صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

وقفة مع قصيدة ( لن يموت الضياء ) للسيد محمد حسين فضل الله
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يا ظلال الاسلام هل في ضمير الغيب عبر الحياة للنور حدُّ
أتُرانا نرضى الظلام لدنيانا ليجري على خطى الليل    مجدُ
أنخاف أرتجافة النور في الكون اذا اشتدَّ فيه    برقٌ  ورعدُ
أترانا  نخشى  جفاف  الينابيع اذا  امتد       للينابيع     وِردُ   
                              .........
لن يموت الضياء لن يُرهق الرحلةَ في الفجر منه قبلُ وبعدُ 
لن يجفَ الينبوع مهما تغنّى الزرعُ في حقله  وازهر   وردُ
هو يسقي الجذور حتى اذا اهتزت ثمارٌ واشتدّ للغصنِ  زندُ
فتّح  الورد  للندى  قلبه  الظامئ  فانهلّ    بالينابيع    يشدو
                            ..........                                 
يا ظلال الاسلام قد تُظلم الروحُ اذا عاش وحيُها في الدياجي
واستكانت  لليل  يرهقُ  نجواها  بوحيٍ  مخضّب    بالعجاجِ
وترامت  مع  الرياح  تثير  العمر كالبحر في  مدى الامواج
غير ان الايمان يشرق في الروح فتنساب بالسنا      الوهّاج 
                           ..........
( لن يموت الضياء ) قصيدة البيئة النجفية التي امضى السيد محمد حسين فضل الله سني شبابه فيها ، الفترة التي عاش فيها السيد في النجف ، كان العراق تطغى فيه التيارات العلمانية والقومية ، وكذلك الفكر اليساري ، والفكر الشيوعي ، الفكر الاسلامي في هذه المرحلة كان هدفا لهذه التيارات جميعها ، وكذلك الرموز الاسلامية ، وقد انتبه لخطورة هذه المرحلة على الاسلام ، نخبة من العلماء الواعين وكذلك الشباب المؤمن الواعي المتنور بنور الايمان الصحيح ، المستند على العلم والمعرفة والوعي لخطورة المرحلة ، خاصة علماء وطلاب الحوزة العلمية في النجف ، اذ تصدى هؤلاء للتيارات التي حاولت تشويه صورة الاسلام ، وحاولت ابعاده عن حياة المسلمين ، وفي خضم هذا الصراع المحتدم ، برز احد العلماء المجاهدين والواعين لابعاد هذه المرحلة ، هو المجتهد المفكر الاسلامي السيد محمد باقر الصدر ،اذ دعى لتشكيل حزب اسلامي منظم ، لمواجهة هذا المد المعادي للاسلام ، فكان ولادة خزب الدعوة الاسلامية في 17 ربيع الاول 1957 ، آزره في ذلك الوقت عدد كبير من علماء الحوزة العلمية في النجف وطلابها ، وكان من ضمن الشباب الذين آمنوا بالعمل الاسلامي المنظم لمواجهة المد المعادي للاسلام السيد محمد حسين فضل الله تغمده الله تعالى بواسع رحمته ، هذا الشاب النجفي الواعي الذي برزت مواهبه في كثير من الميادين ، منها ميدان الشعر ، في تلك الفترة العصيبة نظم السيد قصيدة ( لن يموت الضياء ) ، معبرا عن رؤيته في الصراع بين المد المعادي للاسلام ، والفكر الاسلامي الملتزم للانسان في حريته وكرامته والعيش الكريم ، فكان من ضمن نشاطاته في هذا الميدان ، قصيدته التي نحن بصدد الحديث عنها ، بدأ القصيدة بالرمزية ، اذ انسابت ابيات القصيدة لوحة فنية متحركة مليئة بالرموز ، رمز للاسلام بالضياء ،  ونفى ان تتمكن أي قوة من قتل الدين ، اذ تخيل الضياء أي الاسلام كائنا حيا تريد القوى المعادية قتله ، لكنه اكد ان نور الاسلام لن يُطفئ ، وضياؤه لن يُخمد . 
في البيت الاول ينادي ( يا ظلال الاسلام ) ، يخاطب الاسلام وكأنه كائن حي ، له نور وللنور ظلال ، يسأل السيد هذه الظلال ، وكأنه يسأل كائنا حيا ، هل يوجد في عالم الغيب ، ان النور له حد ويقف عند مسافة زمنية او مساحة مكانية، السؤال (هل في ضمير الغيب عبر الحياة للنور حد ) السؤال باداة الاستفهام هل ، معروف جوابه لانها للتصديق فقط ، فالجواب معلوم  يُستوحى من نفس صيغة السؤال ، وهو انه لا يوجد للنور حد ، كذا الاسلام لا احد يستطيع ايقافة او قتله او مصادرته لانه اشبه بالنور ، والنور لا حد له ، توصيف رائع يلقم من يريد ان يطفئ شعلة الاسلام بحجر في فمه ، المقطع الاول من القصيدة مجموعة استفهامات ، يعرف هو جوابها ، لكن يسأل لنفي نقيض الجواب ، كما ذكرنا في الحديث عن البيت الاول ، الابيات الاربعة في المقطع الاول كلها استفهامية ، في البيت الاول استفهم ب (هل ) ، اما الابيات الثلاثة الاخرى ، فقد استفهم بالهمزة ، ( أتُرانا ) ، ( أنخاف ) ، ويكرر ( أتُرانا ) وهي كلها في مجال نفي جواب السؤال ، يريد ان يقول نحن لا نرضى بالظلام لدنيانا اذ رمز بالحكم البعيد عن تعاليم الاسلام او المتقاطع معه بالظلام ، في حين رمز للاسلام بالنور ، وهو عكس الظلام ، وهذا لا يمكن ان نرضى به ، لان الانظمة التي تتصارع مع الاسلام هي ليل وظلام ، ولا يمكن ان نبني مجدا في الظلام ، السيد يرمز الى ما يتعرض له الاسلام من مؤامرات وهجومات من قبل الاخرين ب ( رعد وبرق ) ، الرعد والبرق مهما كان قويا فأنه سيزول ويذهب ، لكن النور هو الباقي الذي ينير الدرب للسالكين ، النور هو رمز الاسلام عند السيد .
اما قوله ( اتُرانا نخشى جفاف الينابيع .....) ، هنا شبّه الاسلام بينابيع الماء التي يستقي منها الاخرون ، هذه الينابيع ذات عطاء دائم ، واذا اراد اعداء الاسلام تجفيف هذه الينابيع فلن يتمكنوا من ذلك ، نعم ربما يصلوا اليها ويصادروا ماءها ، لكن لا يستطيعون تجفيفها ، وعبر عن ذلك بقوله ( .... اذا امتد للينابيع وِردُ ) والوِرد من يصل الى الينابيع ليستقي منها وهو يسعى لتجفيفها ، هنا رمز للاسلام بالينابيع  وهؤلاء يريدون او يتخيلون انهم يستطيعون تجفيفها ، ولكن هذا الهدف لا يتحقق  لان ينابيع الاسلام عطاء مستمر لا يمكن ان تجف مهما حاول المغرضون ، وتكالب عليها الاعداء الحاقدون . 
مرة اخرى يعرج السيد على الاسلام ليخاطبه ، يخاطب الظلال التي هي رمز لمعطيات الاسلام من فكر ونظريات ومبادئ اسلامية انسانية عامة ، في المقطع الاخير من القصيدة يقول ربما تتعرض مسيرة الاسلام الى صعوبات ومشاكل ومعوقات ، ورمز لها  ب ( الدياجي ، العجاج ، الامواج ) ، لكن في النهاية النصر للاسلام ، هنا يظهر السيد في منتهى قوة التصميم والعزيمة والارادة ، حتى يدعو الظلال الى الاطمئنان ، لان النصر سيكون حليفها لا محالة ، لابد من انتصار الحق على الباطل ، حتى وان طال الصراع وقدمت تضحيات ، هذا الانتصار يعلنه السيد في البيت الاخير من القصيدة ، الروح الاسلامية التي تتعرض لهزات وهجمات ستنتصر ، سيشرق النور من جديد ، وتستمر المسيرة بسناها الوهاج ، ثقة بالنفس عالية ، ثقة بالفكر الاسلامي السليم وغير المشوه ، ثقة بسلامة الطريق لعودة الاسلام الى الحياة ، ثقة بزوال الظلام وبزوغ فجر الاسلام من جديد ، ثقة بزوال الدياجي والعجاج والامواج ، وكلها كنايات عن المشاكل التي تعترض مسيرة الاسلام ، ثقة بالنصر لدين الله تعالى يشرق نوره في الآفاق .
غير ان الايمان يشرق في الروح   فتنساب بالسنا    الوهاج 
A_fatlawy@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/21



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع قصيدة ( لن يموت الضياء ) للسيد محمد حسين فضل الله
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net