صفحة الكاتب : عزيز الحافظ

ثلاجة الموتى
عزيز الحافظ

تهالك إلى فراش أرض غرفته الرّث...مرهقا متثاقلا بعد نهار عمل عضلي شاق ومضن..يدفع عربة خشبية في السوق المحلي لمدينته مقلاّ كل الحمولات المتوسطة والمتبخترة....فهي  مصدر رزقه الوحيد... لم يكترث لإقتراب طفليه...بل لم تجد لهم ،شفتاه الاببسمة غامضة  فهم لايفقهوون ضنك عيشه... جال مرارا ومرارا بنظره في ديكور غرفته مهموما متعوسا....فقد كانت ترتدي كل ملابس  البؤس والشقاء! الستارة البالية..والشباك العاري من الزجاج والمغلّف بنايلون تجليد الكتب المدرسية...والوسائد المتهرئة... وفراش الأرضية والأغطية الفاقدة الألوان وسمة التعريف,,,,شكرا لله.. وصبرا! غدا سيتغير كل شيء في حياته... غدا سيتوجه للجنة الطبية لفحص بداية التعيين...  حاملا بنشوة المنتصر...شهادة البكالوريوس في الفيزياء والمدسوسة بين احشاء فراش النوم البالي فقد كان ممنوعا من التعيين لاسباب أمنية وكأن التعيين منصات إطلاق صواريخ عابرة للقارات! هددت الأمن القومي لوطنه... والسبب جريرة... ارتكبها أب لم يره وأم ماتت كمدا وحزنا عليه،بعده والجريرة في النظام الفاشي قد تكون حتى بحجة عدم إحترام النشيد الوطني! عاش يتيما مع أخواله تلاحقه تهمة الاب في كل طلب معلومات...مع انه لم يأبه لجثة ابيه التي لم يعلم اي تراب في الوطن يحتضنها بشوق وحنان... فحاضره أقسى من التبحر في مواقع جثث الاحبة الموتى... أندس في فراشه الذي كان يحمل كل سمات طيات شوارع مدينته وهو يجوبها سنوات بعربته  حتى حفظ التلافيف والمنعرجات  ومنخفضاتها ..كما برع في دراسته الفيزياوية... الاكاديمية.. نهض كعادته لصلاة الفجر بميقاتها... لم يتحمس لفطور كل يوم...فهو يترك لقمته لأطفاله تناور بها أمهم بين وجبات الطعام النزر... تحسس ملفّ معاملته وملحقاتها وقرر أن يبّكر بالذهاب للجنة الطبية... وصل المكان فبقربه يرتكن كراج عرباتهم الشامخ!أندس في الجموع محاورا من جاوره... بحبور.. مرّ زمن الانتظار بتثاقل قاس... حصل ما لم يكن في الحسبان؟ عصف ونار...أشلاء تتشظى من لحم البشر...احتراق وسيول دم جارف صبغت الجدران والشارع والعربات والسيارات بكل مايذهل المرضعات جعلهم كعصف مأكول...لم يتحسس جسده وما ألّم  به.... ولكن نشوته كانت تحلق بعيدا عن جسده رويدا رويدا... كان في الرمق الاخير،تعرّف بنصف عين ووعي على زميل مهنة له مع أخر يرفعانه من الأرض الى عربة خشبية...تسير به مسرعة في مطبات يعرف خباياها وتلافيفها جيدا...تذ ّكره بوعورة فراش نومه...ورأسه يتوسدحافة العربة متدليا كغصن قطيع بعد قطاف...يتموج مع المطبات..جسده متكور.. سمع هسيسا منهم((الى الثلاجة)) أنتابه سرور عظيم!!ثلاجة؟! تذكر ان أول أمانيه بمحاربة فقر غرفته.. شراء ثلاجة يزيّن بها وحشة فناء الغرفة  الجرداء قبل حلول الصيف!! يا لسرعة التحقق!!



فلم يكن يعلم إنهم ينقلوه لثلاجة الموتى!!!





قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الحافظ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/30



كتابة تعليق لموضوع : ثلاجة الموتى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابو محمد البصري من : العراق ، بعنوان : مشاهد في 2010/11/30 .

الاستاذ الفاضل عزيز الحافظ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرتني قصتكم والتي اعتقد انها من واقعنا المؤلم بكل حيثياته بمشاهد لازالت راسخة في ذهني
المشهد الاول : حملنا نحن طلاب المدارس على النظر الى الاعدامات في بداية ثمانينيات القرن الماضي ، حينما كانوا الجلاوزة يصلبون الجثث على اعمده خشبية فيقومون بصب جام حقدهم من فوهات بنادقهم ليخلفوا ايتام لا لشيء الا لانهم تركوا مهازل الطاغية ومغامراته المشينة
المشهد الثاني : عجوز يقبل ماتبقى من رفات ولده بعد ان وجده في احدى المقابر الجماعية التي خلفها الطاغية
المشهد الثالث : انفجار سيارة مفخخة في احد الاحياء ليحمل الموتى في عربات خشبية ، كما ذكرتم ليسألني ابني ، سؤال بريء الا يوجد سيارات اسعاف في بلدنا مثلما نرى في الافلام
فالزم الصمت لتخرج دمعة على ذلك اليتيم الذي اعدم ابوه ، اختلفت طريقة الاعدام الا ان الجلاد واحد والضحية هم ابناء العراق

تقبل مروري وشكري






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net