صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

ردّ الشمس..
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   كنت أراه يجلس في صحن العتبة العباسية المقدسة صباح كل يوم جمعة، رجل كبير السن اشيب صبوح الوجه، وكان ينشد دائما قصائد يستعيرها من بطون الكتب تمثل الولاء والمحبة والتمسك بمحبة اهل البيت سمعته هذا الصباح يردد قصيدة الصاحب بن عبد: 

 لا تقبل التوبـة من تائـب ... إلاّ بحبّ ابن أبـي طالـــب
 اخي رسول الله بل صهره ... والصهر لا يعدل بالصاحــب
 يا قوم من مثل عليٍّ وقد ... ردّت عليه الشمس من غائب
تقربت اليه بهدء وسألته: كم مرة ردت الشمس لأمير المؤمنين؟ 
اجابني:مرتين: الأولى في حياة النبيّ (ص) بكراع الغميم، والثانية: بعد وفاة النبي ببابل.
المرة الأولى:
 روت أُم سلمة، وأسماء بنت عُمَيس، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبو ذرّ الغفاريّ، وابن عبّاس وأبو سعيد الخُدري، وأبو هريرة، و الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): أنّ رسول الله (ص) صلّى بكراع الغَميم؛ فلمّا سلّم نزل عليه الوحي، وجاء عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو على ذلك الحال، فأسنده إلى ظهره، فلم يزل على تلك الحال حتّى غابت الشمس، والقرآن ينزل على النبيّ (ص)، فلمّا تمّ الوحي، قال: يا عليّ! صلّيتَ؟ قال: لا، وقصّ عليه، فقال: ادع ليردّ الله عليك الشمس. فسأل الله، فردّت عليه بيضاء نقيّة.
وفي المرّة الثانية: روى جويرية بن مسهّر، وأبو رافع، والحُسين بن عليّ (عليهما السلام): أنّ أمير المؤمنين لمّا عبر الفرات ببابل، صلى بنفسه في طائفة معه العصر، ثمّ لم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر الجمهور، فتكلّموا في ذلك، فسأل الله تعالى ردّ الشمس عليه، فردّها عليه، فكانت في الأُفق، فلمّا سلّم القوم، غابت، فسُمع لها وجيب شديد هال الناس ذلك وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير.
 قلت للحاج: ولكن هناك من يشكل علينا في رواية رد الشمس، صاح غاضبا وماذا يقولون؟ قلت:ـ إذا كانت رواية رد الشمس للإمام علي (عليه السلام) صحيحة وهي معجزة كونية فإن من الطبيعي أن الكثيرين من أهل الأرض قد شاهدها كما أن حادثة مثل هذه لا يمكن أن تمر دون أن تدون في كتب اصحاب السير والمؤرخين من الأمم الأخرى، ولأصبحت مشهورة باعتبارها حدثا كونيا غير قابل للتفسير..!
فقال لي الحاج واجاب بحزم الواثق من نفسه: 
 أولا: قل لهم انكم لا تقصدون بالطبع بكتب اصحاب السير والمؤرخين من الامم الاخرى، وكتب المسلمين ومدوناتهم؛ لأن الحادثة ذكرت فيها إلى حد التواتر المعنوي كما تبين في بحثنا في سند الرواية.
 ثانيا: لا شك ولا ريب بحدوث حوادث كونية عظيمة على مدّ التاريخ بدءا من طوفان نوح (عليه السلام)، إلى فلق البحر لموسى (عليه السلام)، إلى إبراء الأكمه والأبرص لعيسى (عليه السلام).. وكذا إحياء الموتى، وبناء صرح هامان، وعجل السامري، وقصر سليمان، وانشقاق القمر للمصطفى (ص)، وكل الحوادث الكونية والإعجازية.
 ولا ريب أن بعضها أهم بكثير من ردّ الشمس.. كما لا شك بأن أهل الارض قد شاهدوها بل لمسوها.. فأين محل هذه الحوادث من كتب السير والمؤرخين؟ بل هناك أمور مسلمة جداً قارنت ولادة سيّد الرسل طه (ص) مثل أصحاب الفيل، وكسر طاق كسرى، وحوادث اخرى.. كل هذه أين دونت؟ ومن أين تعرف؟ بل لا نجد أي تدوين للجزئيات الكونية في تاريخ البشر آنذاك ولا نعرف مدونات في هذا الباب.
 وكذا كلّ ما كان من زلازل او فيضانات، أو طوفان، وخسف، وانهدام... وغيرها لا نعرف لها مصدراً إلى يومنا هذا.. سوى ما حدّثتنا به الكتب السماوية، علماً بأن تلك الحوادث غالباً ما تقترن بأصوات مهيبة وصواعق وآثار مهيجة جدّاً ومخيفة بخلاف ردّ الشمس أو خسوف القمر وحتى شقّه.. حيث ندر من يلتفت له أو يتوجه إليه وما كان من مدونات فلسفية أو طبية أو عقائدية.. مع ندرتها.
 ثالثاً: إن كل حادثة كونية إنما تعلم لمن كان مترقباً لها ناظراً إليها او يكون ذلك بشكل عفوي وتصادف محض، وذاك ممن هو فطن ومتوجه، بل قد يحدث كسوف او خسوف مكرراً، ولا يعلم به احد الاّ من كان راصداً للحادثة مترقباً لها، كما لم يكن يومذاك من يهتم بالأمور الكونيّة والاجرام الفلكية، بل لم يعرفوا عظمة الكون وعجائبه كيومك هذا، كما ولا نعرف من مؤرخ أو غيره، ولو كان تكذيبا للحادثة ونفيا لها.
 رابعا: أن من الواضح أن غروب الشمس يكون ممكن الرؤية في نصف الكرة دون النصف الآخر.. وعليه يخرج نصف الناس من الشبهة.
 خامسا: إن حركة ردّ الشمس لم تكن الا من جهة تمديد في الزمن، بمعنى انها من نهار إلى نهار ومن شمس إلى شمس، ومن النادر للإنسان يلحظ مثل هذا أو يحّس به، بخلاف الكسوف التام الذي يستلزم ظلاما مطبقا مثلاً.. أو زلزالا مهيبا أو خسفا، أو ما شابه ذلك.
 وبعد ملاحظة ما سلف، فلا تعجب من عدم ذكر امثال هذه الحوادث وضبطها في كتبنا فضلاً عن غيرنا، ولا يدل هذا ولا ذاك على عدم وقوع الحادثة بحال، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، بل الوقوع ادل دليل على الإمكان.
أما بالنسبة لترك علي (عليه السلام) للصلاة، نقول:
هناك روايات صرحت بأنه (عليه السلام) قد صلى وهو جالس.. وهي صلاة المضطر الذي لا يقدر على القيام، تماماً كما هو الحال في صلاة المطاردة وصلاة الغريق، وكالصلاة في الأرض التي خسف بها، حيث ورد أنه لا يجوز للنبي والوصي أن يصلي بها، حين يمر بها. فلا يعني ذلك أنه إذا مر بها، أن لا يصلي أبداً، بل هو يصلي وهو ماشٍ، فإذا تجاوزها صلى صلاة المختار.
 وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعلم: أن الصلاة لا تترك بحال، ويعلم أيضاً أن المضطر يمكن أن يصلي من جلوس. قلت مع نفسي: كم رائع هذا الحاج.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/05



كتابة تعليق لموضوع : ردّ الشمس..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net