أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٦)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ}.
ومِن مُقوِّمات النَّجاح إِحترام الوَقت.
وفي شهرِ الله الفضيل يُعلِّمنا المُشرِّع كيفَ نتعامل بدقَّةٍ معَ الوقت، فلبدايتهِ وقتٌ ولنِهايتهِ وقتٌ، وللإِمساكِ وقتٌ وللإِفطارِ وقتٌ، وللصَّلواتِ وقتٌ وللأَسحارِ وقتٌ وهكذا، لاينبغي لِمن يُريدُ أَن يضبِطَ عباداتهِ في شهرِ الله أَن يتصرَّفَ بنفسهِ كيفَ يشاءُ ومتى ما يشاءُ، أَبداً.
يصفُ ذلكَ الإِمام زَينُ العابدينَ (ع) في دعائهِ لدخولِ شهرِ رَمضان {فَحَرَّمَ فِيهِ ما أَحَلَّ فِي غَيرِهِ إعظَاماً، وَحَجَرَ فِيهِ المَطَاعِمَ وَالمَشَارِبَ إكرَاماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقتاً بَيِّناً لاَ يُجِيزُجَلَّ وَعَزَّ أَن يُقَدَّمَ قَبلَهُ، وَلا يَقبَـلُ أَن يُؤَخَّرَ عَنهُ}.
إِنَّ لكُلِّ واحدٍ منَّا فُرصةً واحدةً فقط في هذهِ الحياةِ الدُّنيا لا تتكرَّر ولا تعُودُ عقاربَها إِلى الوراءِ لنُعيدَ اللَّقطة التي لمْ تُعجِبنا فنُصحِّحها مثلاً أَو نُعيدَها لنفهمَهاونستوعبَها.
يقُولُ تعالى {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
ولذلكَ يلزم على مَن يُريدُ أَن يُحقِّقَ النَّجاح أَن يُوظِّف كُلَّ لحظةٍ تمرُّ عليهِ لتحقيقِ إِنجازٍ ما، بالقراءةِ مثلاً أَو الكتابةِ أَو بعملِ خيرٍ يُقدِّمهُ لمُحتاجٍ أَو بنصيحةٍ يُسديها لأَهلِهاأَو أَيِّ شيءٍ آخر مُفيد {وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرَ} كما يقولُ الإِمام زَينُ العابدينَ (ع) فلا يُضيِّع الوَقت بالقيلِ والقالِ وبالجِدالاتِ العقيمةِ والحِواراتِ الميِّتةِ أَو بالإِفراطِفي النَّومِ واللَّهوِ واللَّعِبِ والإِستراحةِ.
يقولُ الإِمام السجَّاد (ع) في دُعاءِ مكارمِ الأَخلاقِ {وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ، وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ}.
ويُضيفُ (ع) مُتحذِّراً من الغفلةِ التي تُضيِّع الوَقت على الإِنسان {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَنَبِّهْنِي لِذِكْرِكَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ، وَانْهَجْلِي إِلَى مَحَبَّتِكَ سَبِيلاً سَهْلَةً، أَكْمِلْ لِي بِهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}.
إِنَّ من أَخطر السلوكيَّات التي تُضيِّع الوقت على المرءِ هي مجالسَ البطَّالين والتي تحوَّلت اليَوم، وبفضلِ التَّكنلوجيا ووسائلِ التَّواصل الإِجتماعي، إِلى مجالس مُمتدَّة علىطُول الوقت مع فارقِ الزَّمن بينَ دُول العالَم وفي الإِتِّجاهات الأَربعةِ.
يقُولُ الإِمامُ السجَّاد (ع) {سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفّاً بِحَقِّكَ فَأَقْصَيْتَنِي! أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي! أَوْ لَعَلَّكَوَجَدْتَنِي فِي مَقَامِ الْكَاذِبِينَ فَرَفَضْتَنِي! أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شَاكِرٍ لِنَعْمَائِكَ فَحَرَمْتَنِي! أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ فَخَذَلْتَنِي! أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الْغَافِلِينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَآيَسْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفَ مَجَالِسَ الْبَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي}.
إِنَّ مِن مصاديقِ كرمِ الشَّهرِ الفضيل أَنَّهُ يضبط عندَنا الوقت بالتَّشريعِ، فما أَحرانا لأَن نتعلَّمَ ذلكَ لتتحوَّل عندنا إِلى عمليَّةِ ضبطٍ ذاتيٍّ للوقتِ، فلا نسترسلَ معَ وسائلِالتَّواصلِ الإِجتماعي مثلاً وبدلاً مِن أَن تضبطنا هي [تأسرنا] نُحاولُ أَن نضبطها نحنُ وبإِرادتِنا، فنختارَ الوقت المُناسب للحضورِ فيها والتَّعامُلِ معها كما نُحدد بإِرادتِناالوقتَ الذي سنقضيهِ معها.
لو ينتبهُ الواحدُ مِنَّا إِلى حجمِ الوقتِ الذي يقضيهِ وهوَ مشدُودٌ يتعاملُ معَ وسائلِ التَّواصلِ الإِجتماعي لاكتشفَ أَنَّهُ ينتحرُ مِن حيثُ لا يشعُر.
ينبغي على مَن يتطلَّع إِلى النَّجاحِ أَن يحترمَ الوَقتَ ويُسيطِرُ على الخُطط التي يريدُ بها أَن يقضيَ وقتهُ، فلا يدع المشاعرَ والرَّغَبات تُسيطِرُ عليها لأَنَّها تجرُّ المرءُ لخُططٍعمياءَ لا تُساعدهُ على التَّنميةِ والنَّجاحِ.
يجبُ أَن نُخطِّط للزَّمنِ بإِرادتِنا وِفقَ حاجاتِنا على قاعدةِ الأَهمَّ فالمُهِم وليسَ بمشاعرِنا.
وكنُموذجٍ للتَّخطيطِ للزَّمَن يُقدِّمُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) المُقترح النُّموذَجي التَّالي {لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَات؛ فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يَرُمُّ مَعَاشَهُ، وَسَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِوَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيَما يَحِلُّ وَيَجْمُلُ.
وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ}.
وصدقَ (ع) الذي يحُثُّ على اقتناصِ الفُرصةِ الوحيدةِ [الحياة] للعملِ بقَولهِ {أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ}.
وقولُهُ (ع) {وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ}.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat