صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

القُدسُ.. التي تأبى الطهارة !
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
مِنْ عِنْدِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ !
 
العَهدُ القديمُ من الكتاب المقدَّس، كتابٌ يؤمن به اليهود والنصارى، ينقل في سِفر أرمياء23: 15 عن لسان الله تعالى أنّ أدعياء النبوّة في القدس تنبؤوا دون أن يرسلهم الله تعالى لِخَلقِه، وفَسِقُوا وكذبوا وصَدَر منهم (مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ)، بل منهم (خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ الأَرْضِ) !
 
هكذا كان حال اليهود المنافقين في القدس قديماً، واليوم مِثلُ سوالف الأيام ! ففي كلِّ الأرضِ أثَرٌ من نِفاق اليهود، ومِنهم كَذَبَةٌ تظاهَروا حتى بالنبوة !
 
ما اعتَبَرَ هؤلاء بما أعدَّ الله لهم من جزاءٍ في كتابهم المقدَّس حين قال: وَأَجْعَلُ عَلَيْكُمْ عَارًا أَبَدِيًّا وَخِزْيًا أَبَدِيًّا لاَ يُنْسَى (أرمياء23: 40).
 
فرغم كون الخزي مُلازِماً لهم، غيرَ مفارق إياهم، ما غيَّروا سيرتهم، ولا اتّعظ سواهم بهم، فما تَنَبَّهَ كثيرٌ من الخلق لخطورة التعامل معهم، وقد حذَّرَ توراة موسى عليه السلام من ذلك حين قال: وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ (الخروج23: 1)، فكيف باليهود الذين خَرَجَ منهم النفاق إلى كلّ بقاع الأرض ! بحسب كتابهم !
 
فماذا يريد أهل النِّفَاق والشِّقاق من القدس ؟! يهوداً كانوا أم لم يكونوا..
هل يريد هؤلاء تنجيسها وسائر بلاد المسلمين؟! ماذا يريد أصحاب القاذورات منها ومن بلادنا ؟!
 
لقد جعل الله تعالى عليهم (عَارًا أَبَدِيًّا)، كما جعل القدس (عَارًا لِلأُمَمِ) ! بحسب توراتهم!
 
فما هو حال القدس:
1. أيام بني إسرائيل ؟
2. ثم في الإسلام ؟
3. ثم أيام المخلِّص المنقذ ؟!
 
أولاً: القدس لا تقبل الطهارة !
 
ينقلُ (سِفر أرمياء) خطاب الله تعالى للقدس فيقول:
 
فِسْقُكِ وَصَهِيلُكِ وَرَذَالَةُ زِنَاكِ عَلَى الآكَامِ فِي الْحَقْلِ. قَدْ رَأَيْتُ مَكْرَهَاتِكِ.
وَيْلٌ لَكِ يَا أُورُشَلِيمُ! لاَ تَطَهَرِينَ. حَتَّى مَتَى بَعْدُ؟ (ففي أرمياء13: 27)
 
لقد استَعصَت القدسُ على ربِّها، حتى نادى لها بالويل، إذ أبَت الطّهارة !
 
إنّ لكلّ معصيةٍ توبةً، لكن فِسق القدس ورذالة ساكنيها جعلتهم مصداقاً لأصحاب القلوب التي قَسَت فصارت كالحجارة أو أشدّ قسوة، فعن الباقر من آل محمد عليه السلام أنّ الإنسان إذا ما أذنب صار في قلبه (نُكْتَةٌ سَوْدَاء) !
وَإِنْ تَمَادَى فِي الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ حَتَّى يُغَطِّيَ الْبَيَاضَ !
فَإِذَا غَطَّى الْبَيَاضَ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُهُ إِلَى خَيْرٍ أَبَداً ! (الكافي ج2 ص273).
 
هكذا حالُ القدس وساكنيها، بحسب الكتاب المقدَّس ! فأيُّ خَيرٍ فيك وفيهم أيّتها القدس ؟!
 
وهذه نبوءة النبيّ حزقيال عن الله تعالى علّام الغيوب، تشير إلى أنك لن تطهري حتى يحلّ عليك غضب الله ! ففيه:
 
فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ ! (حزقيال24: 13)
 
لقد جعلت الرذائلُ اليهودَ ممّن لا يرجعون إلى خيرٍ أبداً، وصارت القدس من البلاد التي لا تطهُر إلا إذا حلّ عليها غضب الله، وقد حلّ عليها يوماً حينما أفنى بخت نصر أنجاسها بأكملهم.
 
لكنّ اليهود عادوا إليها كما كانوا، يجمعون كلّ رذالات الأمم ويبثون النفاق منها إلى المعمورة ! فما طهروا ولا طهرت القدس، وصِرنا ننتظر غضب الله عليهم وعليها !
 
ثانياً: القدس والإمام !
 
في ديننا، دين النبي محمدٍ صلى الله عليه وآله، اقتَرَنَت الطهارة (بولاية عَليٍّ) عليه السلام، لكنَّ جُلَّ أهل القدس رفضوا ذلك، فأبَوا أن يطهِّرَهم الله تعالى بالولاية.
 
قال عزّ وجل: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم)
وبيّنَ  الإمام الصادق من آل محمد عليه السلام بَعضَ معاني الآية الشريفة فقال: السماء في الباطن رسول الله، والماءُ عليٌّ (ع)! جعل الله علياً من رسول الله (ص)، فذلك قوله: (ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فذلك عليٌّ يُطَهِّرُ الله به قلب من والاه (تفسير العياشي ج‏2 ص50).
 
المعادَلَةُ في ديننا واضحةٌ جليّة، إكمال الدين وإتمام النِّعمة ما كان إلا بولاية أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، وتطهيرُ الله لعباده المسلمين مُنحصِرٌ باتّباع عليٍّ عليه السلام بعد النبيّ (ص)، فمَن لم يوالِ علياً عليه السلام ما كان من أهل الطهارة أبداً.
 
فما حال القدس من ذلك؟
 
بالأمس القريب.. في القدس وجِوارِها كانَ يُقال للعامِليِّ الشيعيّ من بلادنا (مِتوالي أبو ذنب) !
 
أي أنّ الموالي لعليٍّ عليه السلام يُشَبَّهُ عندهم (بالقرد) ! أو سواه من الحيوانات ذي الأذناب !
فلا مَكان لِمَن تطهّرَ بولاية عليٍّ عليه السلام عند أهل القدس:
 
أمّا اليهودُ منهم.. فإنّ خيبَر ما فارَقَت ذاكرتهم !
 
وأمّا المسلمون، فجُلُّهم فيها يوالون أعداء عَليٍّ وظالميه، ومغتصبي حقه، مَن كشفوا داره، وضربوا زوجته، بضعة الرسول، فاطمة البتول (ع)، وأسقطوا جنينها، وهي سيدة النساء، وروح النبي التي بين جنبيه !
 
فأين الطهارة منك أيَّتُها القدس اليوم ؟! ومِن كثيرٍ من بلاد المسلمين.
أين أنت عن آل محمد ؟! وولاية عليٍّ، وهو ماء السّماء الذي يطهِّرُ الله به الأرض.
 
ثالثاً: القدس والمخلِّص !
 
ما أغفل الكتاب المقدَّس مَصير القدس في آخر الأيام، ففي العهد القديم نبوءةٌ تُبَشِّرُ بمَلِكٍ تنضوي القدس تحت لوائه، يوصف أنّه (عادلٌ ومنصورٌ)، ففي سِفر زكريا:
 
اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ (زكريا 9: 9).
 
آمن النصارى كاليهود بهذه البشارة، وفسَّروها بعيسى عليه السلام، ولكن لمّا لم يملك عيسى في أيامه، قالوا أنّ له مجيئان للقدس، الأول قريبٌ وهو الذي بلّغ فيه الرسالة، وأظهر فيه الدّعوة، والثاني عند عودته مرّة أخرى.
 
لكنّ الإنجيل يصف قدومه بصورة أخرى فيقول لوقا:
 
تَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ. وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ.. النَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ (لوقا21: 24-27).
 
ثمَّ يؤكِّدُ القرآن الكريم شيئاً من هذا المعنى فيقول تعالى:
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص5).
 
وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء105).
 
لَم تُمحَ هذه المعاني من الزبور كما مُحي غيرها، فلا زال يتضمن أن: (الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ)، وفيه: (أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ)، ومن كلماته: (لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ)، وفيه: (الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ) (المزامير37: 9و11و22و29).
 
فأيُّ هذه النصوص أصحُّ ؟ أيكون القادمُ والمخلِّصُ لكلّ الدُّنيا هو المسيح أم المهدي ؟!
 
لقد قال النبي (ص): مِنْ ذُرِّيَّتِيَ الْمَهْدِيُّ، إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِنُصْرَتِهِ فَقَدَّمَهُ وَصَلَّى خَلْفَهُ (الأمالي للصدوق ص218).
 
عيسى بن مريم قادمٌ لنصرة المهدي إذاً: هكذا يُمكن أن تُفهم عبارة الإنجيل: (يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ)، فهو قادمٌ لنصرة المهدي (ع) الذي يورثه الله الأرض، فهو العادلُ المنصور، ينصره الله تعالى حتى بعيسى عليه السلام.
 
القدس اليوم تنتظر، وتستذكر قول السماء لها: لَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ !
 
القدس اليوم، كسائر بلاد الله المسلوبة، تنتظر اكتمال (أَزْمِنَةُ الأُمَمِ)، وظهورَ علاماتٍ في السماء والأرض، يخرُجُ بعدها المهديّ عليه السلام، فيطهِّرُ الأرض من كلّ رجاسات الأمم، تلك التي بثّها اليهود من أيِّ دينٍ كانوا !
 
وينشر عليه السلام ولايةَ أبيه عليّ بن أبي طالب، فهو الوارث له، وهو كعليٍّ، ماءٌ يُطهِّرُ الله به من يشاء من عباده.
 
اللهم ثبّتنا على هذه الولاية، فهي الطهارة للنفوس، والطمأنينة للقلوب، والخلاص في يوم الجزاء، واهدِ إليها من أحببت من خلقك، إنك سميعٌ مجيب.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/21



كتابة تعليق لموضوع : القُدسُ.. التي تأبى الطهارة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net