صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

الموقف من الوحي من قبل المستشرقين والحداثيين مواقف وردود
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أولاً: موقف المستشرقين من الوحي:

لقد فسر المستشرقون الوحي بتفسيرات مختلفة بعيدة كل البعد عن التفسير الإلهي له، بل نفوا صلته بالله تعالى، ونفوا كونه وحياً نبوياً، بل فسروه بتفسيرات ناقدة منها:

1ـ انه حديث النفس.

2ـ انه نوع من الإلهام.

3ـ نوبات انفعالية.

4ـ نوع من التنويم الذاتي.

5ـ تجربة ذهنية.

6ـ حالة مرضية.

7ـ حالة صرع.

8ـ حالة هستيرية.

9ـ نوع من انواع الجنون.

10ـ نوع من أنواع السحر.

الرد على هذه الأقوال:

نقول: إن هذه المقولات مبنية على عدة مقدمات منها: سيطرة الفكر المادي على الفكر الأوربي والغربي، صدمة الكنيسة وبالتالي نقض ومحاربة كل ما هو ديني، دوافع دينية مبنية على محاربة الإسلام، دوافع ايديولوجية نفعية تقتضي نقد الإسلام وكل ما يتعلق به، وأسباب أخرى قد أوردتها الكتب المختصة.

ثانياً: موقف الحداثيين من الوحي:

لقد فسر الحداثيون الوحي بتفسيرات متعددة، مع ملاحظة مهمة بأن الحالة الحداثية العربية لم ترفض الوحي مطلقاً، ولم تقبل به مطلقاً، اذ تعتبر نفسها انها نابعة من الحالة الإسلامية، بل هي حالة اسلامية تصحيحية ـ بحسب زعمهم ـ وبالتالي كانت لها رؤيتها الخاصة للوحي منها:

1ـ الدين مؤسس من غير وحي أو إلهيات.

2ـ الوحي لا ولم ينقطع لأنه تعبير عن الطبيعة الإنسانية.

3ـ ان الناس أنبياء يوحى اليهم وصوت الطبيعة هو صوت الله.

4ـ النظرة المادية للوحي.

5ـ عزل الوحي عن أي بعد غيبي.

6ـ ان الوحي مرحلة من مراحل الوعي.

7ـ النظر من خلال النافذة الحسية للوحي.

الرد على هذه الأقوال:

نقول: إن هذه المقولات الحداثية التي تستقي من مقولات الاستشراق الكثير من اطروحاتها، وكذلك تستقي من الفكر التجريبي مقولات واطروحات أخرى، فهي قد عانت من صدمة الديني مع غير الديني، أو عانت من حالة التخلف العربي، أو عانت من ارتدادات نكسة عام 1967م لتشكل مشاعر النكسة منطلقاً لها في النقد والدعوة إلى الحداثة والتحديث؛ من أجل الرقي بالفكر العربي ـ بحسب زعمهم ـ لكي يكون فكراً تقدمياً وحداثياً مقارباً للفكر العالمي.

إن دعاة الحداثة لا ينتقدون الإسلام صراحةً، بل هم يلتفون التفافاً على الكلمات، ليبطنوها بالرفض غير الواضح إلا للمختص، فهم يدّعون بأنهم يريدون بناء إسلام بعيد كل البعد عن كل ما هو قديم ومتخلف، وبناء فرد إسلامي متقدم ومتطور، وبناء حضارة متطورة، كما ولا يمكن ـ صراحةً ـ لأحد ان يرميهم أو يتهمهم بالإلحاد ـ على سبيل المثال ـ أو بغير ذلك، أما وجود أفراد قلة من دعاة الفكر المادي فلا يؤثر على كون أكثرهم مسلمين.

إن رؤية الحداثيين للوحي هي رؤية نقدية لا تقبل بالغيبي والميتافيزيقي، وتؤمن بما هو حسي تجريبي، وفق طرح إسلامي جديد، أو إسلامي عالمي.

ثالثاً: مسألة (الشفاهي والتدويني) وما يتعلق بها:

ـ أ ـ موقف المستشرقين منها:

يقول المستشرق المجري اجانتس جولدتسيهر (1850ـ1921م): (فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به، يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات، كما نجد في نص القرآن)([1]).

فهو هنا يقول بأن القرآن الكريم مضطرب وغير ثابت، وهذا مبني على رؤيا نقدية غربية للإسلام وللقرآن الكريم.

سؤالنا: ما الذي سبب دعوى الاضطراب؟

الجواب: ان ما دعا أمثال جولدتسيهر إلى اتهام القرآن الكريم بالاضطراب هي: بعض روايات جمع القرآن الكريم، فهذا البعض هو الذي سبب توجيه سهام الانتقاد إلى القرآن الكريم.

كما ويقول: (ليس هناك نص موحد للقرآن، ومن هنا نستطيع أن نلمح في صياغته المختلفة... والنص المتلقى بالقبول "القراءة المشهورة" الذي هو لذاته غير موحد في جزئياته، يرجع إلى الكتابة التي تمت بعناية الخليفة الثالث: عثمان دفعاً للخطر الماثل من رواية كلام الله في مختلف الدوائر على صور متغايرة)([2]).

فهو هنا يقرر بأن القرآن الكريم ـ بحسب زعمه ـ له قراءتان: قراءة مشهورة وقراءة غير مشهورة، وله كذلك: نص مكتوب، وهو ـ بحسب قوله ـ الذي كتبه عثمان بن عفان، وبالتالي فإن القرآن الكريم ـ بحسب زعم جولدتسيهر ـ مر بمرحلتين: مرحلة المقروء ومرحلة المكتوب، وهي ما تسمى بمرحلة الشفاهي، ومرحلة التدويني.

وعن قضية (الشفاهي والتدويني) يقول مستشهداً بالمستشرق الألماني تيودور نولدكه (1836ـ1930م)، فيقول جولدتسيهر ما نصه: (وقد عالج هذه الظاهرة علاجاً وافياً، وبين علاقتها بفحص القرآن، زعيمنا الكبير: تيودور نولدكه في كتابه الأصيل البكر: تاريخ القرآن، الذي نال جائزة أكاديمية النقوش الأثرية بباريس)([3]).

إن كلام جولدتسيهر هذا واضحٌ جداً في كونه تقليداً لمن سبقه من المستشرقين، فإن من مصادر دراسات المستشرقين هي آراء المستشرقين الأوائل، علماً ان المستشرقين الألمان عموماً والمستشرق تيودور نولدكه خصوصاً من أخطر المنتقدين والمحاربين للقرآن الكريم، فإن خطر المستشرقين الألمان على القرآن الكريم كان ولا يزال كبيراً جداً، وما كلام جولدتسيهر إلا دليل واضح على ما قررناه.

فلنرجع إلى كلام نولدكه حول (الشفاهي والتدويني) والذي يقول فيه: (... اختلاف المأثور الشفوي عن النص العثماني، حتى في تكوينات النص المكتوب في وقت مبكر)([4]).

هنا يتبين أو تتبين المرجعية في هذه الفكرة، وهي موجودة عند شخص معاصر لنولدكه هو ميلمان باري (1902ـ1935م) صاحب نظرية: (الشفاهية والكتابية)، والتي تناولها في اطروحته: (النعت التقليدي عند هوميروس) في عام (1928م).

لقد كان للنظريات النقدية عموماً، ونظرية نقد الكتاب المقدس خصوصاً الأثر الكبير على المستشرقين في الانطلاق بنقدهم لكل ما هو مقدس، وبالخصوص نقد القرآن الكريم.

إن نظريات كثيرة كـ: الهرمينوطيقا، والتاريخانية، والتعددية، والتفكيكية... الخ، ما هي إلا نظريات نقدية أدبية، تستخدم لنقد النصوص الأدبية كالقصص والأساطير والأشعار، وما شاكل ذلك. ثم بدأ استخدامها على التوراة والانجيل، ومن ثم مارسها المستشرقون ومن شاكلهم على القرآن الكريم؛ من أجل رفع قداسته ونقده.

الرد على هذه الأقوال:

نقول: إن هذه مدعيات باطلة، مصدرها واحد، أخذها مستشرق عن مستشرق، وما هي إلا تقليد ايديولوجي من أجل نقد الإسلام عموماً ونقد القرآن الكريم بشكلٍ خاص، وليس عليها أي دليل.

ويمكننا الرد على المدعيات السابقة بجملة أمور هي:

1ـ ان تقسيم القرآن الكريم إلى شفاهي وتدويني لا يستقيم لغوياً وذلك لأنه واحد وليس اثنين، وهو لا يستقيم واقعياً لأنه لا يمكن حفظ شيء ما لم يكن مكتوباً، فمرحلة المكتوب أسبق من مرحلة الحفظ، ولا يستقيم تاريخياً ومصطلحياً لأن القرآن الكريم مكتوب ومحفوظ، وليس شفاهي وتدويني.

2ـ انهم يريدون قياس القرآن الكريم أو مقايسته على التوراة والإنجيل، أو إسقاط ما مرت به التوراة والإنجيل من مراحل، وهي مرحلة الشفاهي أولاً حتى سنين عديدة، ثم مرحلة المكتوب فيما بعد، بل وإسقاط قضية تعدد كتابة التوراة والإنجيل إلى حد التكثر المُخل، إلا ان قرر مجمع (نيقيا) حرق ما يقارب (300) إنجيل، وأبقى على (اربعة) أناجيل فقط. وهذا شيء خاص بالتوراة والإنجيل ولا يقاس عليه القرآن الكريم.

ـ ب ـ موقف الحداثيين منها:

يقول عبد المجيد الشرفي: (فإذا كان مصير الرسالة المحمدية مختلفا عن مصير رسالتي موسى وعيسى، حيث لم تدون التوراة إلا بعد قرون عديدة من موت موسى وإثر الأسر البابلي، ولم يدون الإنجيل إلا في روايات مختلفة لم تحتفظ منها الكنيسة إلا بأربع وامتزج فيها ما بلغه عيسى بأخبار حياته وكرازته، بينما دونت رسالة محمد بعيد وفاته وفصل فيها بين ما بلغه وما تعلق بسيرته، فتوافرت في المصحف من ضمانات الصحة ما لم يتوافر لما دون من الرسالتين السابقتين، فإن ذلك لا يعني اختلافا جوهريا في نوعية الرسالات الثلاث وفي المشاكل التي يثيرها التعامل معها، لا سيما بعد انتقالها من الشفوي إلى المكتوب، من القرآن إلى المصحف)([5]).

إن عبد المجيد الشرفي (1942ـ ....م) يقول بكل جرأة ان القرآن الكريم قد جرى عليه ما جرى على التوراة والإنجيل، وبما ان التوراة والإنجيل كانتا محلاً للتحريف، فالقرآن الكريم كذلك، وهذا كلام مفترى، وكله كذب وادعاء باطل، وما هو إلا نقل لمقولات المستشرقين في قضية (القرآن والمصحف) من جانب، وقضية (الشفوي والمكتوب) من جانب آخر.

إن أصحاب الطرح الحداثي يقسمون القرآن الكريم إلى تقسيمات مختلفة منها:

ـ أ ـ التقسيم الثنائي:

فما بين تقسيم القرآن الكريم إلى:

1ـ الشفاهي.

2 ـ المكتوب([6]).

وما بين تقسيمه إلى:

1ـ مرحلة الحفظ الشفوي.

2ـ مرحلة التدوين.

ـ ب ـ التقسيم الثلاثي:

1ـ الوحي الرباني.

2ـ القرآن المحمدي.

3ـ المصحف العثماني([7]).

ما بين التقسيم الثنائي أو التقسيم الثلاثي فإن دعاة الحداثة يريدون سلب القداسة عن القرآن الكريم، كونهم يرون بأنه نصٌ عادي، وانه غير إلهي، بل هو نصٌ بشري قد مر بمراحل تطور إلى ان وصل إلى مرحلة (المصحف)، كما وان الوحي هو حالة إنسانية تمر بها البشرية جمعاء، وما مرحلة (النبوة) إلا مرحلة اصلاحية تشمل بوذا وكونفوشيوس وديكارت وغيرهم، كل ذلك بحسب ما يزعمه دعاة الحداثة العربية.

الرد على هذه الأقوال:

نقول: إن هذا طرحٌ مجانبٌ للصواب، وما ذلك إلا منقولات ونقولات مقلدة للمقولات الاستشراقية المشككة بالقرآن الكريم، ويمكن الرد عليها بجملة أمور هي:

1ـ ان ذلك مجرد نقل لمقولات المستشرقين، والهدف منه التشكيك بالقرآن الكريم والطعن به.

2ـ انه ـ كذلك ـ قياس للتوراة والإنجيل على القرآن الكريم، وما ذلك إلا إسقاط مجانب للصواب.

 
([1]) مذاهب التفسير الإسلامي، اجانتس جولدتسيهر، ص4.

([2]) مذاهب التفسير الإسلامي، اجانتس جولدتسيهر، ص6.

([3]) مذاهب التفسير الإسلامي، اجانتس جولدتسيهر، ص7.

([4]) تاريخ القرآن، تيودور نولدكه، ص557.

([5]) عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص 43-44.

([6]) ينظر: هل قرأنا القرآن، يوسف الصديق: 17ـ18.

([7]) ينظر: الحداثة والقرآن، سعيد ناشيد: 10.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/26



كتابة تعليق لموضوع : الموقف من الوحي من قبل المستشرقين والحداثيين مواقف وردود
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net