صفحة الكاتب : صفية الجيزاني

القصص القرآني 
صفية الجيزاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 القصص بالفتح ،اسم بمعنى الأثر ،وبالكسر ،جمع قصة ،قال الراغب :القصص اي الاخبار المتتبعة ،القصص القرآنية هي علم له موضوع وغاية وهدف كما وله خصائص ،فموضوعه هو دراسة حياة الامم السابقة وحركة انبيائهم ،فلقد ذكر القرآن الكريم بعض الانبياء ودورهم في هداية الامم التي بعثوا لها ،وبالرغم من عدم ذكره للكثير منهم وهذا ما اشار اليه عز وجل في قوله (ولقد ارسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك)غافر/٧٨،الا اننا نجد الكفاية من الدروس والعبر بمن ذكر قصصهم .
اما الغاية التي يهدف اليها القصص القرآني فهي الوقوف على سنن الله سبحانه وتعالى في تاريخ الامم ومعرفة احوالهم وما ألم بهم ،ومن خلال ذلك ممكن معرفة الاسباب الكامنة وراء الفوز والنصر او الهزيمة وأخذ الدروس والعبر حتى يتحرزوا من الانزلاق والهلاك (لقد كان في قصصهم عبرةٌ لاولي الالباب …)يوسف /١١١.
كما واقتضت الحكمة الالهية من ذكر انباء بعض الرسل والانبياء ؛تثبيتا لفؤاد النبي (صلى الله عليه واله)،فقد تعرض الانبياء لاشد الاذى والتنكيل من قبل اقوامهم ومع ذلك فقد صبروا وتحملوا واستمروا برسالتهم التي بعثوا من اجلها ،وقد تعرض صلوات الله عليه اكثر من ذلك ،فجاء ذكر هؤلاء الرسل عليهم السلام  تقوية لعزمه وتذكيره بسنته تعالى في انبيائه (وكلا نقص عليك من انباء الرسل مانثبت به فؤادك )هود/١٢٠.
ومن خصائص القصص القرآني هي الموضوعية والواقعية ،فكل ما يذكره القرآن الكريم من قصص هي امور واقعية وليس فيها شي من الخيال ،لذا تكون اكثر تأثيرا وموعظة ،ويشير الى هذه الميزة بقوله تعالى (إنّ هذا لهو القصص الحق)آل عمران /٦٢.
وحينما يذكر القرآن الكريم هذه القصص فأنه يسردها خالية من الاباطيل والخرافات بخلاف الكتب الاخرى المعروفة بالسماوية  المشحونة بهذه الامور ؛لذا اصبح القرآن الكريم ميزانا يميز الحق عن الباطل .
و للقصة أثر كبير على حياة الناس ،حيث أن للقصة جاذبية خاصة ، تترك أثرا بالغا في الانسان ،فالانسان حسي الطبع قبل ان يكون عقلي ويتأثر بالماديات أكثر من تأثره بالمسائل الفكرية والعقلية ،فلو اردنا أن نوضح بعض الاستدلالات العقلية ،فأننا نأتي بمثال حسي لتوضيح الفكرة ،وكلما كانت القصة اكثر واقعية تكون اكثر تأثيرا وجاذبية للمتلقي،وكذلك الحال بالنسبة للقصص القرآني ،فالقرآن لايذكر الوقائع التاريخية بشكل عار من الفائدة ،بل يذكرها على نحو الانتفاع منها تربويا،
وهنا لابد من الاشارة الى التفاتة رائعة طرحها المفسر القرآني السيد عبد السلام زين العابدين الموسوي (دام توفيقه)،وهي إن القصة في خدمة الفكرة ،فالقصة لاتأتي إعتباطا في السورة ،وإنما القصة في خدمة الفكرة ،السورة تطرح فكرة وتأتي القصة لتجسد هذه الفكرة ،وهذا يعني أن القصة هي وسيلة إيضاح للفكرة التي تطرحها السورة،ونلاحظ أن هناك تكرار لبعض القصص ،وطبعا في ذلك اسرار كبيرة ودلالات عميقة ،فالقرآن الكريم يلتقط ماينسجم مع السياق من هذه القصة ،فلابد أن نفهم القصص القرآني وفق سياقاته .
ومثال  القصص التي تكررت في القرآن هي قصة النبي موسى (عليه السلام)،حيث ذكرت في عشر سور،ألا أن بدايات القصة تختلف من سورة الى أخرى ،فبدايات قصة موسى (عليه السلام)في سورة طه تختلف عن بداياتها في سورة القصص،

(طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى،إلا تذكرة لمن يخشى……وهل أتاك حديث موسى اذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا…)هنا بدأت من عودة موسى (عليه السلام)من مَدين أي انها بدأت من بعثته ،(وانا اخترتك فاستمع لما يوحى…)
بينما في سورة القصص بدأت من مولده ،(ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين……وأوحينا الى أم موسى أن ارضعيه ،فأذا خفت عليه ،فألقيه في اليم …)
وهذا الاختلاف في البدايات لم يكن إعتباطا ،انما يتعلق بالسياق ،الفكرة التي تعطيها سورة طه،تختلف عن الفكرة التي تعطيها سورة القصص،في سورة طه تتحدث عن معاناة الرسالة ،لذا فكان من الانسب ومن الحكمة أن تبدأ بقصة النبي موسى من بعثته ،بينما في سورة القصص تركز على فكرة التسديد الالهي للمستضعفين ،فكان من الانسب أن تبدأ من طفولة النبي موسى (عليه السلام)؛لان موسى كان في منتهى الضعف ،كان طفلا صغيرا ، وضع في صندوق صغير في بحر هائج،في قبال فرعون الطاغية ،فهنا يتجلى التسديد الالهي ،اذن هذه المفارقة الكبرى التي جعلت قصة موسى في سورة طه تختلف عن بدايتها في سورة القصص ،فننظر الى السياق ماذا يطرح من فكرة ،فتأتي القصة منسجمة مع الفكرة في بداياتها وفي نهاياتها وحتى في وسطها .اذن نستنتج من ذلك ،أنه لابد من التدبر في القصص القرآنية لانها عبارة عن افكار متجسدة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صفية الجيزاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/10



كتابة تعليق لموضوع : القصص القرآني 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net