعيد بغداد مكانتها القديمة بعد ان نالها الخراب والدمار سنين عديدة وفي كل مرة تقف رافعة راسها بعنفوان نافضة تراب الاوجاع والالام والدمار والخراب ..؟؟؟؟
بغداد لاتعرف الهزيمة ففي كل مرة تلملم احزانها وتداوي جراحها وتنهض من جديد قوية لتثبت للحياة انها الاقوى والاقدر على صياغة مجدها من جديد !!
هل تشهد بغداد تجارب عنيفة من تجاربها السابقة الدموية المدمرة وتستفيق مرة اخرى ؟؟؟؟
وتقدم للعالم اين ماكانوا خلاصة التجارب ودروس السنين والايام الغابرة وتثبت لهم ان دروسها القاسية وتجاربها المريرة مازالت تتسم بسمة الحياة ..
في بغداد تدفق قوي عنيف وتلاقي الاضداد في سلام حينا وفي خصام عنيف احيان كثيرة ولكن لابد لهذه التجارب المريرة ...القدرة على اخراج سمات راقية ومتطورة تنتج اروع الثمرات
...وأقدس واحلى الامنيات .؟!!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سمير بشير النعيمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat