صفحة الكاتب : د . حامد العطية

رسالة مفتوحة إلى السفير العراقي في كندا
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أصارحك بأني لا أحب السفارات، وبالذات السفارات العراقية، وأكره زيارتها، وقد ترسخت في عقلي صور قبيحة للدبلوماسيين العراقيين، لذا لا أطيق التعامل معهم، او حتى الاتصال بهم، وعندما اتصلت بسفارتكم مؤخراً ولم تردوا علي فعلت ذلك مرغماً بعد التعوذ من كل الشياطين، لعلها حساسية مفرطة أو خوف لا عقلاني أو حتى عقدة نفسية تتحكم بنظرتي للسفارات العراقية وموظفيها، ولكن للعقدة اسباب ومبررات، ولا بد من المرور عليها بعجالة.

     زرت سفارات عراقية مرات لم احصها، مضطراً لا مختاراً، وخرجت منها بالسخط والمرارة غالباً، وتبين لي نتيجتها أن الدبلوماسيين العراقيين لا يختلفون عن بقية موظفي الحكومة في تقديسهم للبيرواقراطية وفي تعاليهم على المواطنين وفي تحيزاتهم السياسية والطائفية والإثنية والعشائرية والمناطقية، ولا فرق إن عملوا في أشد البلاد تخلفاً أم اكثرها تمدناً وتطوراً.

   في عهد الانحطاط البعثي سقطت الوظيفة الدبلوماسية إلى الحضيض، وحتى قبل بعثنة الوظائف الدبلوماسية في أوائل الثمانينات، وكانت السفارات العراقية نماذج متناهية الصغر لجمهورية الرعب البعثية.

    بعد فترة قصيرة من استيلاء البعثيين على السلطة انقضت صلاحية جواز سفر نجدت كوتاني وهو عراقي مقيم في لبنان ومن عائلة مسيحية معروفة في بغداد والموصل، فقصد السفارة العراقية لتجديد جوازه، وكان يطيل لحيته على طريقة المفكرين الأحرار في تلك الفترة من الزمن، وفي السفارة أبلغه القنصل أو الملحق الثقافي بأن اطالة الذقن سلوك ممنوع، وإن لم يحلق لحيته فلن يجدد جواز سفره، غضب نجدت ويحق له أن يغضب، ورفض الامتثال لأمر الديكتاتور البعثي الصغير في السفارة، وخرج يومها من دون جواز سفره العراقي، وتعرض بسب ذلك لمضايقات من السلطات اللبنانية، ولو لم تقتله القوات الأمريكية بقذيفة دبابة في الأشهر الأولى بعد الاحتلال  من دون سبب لقلت لكم زوروه في بيت عائلته في الكرادة واسألوه عن تلك التجربة المريرة مع السفارة العراقية.

     عندما عاد نجدت من دون جواز سفره تعاطفت معه وشتمنا سوية البعثيين ودبلوماسيهم، ثم هنأته على السلامة، إذ كانت السفارة العراقية في لبنان وغيرها من البعثات الدبلوماسية العراقية أوكاراً للمخابرات العراقية، وتعمد أحياناً إلى "صندقة" المعارضين، فعند مراجعة معارض مطلوب السفارة يحتجز ويخدر ويوضع في صندوق، ثم يشحن إلى العراق بصفة إرسالية دبلوماسية، وهكذا كان المعارض يدخل السفارة الواقعة على كورنيش الرملة البيضاء في بيروت ويفيق في مديرية الأمن في بغداد على مرآى الجلادين.

   وكلنا سمعنا أو قرأنا عن العراقيين وغيرهم من أعداء النظام الذين قتلوا بأيدي "دبلوماسيين" عراقيين أو بالأصح جلادين يحملون جوازات سفر دبلوماسية، وكان من بينهم الشيخ السهيل، وفي لبنان أيضاً.

   في الثمانينات كانت آخر زيارة لي لسفارة عراقية أبلغت فيها بأن الأمر قد وصلهم من العراق بعدم تجديد جواز سفري فكان ذلك آخر عهدي بهم، ولكني كنت أتسقط أخبارهم، وعلقت بذاكرتي قصة ذلك القنصل في السفارة العراقية بالسعودية الذي كان يبتز العراقيين، وكلما قصد مكتبه عراقي لتجديد جوازات سفره أو غير ذلك ردد أمامه بأنه بحاجة لجهاز منزلي فيفهم العراقي المطلوب ويهرع لشراء الجهاز واهداءه للقنصل لضمان انجاز معاملاته من دون تأخير.

    لهذه الأسباب أنا مصاب بعقدة النفور الشديد من السفارات العراقية، ولكني تغلبت على هذه العقدة قبل أيام واتصلت بالسفارة العراقية في كندا، فأجابتني بدالتهم الإلكترونية ووعدتني بالاتصال لاحقاً، فأخلفت مرتين، لذا ما زالت تقترن في ذهني صورة كل السفارات العراقية بالصندوق الذي كان يوضع فيه المعارضون، وكلما رأيت صورة دبلوماسي عراقي قفزت إلى ذهني صور القنصل العراقي الذي حكم بموسى الحلاق على ذقن المرحوم نجدت كوتاني أو الذي قتل الشيخ السهيل غدراً.

   قيل لي بأنك مختلف عن السفراء الآخرين، لذا بحثت عن أخبارك في الصحف والمنتديات وعلى موقع السفارة، وتبين لي بأنك على غير عادة السفراء وأصحاب الدولة والمعالي والسعادة لا تجلس في مكتبك منتظراً وفود العراقيين لتقديم فروض الطاعة والشكر بل زرت عدداً من المدن الكندية متفقداً العراقيين وأحوالهم وهذا امر تحمد عليه.

   يتقولون في المنتديات بأن سفير العراق في كندا محسوب على التوافق العراقي، وإن كان هذا صحيحاً فهو شأنك، وكل عراقي حر في انتماءه السياسي، ولكن معروف للجميع أن المناصب في العراق بما في ذلك السفارات خاضعة للمحاصصة السياسية والطائفية والإثنية، وهذا أمر استهجنه واستنكره، لأنه مخالفة جسيمة لمباديء العدل والمساواة والجدارة.

   وبمناسبة الحديث عن العدالة اذكرك بما ورد في البرنامج الانتخابي للتوافق العراقي وبالنص التالي: (سعادتنا .. في خدمة أبناء شعبنا.. ورفع الظلم عن كاهلهم ، وارتسام الابتسامة على وجوههم ) فأين هي العدالة في المحاصصة السياسية الجائرة؟ ولماذا لا ترفعون الظلم الذي وقع علي وغيري منذ عهد البعثيين حتى اليوم؟ ومتى تفون بوعدكم يا سعادة السفير وتهيلون علينا بعضاً من هذه السعادة وترسمون على وجوهنا ابتسامة أو شبه ابتسامة ولو لثانية واحدة ؟
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/26



كتابة تعليق لموضوع : رسالة مفتوحة إلى السفير العراقي في كندا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net