صفحة الكاتب : شعيب العاملي

لماذا هُدِمَت (قبور البقيع) ؟!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
 
طارَ بنو أميّة فَرَحاً يوم جَلَسَ عثمانُ على كرسيّ الخلافة، بعدما قُتِلَ ابن الخطّاب.
 
وسارَعَ أبو سفيان إلى الإمام الحسين بن علي عليه السلام، وقد قارَبَت سِنيّه العشرين، فأخذ بيده إلى (بقيع الغرقد): حَتَّى إِذَا تَوَسَّطَ الْقُبُورَ اجْتَرَّهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:
 
يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، الَّذِي كُنْتُمْ تُقَاتِلُونَّا عَلَيْهِ صَارَ بِأَيْدِينَا، وَأَنْتُمْ رَمِيمٌ !
 
دِينُ الله، الذي قاتَلَ لأجله المسلمون، ودَفَنُوا شهداءهم في البقيع لأجله، صارَ ألعوبةً بِيَدِ بني أمية !
والحسينُ بن عليٍّ شاهدٌ على صِياح أبي سفيان: أنتم رَميمٌ !
 
ما عاد بمقدور العِظَام تحت الثرى أن تُزَلزِلَ عروش بني أميّة، هكذا رأى أبو سفيان ! فأصحابها قاتلوا أحياءً، وعظامهم اليوم وقبورهم أعجز من أن تؤثر على بني قومه.
 
لكنّ قبوراً أربعة غيَّرت المعادلة.. لمّا دُفِنَ في البقيع من الأئمة: الحسن بن علي، وزين العابدين، والباقر والصادق عليهم السلام أجمعين، فصارَ يخشى أبناءُ الطُّلقاء من أصحاب القبور وهم تحت الثرى ! خَشيَتَهُم منهم فوق الثرى وأعظم !
 
لقد تَقَدَّمَ من عمر بن الخطاب وقومه رغبة بنبش أربعين قبراً أعدّها أميرُ المؤمنين لئلا يُعرف قبرُ الزهراء عليها السلام، لكنّ علياً عليه السلام حينها: خَرَجَ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاه.. وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى سَيْفِهِ ذِي الْفَقَارِ !
 
ولمّا خاطبه عمر قائلاً: وَاللَّهِ لَنَنْبِشَنَّ قَبْرَهَا وَلَنُصَلِّيَنَّ عَلَيْهَا !
 
هَزَّهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَ قَالَ لَهُ:
 
يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، أَمَّا حَقِّي فَقَدْ تَرَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَدَّ النَّاسُ عَنْ دِينِهِمْ، وَأَمَّا قَبْرُ فَاطِمَةَ فَوَ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ لَئِنْ رُمْتَ وَأَصْحَابُكَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ لَأَسْقِيَنَّ الْأَرْضَ مِنْ دِمَائِكُمْ، فَإِنْ شِئْتَ فَاعْرِضْ يَا عُمَرُ ! (دلائل الإمامة ص137).
 
لقد عَلِمَ أبناء عُمَر بعد سنين متمادية أنّ أهل البيت لا يُقاس بهم أحد، وأنّ زيارة مراقدهم وحدَها كفيلةٌ ببيان مظلوميتهم، وإظهار الحقّ وإبطال الباطل، فأرادوا أن يمحوا حتى رَسمَ قبورهم، ليُمحى ذكرهم، فهدموا قبابهم وقبورهم !
 
لقد أخبر الإمام الحسن بواقعة البقيع بين الإمام الحسين وأبي سفيان، وكان عليه السلام في مقام الاحتجاج على جَمعٍ من الأراذل والأوباش الذين اجتمعوا عند معاوية، وفيهم عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، والمغيرة بن أبي شعبة !
 
حَسيكةُ النِّفاق جمَعَت هؤلاء، فسبّوا الإمام الحسن وأمير المؤمنين، وطعنوا بهما، وهمزوا ولمزوا، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.. وأكثروا من الافتراء، فنسبوا لأمير المؤمنين عليه السلام تارة أنّه (سَمَّ أَبَا بَكْرٍ)، وأخرى أنّه (اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ عُمَرَ.. وقَتْلِ عُثْمَانَ)، وثالثةً بأنّه (مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ) !
 
وكان من أعجب افتراءاتهم قولهم للحسن عليه السلام بعدما وصفوه بالحمق !!
 
وَ قَدْ كَانَ أَبُوكَ نَاصَبَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) فِي حَيَاتِهِ ! وَأَجْلَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ! وَأَرَادَ قَتْلَهُ !!
 
لقد أجاب الإمام الحسين أبا سفيان في مقبرة البقيع بقوله: قَبَّحَ اللَّهُ شَيْبَتَكَ وَقَبَّحَ وَجْهَكَ !
 
وأجاب الإمام الحسن معاوية وجَمْعَه بأرفع الجوابات، وكان أن قال فيما قال لعمرو بن العاص:
إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ الْبَعُوضَةِ إِذْ قَالَتْ لِلنَّخْلَةِ اسْتَمْسِكِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ عَنْكَ، فَقَالَتْ لَهَا النَّخْلَةُ: مَا شَعَرْتُ بِوُقُوعِكَ فَكَيْفَ يَشُقُّ عَلَيَّ نُزُولُكَ !
 
ليس لأولاد البغايا هؤلاء شأنٌ حتى ينظر إليهم الإمام، إلا لإحقاقِ حقٍّ وإبطال باطل، وليس الإمامُ بِلَائِمٍ أمثال هؤلاء على بغضهم له، وهو القائل لأحدهم:
 
لَسْنَا نَلُومُكَ عَلَى بُغْضِنَا، وَلَمْ نُعَاتِبْكَ عَلَى حُبِّنَا، وَأَنْتَ عَدُوٌّ لِبَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ! (الإحتجاج ج‏1 ص275)
 
وهكذا شيعةُ الإمام اليوم، لا يلومون أبناء الطُّلقاء على بغض آل محمد، وهدم قبابهم وقبورهم، فالقوم أبناء القوم، والعداوة المتأصلة والمتجذرة في قلوبهم قد أعمتهم فما تركت لهم من نافذةٍ لرؤية نور الله..
فصاروا مصداقاً لقوله تعالى: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً)، فلا خير يُرتجى منهم.
 
لقد بلغوا المنتهى في الطغيان، وأرادوا هدم القبور، لأمورٍ وأمور:
 
أولاً: قبورهم من بقاع الجنة !
 
قال النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع):
يَا أَبَا الْحَسَنِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ قَبْرَكَ وَقَبْرَ وُلْدِكَ بِقَاعاً مِنْ بِقَاعِ الْجَنَّةِ (المزار للمفيد ص228)
 
ما احتمل الأرجاسُ ذِكراً بالخير لأمير المؤمنين في حياته، فكيف يصيرُ قبرُهُ وقبر أبنائه بقعةً من بقاع الجنة بعد شهادته؟! لقد زعموا أنّه عليه السلام قد عادى الرسول ! وهو خيرُ مدافعٍ عنه.
وزعموا أنّه أراد قتله (ص) ! وما من ناصر للنبي كعليّ (ع).
وزعموا أنّه من شرِّ خلق الله ! وهو خيرُ خلق الله بعد رسول الله (ص).
 
أفيَرضَون بأن يبقى قبرُهُ وقَبرُ بَنيه رمزاً شامخاً ؟!
أمَا أُخفيَ قبرُه سنين متمادية حتى أظهره الأئمة لما تغيّرت الأيام وأمِنوا نَبشَه ؟!
 
فكيف لا يَهدِمُ الأراذلُ والأوباشُ قبورَ البقيع وفيها أربعةٌ من أبنائه ؟! وهي بقعةٌ تُنير لأهل السماء كما تنير لأهل الأرض.
 
ثانياً: عمارة قبورهم علامةُ المودة !
 
قال النبي (ص) لأمير المؤمنين عليه السلام:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ قُلُوبَ نُجَبَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَصَفْوَةٍ مِنْ عِبَادِهِ تَحِنُّ إِلَيْكُمْ، وَتَتَحَمَّلُ الْمَذَلَّةَ وَالْأَذَى فِيكُمْ.
 
هاتان خِصلَتان إذاً زَرَعَهُما الله تعالى في قلوب المؤمنين: حَنينٌ وصبر، فأثمَرَ ذلك:
 
1. فَيَعْمُرُونَ قُبُورَكُمْ.
2. وَيُكْثِرُونَ زِيَارَتَهَا .. (المزار للمفيد ص228).
 
النجباء هم أهل المودّة، الذين يعمرون القبور ويزورونها، والصفوة هم الذين تحنُّ قلوبهم إليها، وأعداء الله تعالى هم الذين يسعون في هدمها وطمسها وإطفاء نورها، فلا عجب من هؤلاء ولا هؤلاء.
 
ثالثاً: قبور الأئمة.. وَحَوض القيامة !
 
عندما يُمنَعُ كثيرٌ من صحابة النبي (ص) عن ورود الحوض يوم القيامة، ويُقال للنبي (ص): إِنَّكَ لَا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ !
يقول (ص): سُحقًا, سُحقًا, لِمَن بدّلَ بَعدِي ! كما يروي البخاري (ج8 ص87).
 
وعندما يكون عُمّارُ قبور الأئمة وزوّارها هم الواردون على الحوض !
 
سيتعاظمُ الحسدُ في قلوب الأوائل ورهطِهم، على من أكرمهم الله بورود حَوض الرَّسول (ص).
 
يذكر النبي (ص) المؤمنين الذين يتعاهدون قبور الأئمة فيقول:
1. أُولَئِكَ يَا عَلِيُّ الْمَخْصُوصُونَ بِشَفَاعَتِي.
2. وَالْوَارِدُونَ حَوْضِي.
3. وَهُمْ زُوَّارِي وَجِيرَانِي غَداً فِي الْجَنَّةِ (المزار للمفيد ص228)
 
يُبعَدُ كثيرٌ من أصحاب النبي (ص) عن الحوض، ويُقَرَّبُ منه أحباب الأئمة وزوّار قبورهم، فأيُّ حَسَدٍ يتكاثرُ في صدور المنافقين لذلك ؟!
 
حَسَدٌ للأئمة يظهر بهدمِ قبورهم لمنع إحياء ذكرهم ورفع شأنهم بعد قتلهم.
وحَسَدٌ للشيعة الذين يخلِّصهم النبيّ من أهوال الساعة، ومن ذنوبهم، ويأخذ بأعضادهم وينجيهم من أهوال الموقف وشدائده، ويتعاهدهم حتى يسكنهم في جواره.
 
ومِن مظاهر الحَسَد تعييرهم للمؤمنين بهذه الزيارة، يقول النبي (ص) عنهم:
 
وَلَكِنَّ حُثَالَةً مِنَ النَّاسِ يُعَيِّرُونَ زُوَّارَ قُبُورِكُمْ بِزِيَارَتِكُمْ، كَمَا تُعَيَّرُ الزَّانِيَةُ بِزِنَاهَا، أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي، لَا تَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي، وَلَا يَرِدُونَ حَوْضِي (المزار للمفيد ص228).
 
يا آل الرسول..
نشهد: أَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ.. وأَنَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجَابُوا.. وَأَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطَاعُوا !
 
ونبرأ إلى الله من حثالة الناس هؤلاء.. شرار خلق الله، ونسأل الله أن ينتقم منهم عاجلاً وآجلاً، وأنّ يعجِّلَ في فرج صاحب الأمر، إنه نعم المولى ونعم النصير.
 
والحمد لله رب العالمين
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/20



كتابة تعليق لموضوع : لماذا هُدِمَت (قبور البقيع) ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net