صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 12 ) يعقوب (عليه السلام) وبنوه
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الاية 61 من سورة يوسف تشير الى سياسية يوسف (عليه السلام) في توزيع الطعام على من يفدون الى مصر لشراء الطعام، فالذي يظهر منه انه كان يزود المتبضعين قدراً يكفيهم فترة زمنية معينة بحيث يلزمون بالعودة الى مصر مرة اخرى لشراء حاجاتهم من الطعام، وهذا ما كشف عنه قول ابناء يعقوب (عليه السلام) لابيهم منع منا الكيل، فانهم لو كانوا قد حصلوا على قدر كاف من الطعام لا يحتاجون فيه الى الرجوع الى مصر لما الحوا في السؤال عليه:
﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ 
موقف يعقوب (عليه السلام) 
اثار طلب اخوة يوسف (عليه السلام) اباهم، فهؤلاء الابناء العاقين قبل عدة عقود الحوا عليه باصطحاب يوسف (عليه السلام) الى الصحراء ولم يره منذ ذلك اليوم، واليوم يريدون ان ياخذوا منه ذكرى يوسف (عليه السلام)، فردهم وبين لهم عدم ثقته بهم، وظاهر الاية انه (عليه السلام) لم يكن رافضاً لمرافقة بنيامين لهم، ولكنه ثقته باولاده كانت مهزوزة لما ارتكب بحق يوسف (عليه السلام)، ويدل على ذلك ما حكاه الله تعالى على لسانه في كتابه العزيز حيث قال:
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ 
اذ يظهر من التعريض بهم انه لا يثق بهم وانما يثق بحفظ الله تعالى لولده برحمته ولطفه.
ثم تحدثنا ايات الذكر الحكيم ان بني يعقوب (عليه السلام) بعد ان رجعوا الى رحلهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم، فعادوا الى ابيهم يطلبون منه ان يسمح بان يصحبهم بنيامين الى مصر وبذلك يتمكنون من الامتيار ويزدادون حمل بعير باعتبار اضافة اخيهم لهم:
﴿ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾  
وعاهدوا يعقوب (عليه السلام) على حفظه، فاجابهم يعقوب (عليه السلام) الى ما طلبوا بشرط ان ياتوه موثقاً من الله ان يحافظوا على اخيهم ويعيدوه لأبيهم الا ان يعجزوا عن ذلك، فلم يجد بنو يعقوب بداً من اعطاء ابيهم موثقهم من الله فقال (عليه السلام) الله على ما نقول وكيل:
﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ 
 العبر المستفادة من حديث يعقوب (عليه السلام) وبنيه
هناك مجموعة من العبر يمكن استفادتها من حديث يعقوب (عليه السلام) وبنيه، في مجموعها تشكل فهماً لواقع الانسان الاجتماعي:
1. ان للظروف المادية والمعاناة التي يمر الانسان دور مهم في تغيير جملة من الاساليب التي عاشها الانسان في حياته، فآل يعقوب لم يدر في خلدهم يوماً ان يغادروا منطقتهم الى بلدة اخرى لانهم يعيشون حالة من الاكتفاء، اما ظروف الجوع فإنها الجأتهم الى طلب الطعام في بلاد اخرى، بلاد تختلف عن بلادهم في دينها وثقافتها وطريقة حياتها، لم يعرفوا من اخبارها الا ما تناقله التجار الذين كانوا يمرون على اطراف المنطقة طلباً للماء من ابارها او لشراء بعض حاجياتهم الضرورية كونهم يسكنون بادية الشام وعلى طريق القوافل التي تأتي من جزيرة العرب واليمن باتجاه الشام ومصر.
2. ان الجرح العميق الذي خلفه اخوة يوسف (عليه السلام) في قلب ابيهم لم يجد طريقه للشفاء، وان الم فراق يوسف (عليه السلام) والخشية من تكرار ما فعلوه او على اقل التقادير عدم بذل الجهد في الدفاع عن اخيهم، كل هذا كان حاضراً في قلب يعقوب (عليه السلام)، وهو وان لم يكن ذلك عائقاً امام ارسال بنيامين معهم، لان ظروف القحط القاهرة تجبر يعقوب (عليه السلام) على الاستجابة لطلبهم خاصة مع ابلاغ عزيز مصر لهم انهم لن ينالوا شيئاً من الطعام ان لم يأتوه بأخيهم.
3. ان اعادة بضاعة اخوة يوسف (عليه السلام) في رحالهم، من المشجعات التي دعتهم للإلحاح في الطلب الى ابيهم ان يبعث بنيامين معهم، فان اعادة ثمن ما شروه من مصر اليهم، كان بمثابة عربون صداقة من عزيز مصر، وترغيب لهم بان يعودوا اليه بصحبة اخيهم، وفي ظروف الجوع والقحط التي كانت تعيشها المنطقة، فان العودة الى مصر مع وجود هذه المغريات امر مشجع للغاية، فاهتمام عزيز مصر واستقباله لهم ونزولهم اضيافاً عليه واستلطافه لهم وتقصيه اخبارهم وشدة تعلقه بأخيهم الذي من ابيهم، كل هذا كان يدعو ابناء يعقوب الى التأهب للعودة الى مصر، والعائق الذي كان امامهم هو موافقة يعقوب (عليه السلام) على ارسال بنيامين معهم.
4. كان من الضروري ليعقوب (عليه السلام) ان يأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار حادثة يوسف (عليه السلام) فهو لا يريد ان يفجع ببنيامين كما فجع بيوسف (عليه السلام)، ولذا عندما قرر ارسال بنيامين معهم لم يكتف بوعودهم بحفظ اخيهم بل طلب منهم ان يأتوه موثقاً من الله، وهذا يعني ان يعقوب (عليه السلام) كان يرى انه لا يزال لدى بنيه مستوى من الخوف من الله تعالى وان قلوبهم لم تتحول بصورة كلية الى ساحة العداء لله تعالى، او على اقل التقادير انه (عليه السلام) بهذه المواثيق ينمي في داخلهم شعور اكبر بالمسؤولية تجاه الحفاظ على بنيامين.
5. على الرغم من كل ما ارتكبه بنو يعقوب بحق اخيهم يوسف (عليه السلام) الا ان يعقوب (عليه السلام) حافظ على كيان اسرته، ولم يفكك تلك الاسرة ويمزق شملها، وبمضي السنين اثبت يعقوب (عليه السلام) للإنسانية ان الهفوات التي تقع يجب ان تتلافى لان الله تعالى يريد بكل قوم شأناً وقدر لهم امراً، فإذا احتفظوا بوحدتهم وعلائقهم وتجاوزوا عن اخطائهم فإن امامهم كوحدة اجتماعية مستقبل عظيم مبني على حالة التلاحم الاسري، وهو ما تحقق على يد موسى ويوشع بن نون (عليهما السلام). وهذا ما يمكن ملاحظته في تاريخ الاقوام والامم في مختلف العصور والازمنة، فإن رعاية التماسك الاسري حتى تبلغ العائلة مستوى القبيلة ثم مجموعة قبائل يؤهلهم لان يكون لهم دور في رسم تاريخ المجتمع الانساني سلبياً كان ذلك الدور ام ايجابياً، فكثير من الامبراطوريات المهمة انهارت على ايدي قبائل لم يكن لها خطر كبير في فترة من الفترات ثم نمت وكبرت وحملت سيوفها على اكتافها وغيرت مسار التاريخ البشري.
لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط                 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/09



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 12 ) يعقوب (عليه السلام) وبنوه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net