الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 1 )
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق اجمعين والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير البدر الزاهر والطهر الطاهر المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا ابي القاسم محمد وال بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين.
الابتلاء سنة الهية، تفرضها طبيعة علاقة الفرد والمجتمع بالله تعالى لتحقيق التكامل الانساني من خلا التمحيص للوصول الى تحقيق المجتمع الانساني الكامل الذي يكون مؤهلا لحمل الرسالة الالهية وتطبيق شريعة الله تعالى على الارض بعيدا عن الاهواء الشخصية والنزعات الذاتية. كما ان الابتلاء  حتمية اجتماعية تقتضيها شخصية الفرد والنزعة الاجتماعية، وتسير احداثها حسب ما تقتضيه ظروف الصراع والاجواء المحيطة به.
وللابتلاء بعدان الاول البعد الروحي وهذا البعد محوره علاقة الانسان بالله تعالى وما يترتب على النجاح في الابتلاء من اثار روحية تظهر نتائجها في حياة الفرد والمجتمع في الدنيا فضلا عن دورها في تحديد مصير الانسان في الاخرة.
والبعد الثاني هو الاثار الدنيوية للابتلاء، ومدى تحديد مسار مستقبل المجتمعات البشرية، من جهة الرقي او الانحطاط، ومن خلال هذا البعد يمكن الوقوف على السنة الالهية في التعاطي مع الجوانب الدنيوية في حياة الشعوب والجماعات.
والمتتبع لحياة المجتمعات يجد ان السنة الالهية قائمة على تهيئة الاسباب المعدة لتحقيق قيام المجتمع الصالح وازاحة الظلم والطغيان والجور والجهل والفساد عن ساحة المجتمع البشري.
وفي هذا البحث سُلطت الاضواء على الجانب الاجتماعي الذي يتناوله البعد الثاني لما له من اثر مهم في حياة الامم والشعوب وتحقيق جانب المسؤولية الانسانية في مصائر الامم والشعوب والجماعات.
وبين يدي القارئ القسم الاول من البحث والذي تناول في طياته مسير الحياة المجتمعية منذ تشكل اول نواة اجتماعية على الارض والى الفترة التي سبقت البعثة النبوية.
سيجد القارئ في هذه الصفحات حديث ابتلاء الانسانية واعدادها للنهوض بمقتضيات العدل والانصاف والصلاح والسعادة، ويتضح من خلالها ان السنة الالهية في بناء الروح المجتمعية بحسب مقتضيات واقع الظروف المحيطة بالمجتمع الانساني كانت على نحوين الاول فترة الفرد الصالح الذي يقع على عاتقه النهوض بمسؤولية المجتمع والتي امتدت منذ نزول ادم (عليه السلام) على الارض وحتى بعثة النبي ابراهيم (عليه السلام)، والنحو الثاني كان اعداد المجتمع الصالح للقيام بأعباء الرسالة مضافاً الى ارسال الفرد الصالح الذي يمثل الامتداد للنحو الاول من بناء المجتمع الانساني، وكان المجتمع الذي كلف بإنجاز هذه المهمة هو مجتمع ال ابراهيم (عليه السلام) بشقيه في بني يعقوب وبني اسماعيل (عليهما السلام) .
وفي المرحلة الممتدة بعد موسى (عليه السلام) وحتى القضاء على مملكة اليهود على يد نبوخذ نصر كان المجتمع المكلف بالنهوض في نشر التوحيد في الارض واقامة دولة الموحدين هو  مجتمع بني اسرائيل وقد تحدث القران الكريم كثيرا عن مسيرة بني اسرائيل في هذا المجال.
واما بنو اسماعيل (عليه السلام) فان مرحلة تكليفهم في اقامة حكم الله على الارض شرعت مع بعثة خاتم الانبياء (عليه السلام) وتعثرت حركة بني اسماعيل كما تعثرت حركة بني اسرائيل حتى وصلوا الى ما وصل اليه بنو اسرائيل في مرحلة ما بعد السبي البابلي فهناك اضحى بنو اسرائيل رعايا في الدولة الرومانية، وفي نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اصبح المسلمون رعايا بين الدول التي تسري في عمق عقلها الباطن روح الكنيسة الارثوذكسية والكنيسة البروتستانتية بعد ان تلاشى دوراتباع الكنيسة الكاثوليكية بخروج فرنسا من حلبة الصراع في منطقة الشرق الاوسط، ولم ينته القرن العشرين حتى انهار الاتحاد السوفيتي ـ وريث سلطة الكنيسة الارثوذكسية ـ ليخضع المسلمون لسيطرة امريكا ـ وريثة الكنيسة البروتستانتية ـ.
قد يعترض معترض ان لا دور للفكر الديني في فترة الحربين العالميتين الاولى والثانية ومن ثم الحرب الباردة والصراع الاقتصادي، الا ان الواقع على خلاف ذلك تماما وهذا ما برهن عليه وقوف دول الصليب جميعا مع اليونان ضد تركيا في نزاعهما في حوض البحر المتوسط.
تكمن اهمية هذا البحث في الوقوف على عوامل ظهور وانهيار الامم في اطار البيان الالهي لهذا المسير، وهو ما عبر عنه بالابتلاء.
في اثناء اعداد هذا البحث رجعنا الى اشمل موسوعتين لدى المسلمين في اخبار الامم السالفة وهما بحار الانوار لجامعه الشيخ المجلسي رحمه الله وهو من اعاظم علماء الشيعة وله باع طويل في مختلف العلوم الاسلامية وقد ضمن كتابه العديد من المناقشات للروايات الورادة فيه باسلوب علمي موضوعي وكتابه  موسوعة جامعة للروايات الشيعية المستقاة من مختلف كتب الطائفة وقد ضمنه صاحب الكتاب بعض الروايات المنقولة عن بعض مصادر اهل السنة، وتاريخ الطبري الذي يعتبر مؤلفة ابو جعفر محمد بن جرير الطبري موسوعة علمية في التراث السني فهو مفسر ومؤرخ وناقد.وبعد هذا وذاك المرجع الاصل في الامور العمدة هو القران الكريم الذي تضمن القضايا المحورية الهامة في تاريخ المجتمعات التي تم التطرق اليها في بحث الابتلاء.
عملنا في هذا البحث على ادراج خلاصة ما امكن استنتاجه في نهاية كل مورد في نقاط كي يسهل على القارئ الرجوع اليها.وفي الختام نسال الله تعالى ان يتقبل هذا الجهد القليل والبضاعة المزجاة ويجعله ذخرا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتي الله بقلب سليم.                                                                                                                                              

الموضوع السابق كيف صار عليٌّ مع القرآن ؟ : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat